مصرف حزب الله شريان حياة لبعض اللبنانيين خلال الأزمة


عندما بدأ الانهيار المالي في لبنان أواخر عام 2019، حُرم حسن شومر من مدخراته الدولارية حاله كحال أي شخص آخر في البلاد، عندما فرضت المصارف اللبنانية قيودا على عمليات سحب الأموال.

لكن المهندس الشاب كان لديه البديل، إذ لا يزال بإمكانه سحب الدولارات من حسابه في جمعية "القرض الحسن"، الذراع المالية لحزب الله.

كان شومر يمتلك حسابا في الجمعية منذ سنوات، منذ اقتراضه من المؤسسة لدفع رسوم الجامعة.

وعلى عكس المصارف التجارية اللبنانية، لا تحصل حسابات المؤسسة على فائدة، لكن شومر البالغ من العمر 28 عاما لم يكترث لذلك. وقال في مقابلة عبر الهاتف من جنوب لبنان "ما يهمني هو أنني عندما أريد نقودي أستطيع الحصول عليها".

يوفر حزب الله اللبناني شريان حياة حيويا لبعض اللبنانيين، في خطوة فشلت فيها الدولة ومؤسساتها المالية. وفي ظل اقتصاد متدهور، بات الجميع في أمس الحاجة إلى العملة الصعبة والسيولة مع انخفاض قيمة العملة المحلية. وفي المصارف التجارية، يقف المودعون في طابور لساعات للجدال مع مسؤول المصرف دون جدوى للوصول إلى مدخراتهم الدولارية. وتوقفت معظم المصارف عن منح القروض.

على الجانب الآخر، يستطيع الأفراد في مؤسسة "القرض الحسن" التابعة لحزب الله، الحصول على قروض صغيرة بالدولار بدون فوائد، مما يمكنهم من دفع الرسوم الدراسية أو الزواج أو شراء سيارة مستعملة أو فتح مشروع تجاري صغير، أو فتح حسابات توفير هناك.

المؤسسة، وهي منظمة خيرية غير ربحية رسميا، تشكل إحدى أدوات حزب الله التي يسعى من خلالها لترسيخ أقدامه بين المواطنين الشيعة في البلاد، على الرغم من تعرض الجماعة لانتقادات هائلة خلال العام الماضي من اللبنانيين الذين خرجوا احتجاجا على النخبة السياسية.

مع تصاعد معدلات الفقر في جميع أنحاء لبنان، يوفر حزب الله لأبناء الطائفة الشيعية مدارس ومستشفيات منخفضة التكلفة ويوزع وقود التدفئة على الفقراء. كما يواصل الحزب دفع رواتب مقاتليه وموظفي مؤسساته بالدولار الأمريكي، في الوقت الذي يحصل فيه الآخرون على رواتبهم بالليرة اللبنانية، التي فقدت قرابة 80٪ من قيمتها في الأزمة.

شهدت مؤسسة القرض الحسن زيادة كبيرة في عدد عملائها العام الماضي، على الرغم من خضوعها لعقوبات وزارة الخزانة الأمريكية منذ عام 2007.

وقالت بتول طحيني المتحدثة باسم المؤسسة "انعدام ثقة الأفراد في القطاع المصرفي أجبرهم على البحث عن أماكن أخرى"، مشيرة إلى أن عدد الودائع بات ارتفع بشدة في 2019 والسنوات السابقة، رغم أن القروض لم تزد كثيرا. ورفضت تقديم أرقام دقيقة.

وفي خطاب ألقاه مؤخرا، قال أمين عام حزب الله حسن نصر الله إن عدد عملاء المؤسسة تجاوز 300 ألف شخص. وذكرت المؤسسة أن عملاءها يمثلون طوائف لبنان المختلفة، لكن الغالبية العظمى يعتقد أنهم من المسلمين الشيعة.

قال روي بدارو، الخبير الاقتصادي اللبناني، إن المؤسسة جزء من دولة داخل الدولة و"طريقة مقنعة لاستكمال نشاطهم من خلال التمويل الصغير، على غرار المدارس والمستشفيات التي يديرها حزب الله، وما إلى ذلك".

وأضاف "الهدف هو استيعاب الأزمة الاقتصادية بين فقراء الشيعة".

تقدم المؤسسة قروضاً بدون فوائد تصل إلى 5000 دولار، والأهم من ذلك أنها تقدمها بالدولار هذه الأيام. تعمل المؤسسة منذ أكثر من ثلاثة عقود، وتعتبر أكبر مؤسسة مالية غير مصرفية في لبنان تقدم قروضا صغيرة.

وتلزم المؤسسة العملاء بوضع الذهب كضمان أو إحضار ضامن، وتسديد القروض على أقساط شهرية لمدة تصل إلى 30 شهرا، وبعد ذلك يتم إعادة الضمان. ويمكن للعملاء أيضا إنشاء حسابات لإيداع الأموال، والتي يتم استخدامها بعد ذلك لتمويل القروض. وتعمل الجمعية بموجب القواعد الإسلامية التي تمنع الفوائد.

تعتبر الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان هي الأسوأ في تاريخ البلاد الحديث، حيث انكمش الاقتصاد بنسبة 19٪ في عام 2020. وفقد عشرات الآلاف وظائفهم في جميع أنحاء البلاد، فيما يعاني قرابة نصف السكان، البالغ عددهم أكثر من 6 ملايين نسمة، من الفقر.

مزقت هذه الأزمة ثقة الناس في النظام المصرفي اللبناني، الذي كان في يوم من الأيام من بين أكثر الأنظمة احتراماً في المنطقة. مع تضرر المصارف، قرر الكثيرون الاحتفاظ بأموالهم في منازلهم، والتي تصل إلى 10 مليارات دولار، وفقا لمحافظ المصرف المركزي رياض سلامة.

وكان ذلك في صالح جمعية القرض الحسن، حيث لجأ البعض إليها كبديل لادخار أموالهم.

وقال الخبير الاقتصادي بدارو إن الخطر الذي يواجه حزب الله هو أنه مع ارتفاع مستوى الفقر وتفاقم الأزمة الاقتصادية، قد يتخلف الكثير من الناس عن سداد قروضهم. وأشار إنه إذا حدث ذلك، فقد يضطر حزب الله إلى استخدام أمواله لتغطية الودائع.

كما أن شهرة الجمعية جعلها هدفا.

فقد أعلنت مجموعة قرصنة تطلق على نفسها اسم "سبايدرز" أنها اخترقت نظام الجمعية ونشرت هويات بعض العملاء ولقطات من كاميرات الأمن من بعض فروعها. ونصحت العملاء بسحب أموالهم وإلا فقد يتعرضون لعقوبات أمريكية.

وأكدت جمعية "القرض الحسن" وقوع هجوم إلكتروني في أواخر ديسمبر / كانون الأول وصفته بأنه "جزئي ومحدود". وطلبت من العملاء عدم القلق بشأن الكشف عن هوياتهم. وقالت طحيني إن القضية قيد التحقيق.

كما أثار مشهد حصول عملاء الجمعية على دولاراتهم دون مشاكل استياء من نفوذ حزب الله في لبنان.

وصرح وليد جنبلاط، الزعيم السياسي للطائفة الدرزية اللبنانية والناقد لحزب الله، في مقابلة مع سكاي نيوز عربية: "هذا يظهر أن حزب الله آمن ومرتاح، بينما نحن في مأزق". وقال مازحا إنه يربي لحيته مثل المسلمين المحافظين ليحصل على قرض من الجمعية.

في خطاب ألقاه بعد أيام، رد أمين عام حزب الله، نصر الله، قائلاً إن كل ما على أي شخص فعله هو ملء طلب وتقديم ضمانات ذهبية.

كما وصف الجمعية بأنها صلبة للغاية، حيث قدمت 3.7 مليار دولار في شكل قروض لنحو 1.8 مليون شخص منذ تأسيسها. وتفاخر بأن العقوبات الأمريكية على مسؤولي حزب الله عززت جمعية "القرض الحسن"، حيث نقل البعض حساباتهم من المصارف إلى الجمعية.

وكشف للمرة الأولى أنه خلال حرب عام 2006 مع إسرائيل، قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية موقعا تم فيه تخزين الأموال والذهب. على الرغم من ذلك، تفاخر بأن كل عميل حصل على أمواله.

قال: "لم يخسر أحد سنتاً على الإطلاق".

ترك تعليق

التعليق