اللاجئ السوريّ في لبنان.. بين ضغينة محلية غير مبررة، وفساد أممي شائك


كانت ولا تزال تتردد عبارات ومقولات على ألسنة بعض السياسيين اللبنانيين، والتي باتت معروفة ومتكررة، تلقي باللائمة على وجود اللاجئين السوريين في لبنان، بوصفه سبباً للفشل السياسي والاقتصادي، وتردي الأحوال المعيشية في البلاد.
 
وما يزال يتردد في وسائل التواصل الاجتماعي أو من جانب بعض الإعلاميين في وسائل إعلام لبنانية تابعة أو مدعومة من جهات معروفة، عبارات من قبيل: "النازح السوري في لبنان يعيش في بحبوحة، النازح السوري في لبنان يقبض بالدولار، النازح السوري في لبنان مدعوم من الأمم، النازح السوري في لبنان طبابته مجانية ودراسته مجانية، النازح السوري في لبنان لم يترك لنا فرص للعمل، النازح السوري في لبنان يشاركنا شراء الأغذية المدعومة...".

وهي أقاويل تُطرح بشكل كبير من قِبل بعض اللبنانيين، وعلى ما يبدو أدى -أو سيؤدي- هذا الطرح المتكرر لتلك الأقاويل، إلى تشكل رأي عام سائد من شأنه إثارة النقمة ضد وجود السوريين في لبنان.

توضيح وواقع

للتوضيح فإن نسبة اللاجئين السوريين المستفيدين من خدمات مفوضية اللاجئين، مالياً، هي 48٪ من كل السوريين المسجلين في لبنان كلاجئين ومقيمين، البعض منهم يحصل على مساعدة غذائية قيمتها 100 ألف ليرة لبنانية للشخص أي ما يعادل (65) دولار تقريباً، وهذه القيمة لا تقبض بالدولار بل تصرف على شكل بطاقة أغذية ضمن بعض متاجر الغذائيات المتعاقدة مع برنامج الأغذية العالمي داخل لبنان.

ويوجد وبعض المستفيدين -ما يقارب 20٪ من اللاجئين السوريين- تقبض بالليرة اللبنانية من المساعدة الغذائية، التي قيمتها 400 ألف ليرة لبنانية للعائلة أي ما يعادل (262) دولار تقريباً حسب سعر الصرف المتغير، وهي أيضاً تُصرف داخل لبنان.

 وتراوح سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة اللبنانية خلال مستهل تعاملات الأربعاء في السوق الموازية (السوداء) بين 12200 ليرة و12150 ليرة، مقابل 12200 و 12300 ليرة لكل دولار، في ختام تعاملات الثلاثاء، بحسب وسائل إعلام محلية.

الوجود السوري وتأخير الانهيار الاقتصادي في لبنان

جلب وجود اللاجئين السوريين في لبنان دعماً كبيراً من المنظمات الدولية، ولولا هذا الضخ المالي الضخم المترافق مع مساعدات منظمة الإغاثة الدولية وبرنامج الأغذية العالمي، لكان الانهيار الاقتصادي في لبنان مرجحاً منذ زمن بعيد، حيث ضُخت الملايين في السوق اللبنانية بشكل مساعدات ودعم في مختلف المجالات وكلها مُوثّقة. وكثيراً ما خرج موظفو الأمم المتحدة وبرنامج الأغذية العالمي، وبيّنوا أرقاماً بالملايين، ضُخت في لبنان بهذا الغرض.

 كما أن اللبنانيّ مستفيد من الوجود السوري على أراضيه، سواء من حيث الوظائف العديدة التي وفرتها منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الشريكة لها، للبنانيين أنفسهم، تحت عنوان الوجود السوري، أو من حيث استفادة أرباب العمل اللبنانيين من عمالة السوريين بأجور قليلة قياساً بما يتقاضاه العامل اللبناني.

 ومن ناحية أخرى، يدفع السوريون أجور المنازل والمحلات والمستودعات التي يسكنوها، والتي تتراوح أجرتها ما بين (100-250) دولار شهرياً، والتي تعود إيراداتها لأصحابها اللبنانيين. فكثير من أصحاب الأراضي "البور" قاموا بتأجير هذه الأراضي للسوريين والعديد منهم اقتلع الأشجار من أراضيه وقام بتأجيرها للاجئين السوريين، فإيجار الخيمة تعود عليه بالربح الشهري أكثر من ربح الشجر، كما أن المنازل القديمة وغير المؤهلة للسكن والمستودعات، تم تأجيرها أيضاً للسوريين.

 إضافة إلى أن بعض الأسر اللبنانية تحصل على المساعدة الغذائية من منظمة الأمم المتحدة مثلها مثل بعض العائلات السورية، كما أن المدارس والمشافي والبلديات اللبنانية كلها مستفيدة من الدعم الذي يقدم باسم اللاجئين السوريين والذي يصل بالدولار ولكن نصفه "يتبخر"، ويُقدم جزء منه لبعض اللاجئين السوريين في لبنان.

ماذا عن المواد المدعومة؟

بالنسبة للمواد المدعومة التي تُباع في المتاجر اللبنانية والتي تسببت بحصول العديد من المشاجرات والعراك بين اللبنانيين أنفسهم سواء على كيس حليب مدعوم أو على علبة زيت مدعوم.. هذه المتاجر كانت تبيع اللاجئين السوريين عدداً من المواد المدعومة، في وقت سابق، الأمر الذي أثار نقمة اللبنانيين، فقامت كل المتاجر بالامتناع عن البيع للاجئين السوريين من هذه السلع المدعومة وأصبح البيع على بطاقة الهوية اللبنانية فقط.

مناشدات لمنظمات الأمم المتحدة


بعد العديد من المناشدات والاتصالات من قبل اللاجئين السوريين لمنظمة الأمم المتحدة والشكوى حيال ارتفاع أسعار المواد للضعف على اللاجئ السوري المستفيد من المساعدة الغذائية، واحتكار أصحاب المتاجر للبضائع المدعومة وعدم بيعها للسوريين، استجاب برنامج الغذاء العالمي وقام بإيفاد مراقبين تابعين لهم إلى المتاجر المتعاقدة معهم، فقام أصحاب تلك المتاجر ممن امتنعوا عن بيع السوريين عند وجود مندوب أممي، بتبرير ذلك، بذريعة أن السوريين "مخالفين للإقامة" (أوراقهم كاسرة)، وكل ذلك من أجل الاحتكار والتحكم بالأسعار.

وعند تواصلنا مع العديد من اللاجئين السوريين في لبنان أكدوا لنا أن أصحاب المتاجر يضاعفون عليهم أسعار المواد التي يحصلون عليها من بطاقة المساعدة الغذائية.

ويتساءل بعض من تحدث منهم، مع "اقتصاد"، عبر هذه التقرير: لماذا لا يقوم مسؤولون من مفوضية اللاجئين بالخروج على وسائل الإعلام اللبناني لتزويده بمعلومات شفافة عن عدد السوريين المسجلين في المفوضية، وعدد المستفيدين، وما هي مبالغ المساعدة المقدمة لكل أسرة وذلك توضيحاً للصورة الحقيقية وإغلاق باب الفتنة القائمة ضد اللاجئ السوري في لبنان في ظل هذه الظروف الصعبة والقاسية، والتأكيد أن البلد اللبناني بكافة قطاعاته مستفيد من الوجود السوري والدعم الذي يصل للبلد بالدولار في مقابل حصول اللاجئين على مساعدات بالليرة اللبنانية الفاقدة لقيمتها بشكل كبير؟!

 ولماذا لا يتم توضيح أن نسبة من اللبنانيين يحصلون على المساعدة الغذائية مثلهم مثل اللاجئ السوري، وأن عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين غير مؤهلين للحصول على أي مساعدة.

 هي أمور كثيرة يجب على مفوضية شؤون اللاجئين توضيحها عبر وسائل الإعلام وخاصة اللبنانية منها، في ظل هذه الأزمة الخانقة التي يعيشها لبنان اليوم، وغالبية اللبنانيين يعتقدون أن الأكل والشرب وأجور المنازل والعلاج كلها تُقدم للاجئ السوري كما يعتقدون أنه حتى الخبز يوزع مجاناً على اللاجئ السوري في لبنان. وهذا منافٍ للحقيقة والواقع.

 ووفق حديثنا مع عدد من اللاجئين السوريين في لبنان واستطلاعنا للظروف التي يعيشونها، أكدوا لنا أنه غير متفائلين بإمكانية خروج مسؤول أممي على الإعلام ووضع الأمور في نصابها، فهم يرون أن الموظفين الأممين لو أعلنوا عدد المستفيدين فسيفضحون حالة الفساد المستشرية في منظماتهم، ذلك أن السرقات التي تتم أكثر بكثير من الدعم المقدم للاجئين السوريين في لبنان.


ترك تعليق

التعليق