مغتربو درعا.. نواة مبادرات شعبية للتخفيف عن الأسر الأكثر احتياجاً


في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة، التي فرضتها حرب النظام على الشعب السوري طيلة السنوات العشر الماضية، بما جلبته من ويلات وتداعيات، بدأت تظهر في مناطق محافظة درعا المختلفة، العديد من المبادرات الشعبية وحملات التبرع الهادفة إلى مساعدة الأسر الأكثر احتياجاً وبؤساً للتخفيف من معاناتها، وذلك من خلال تقديم المساعدات العينية والمالية إضافة إلى تنفيذ بعض مشاريع البنية التحتية والخدمات الأساسية في القرى والبلدات.

وأكدت مصادر من داخل مناطق المحافظة، أن الحملات الشعبية والأنشطة الخيرية لأصحاب الأيادي البيضاء، موجودة فعلياً منذ ما قبل الحرب في المحافظة، لكنها بدأت تظهر بوضوح خلال العامين الماضيين، في ظل تنامي حالات الفقر بسبب البطالة، وتراجع المشاريع المدرة للدخل، وغياب فرص العمل الحقيقية، يضاف إلى ذلك الغلاء الفاحش، وعجز النظام عن تقديم أبسط أنواع الخدمات الأساسية.
 
وأضافت المصادر، أن من أسباب ظهور المبادرات الشعبية، وازدياد النشاطات الخيرية المستقلة، هو تراجع عمل الجمعيات الخيرية في المحافظة، بسبب فرض النظام قيوداً على أنشطتها، وإلزامها بالعمل الخيري داخل مناطق سيطرته التقليدية حصراً، إضافة إلى توقف أنشطة المنظمات الدولية الإغاثية مع سيطرة النظام على المحافظة، وارتفاع أعداد الأسر المحتاجة للمساعدات بعد أن فقدت معيليها ومواردها ومدخراتها، بفعل الحرب وممارسات النظام.

وأشارت المصادر إلى أن الكثير من مبادرات العمل الشعبي، التي أطلقها الأهالي في مناطق المحافظة، بهدف تنفيذ بعض المشاريع الخدمية الملحة، آتت أوكلها وانعكست إيجاباً على الأهالي، لافتة إلى أن العديد من المشاريع في مجالات حفر الآبار، وتمديد شبكات المياه، وترميم المدارس والطرق، وتزويد المشافي والمراكز الصحية بالأجهزة الطبية الضرورية، واسطوانات الأوكسجين الخاصة بمرضى كورونا، والمنافس، وإنارة الشوارع، وتأمين محولات الطاقة الكهربائية.. أبصرت النور، ووُضعت في الاستثمار الفعلي.

وأشار "محمد.س"- 42 عاماً- من ريف درعا الغربي إلى أن نواة هذه الأنشطة هم المغتربون واللاجئون من أبناء المناطق، وبعض الميسورين من أصحاب الأيادي البيضاء في الداخل، لافتاً إلى أن المغتربين، عدا عن دعمهم لتنفيذ مشاريع خدمية ملحة، قاموا أيضاً بتقديم مساعدات مالية وعينية عاجلة لمئات الأسر المحتاجة، لا سيما خلال فصل الشتاء، منها ما تم تسليمه للعائلات المستهدفة على شكل مبالغ مالية، ومنها ما تم تسليمه على شكل مساعدات عينية، كالمحروقات والحطب والمدافئ والمستلزمات المدرسية، والسلل الغذائية.

ولفت إلى أن من أبرز المبادرات، التي تم لحظها في مناطق المحافظة مؤخراً، شراء مادة الخبز من قبل المغتربين وتقديمها للأسر بشكل يومي، ولفترة تمتد لشهر أو شهرين، إضافة إلى تسديد الديون المتعثرة المترتبة على الأهالي لدى البقاليات والصيدليات ومحال السمانة، وتأمين احتياجات الأسر من الطعام والسلل الغذائية لفترات محدودة، ومساعدة المصابين بالأمراض المزمنة من خلال ثمن الأدوية وتكاليف العلاج، وبعض العمليات الجراحية المكلفة.
 
وأضافت المصادر أن من المبادرات اليومية، التي أسعفت بعض الأسر في تأمين قوتها اليومي، وضع "صناديق معونة غذائية" في محال بيع الخضار والفواكه أطلق عليها "صندوق الرحمة"، أو "صندوق القليل عند الله كثير"، يقوم المشتري بوضع حبة أو حبتين أو أكثر مما يشتريه في الصندوق طواعية، كتبرع منه، وفي نهاية اليوم يتم فرز المواد، وتوزيعها على الأسر المحتاجة.

ولفتت المصادر أيضاً إلى إطلاق حملات "كساء الرحمة" في بعض مناطق المحافظة، حيث تم خلال هذه المبادرات جمع الملابس الزائدة عن الحاجة، وتوزيعها على العائلات الفقيرة والمحتاجة، بعد تنظيفها وإدخال بعض التعديلات عليها.

وأشارت المصادر إلى أن تأمين هذه الأموال والمساعدات العينية، التي تقدر بملايين الليرات السورية، يتم عن طريق الحوالات المالية، التي يرسلها الأبناء في دول اللجوء والاغتراب، إلى وكلائهم في الداخل السوري، لافتة إلى أن عمليات التواصل، وطرح المشاريع والمبادرات الخيرية، تتم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وغرف الدردشة، التي كان لها الباع الطويل في إلقاء الضوء على الواقع المعيشي والاقتصادي للأهل في الداخل.

وتقول الخمسينية "تماضر محمد" وهي أرملة أربعينية تعيل خمس فتيات إن "مثل هذه المبادرات كانت باب فرج عليها، بعد أن ضاقت بها سبل العيش نتيجة الفقر، وعدم وجود معيل"، لافتة إلى أن أحد المغتربين أرسل لها نحو 200 ألف ليرة سورية خلال الشهر الماضي، مع سلة غذائية متنوعة، وبعض الوقود للشتاء، إضافة إلى تكفله بإرسال 100 ألف ليرة سورية بشكل شهري، ولمدة عام، ريثما تتحسن الأمور.

وأكدت أن هذه المبادرة الطيبة، حمت أسرتها من الجوع، ومد اليد إلى الآخرين، بعد أن فقدت كل خيارات العمل، مشيرة إلى ضرورة تشجيع هذه المبادرات، لما لها من دور في الحفاظ على الكرامة وحفظ ماء الوجه، في ظل العجز الكبير عن تأمين أبسط مقومات الحياة، في هذه الظروف الصعبة التي يعيشها الشعب السوري.

فيما أكد "ناصر المحسن" وهو معلم متقاعد، أن المغتربين نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الأهل في الداخل، باتوا ملزمين بتحمل مسؤولياتهم تجاههم، موضحاً أن كثيراً من أبناء العائلة الواحدة أو العشيرة في دول الاغتراب، يقومون بجمع مبالغ شهرية، وإرسالها إلى الأسر الفقيرة في عائلاتهم، إضافة إلى تمويل بعض المشاريع الخاصة بهذه العائلات.
 
يشار إلى أن الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة، فرضت نفسها بقوة على مختلف شرائح المجتمع السوري، حيث باتت آلاف الأسر غير قادرة على تأمين قوت يومها، في ظل غياب مصادر الدخل الثابتة، والانهيار الاقتصادي الكبير والغلاء الفاحش الذي تعاني منه البلاد.

ترك تعليق

التعليق