الليرة السورية مجدداً.. في أعقاب قرار المركزي بتخفيض قيمتها


للمرة الثانية منذ بداية العام، قام المصرف المركزي بتخفيض قيمة الليرة السورية أمام الدولار. وبالأمس، قام بتخفيضه بمقدار 7 بالمئة، من 2814 ليرة إلى 3015 ليرة، في محاولة منه لردم الهوة بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء، وبما يحقق استقطاب الدولار إلى السوق الداخلية، بهدف ترميم العجز في ميزان المدفوعات.

قرار المركزي، كان له ارتدادات محدودة على سوق الصرف الموازي، حيث تراجعت الليرة أمام الدولار بمقدار تراوح بين 40 إلى 50 ليرة، ليستقر الدولار فوق 4500 ليرة في أغلب المناطق السورية، وسط توقعات بمزيد من انهيار سعر الصرف، وذلك بعد أن تستوعب الأسواق عملية التخفيض على الليرة، من خلال إجراء حسابات جديدة، تأخذ بالحسبان السعر الجديد للمصرف المركزي.

على صعيد مواز، اعتبر العديد من المحللين الاقتصاديين، أن خطوة المركزي برفع سعر صرف الدولار الرسمي بمقدار 200 ليرة، سوف يكون تأثيره محدود على عملية استقطاب الحوالات الخارجية، كون الفارق بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء، لا يزال كبيراً، ويصل إلى نحو 50 بالمئة، بينما كان المأمول من المصرف المركزي أن يكون أكثر واقعية، وأكثر جرأة، ويرفع السعر إلى ما يقارب سعر السوق السوداء، وبالتالي تصحيح المعاملات التجارية، بدلاً من هذه البلبلة الحاصلة في الأسواق، والتي سببها الرئيس هو وجود سعرين للدولار.

ورأى المحلل الاقتصادي من دمشق، مروان قويدر، أن المتابع لسياسة المصرف المركزي، سوف يلاحظ أنه يستخدم أسلوب تمرير الصدمة بالتدريج، فهو في شهر نيسان من العام الماضي قام برفع سعر صرف دولار الصرافة والمصارف من 1256 إلى 2514 ليرة، أي بمقدار الضعف، ثم قام في مطلع شهر نيسان الماضي، برفع السعر مجدداً إلى 2800 ليرة، أي بمقدار 12 بالمئة، وأخيراً رفعه إلى 3015 ليرة بالأمس، وهو ما يعادل 7 بالمئة، أي أن المصرف المركزي خفض قيمة الليرة السورية خلال عام ونصف، بنحو 120 بالمئة.

وأضاف قويدر في حديث مع موقع "اقتصاد"، أن المركزي وعبر التدرج في تخفيض سعر صرف الليرة السورية، وعلى هذا النحو، لا يسعى أبداً للسيطرة على التضخم، وإنما السيطرة على ردود أفعال الناس والتجار تجاه التضخم، لافتاً إلى أن من يتابع نشرة الأسعار الصادرة عن وزارة التموين، سوف يلحظ وبقوة، الفارق الكبير في الأسعار بين مطلع العام الجاري واليوم، والذي يصل إلى أكثر من 80 بالمئة للعديد من السلع الأساسية وبالذات الغذائية.

بدوره اعتبر المحلل الاقتصادي من درعا، أحمد المسالمة، أن تحريك سعر صرف الدولار بمقدار 200 ليرة، لن يكون جاذباً للحوالات الخارجية كي تمر عبر القنوات الرسمية، لأن الفارق بين سعر المركزي وسعر السوق السوداء يتجاوز الـ 1500 ليرة، وبالتالي، وبحسب رأيه، فإن المغتربين سوف يستمرون بالبحث عن قنوات غير رسمية لإيصال حوالاتهم للداخل، رغم كل محاولات الملاحقة والقمع التي يقوم بها النظام، لمكاتب الصرافة غير الرسمية.

وعبّر المسالمة عن اعتقاده، بأن النظام يواجه أزمة اقتصادية خانقة، تتمثل بخلو خزائنه من العملات الصعبة اللازمة لتأمين مستورداته من المواد الأساسية، بينما لا يعرف كيف يجد حلولاً لمثل هذه الأزمة، كون العجز في الميزان التجاري هائل جداً، مشيراً إلى أن هذا الأمر بحاجة إلى قرارات جريئة، مثل تحرير سعر صرف الليرة أو على الأقل وضع سعر رسمي قريب من سعر السوق السوداء.

ولفت المسالمة، إلى أن المصرف المركزي يحاول أن يحارب على جبهتين، لكنه يستخدم قرارات متناقضة، الأمر الذي يفقد خطواته من أي معنى، وغالباً ما تنعكس بالسلب على الأسواق. وبيّن أن الجبهة الأولى التي يحارب عليها المركزي، هي السيطرة على التضخم، حيث قام في شهر نيسان الماضي برفع سعر الفائدة على الإيداعات من 7 بالمئة إلى 11 بالمئة، لكنه من جهة ثانية، أصدر قراراً آخر رفع بموجبه سقف السحب اليومي من المصارف فوق 5 مليون ليرة، على الإيداعات الحديثة حصراً، أي بعد صدور قرار رفع سعر الفائدة، متسائلاً: كيف سوف يقوم المركزي بالتمييز بين الإيداعات القديمة والجديدة للعميل..؟ هل هذا يعني أن العميل سوف يفتح حسابين برقمين مختلفين..؟

وأضاف المسالمة أن الجبهة الثانية التي يحارب عليها المركزي، هي تثبيت سعر صرف الليرة السورية عند مستوى معين، وهذا يتطلب قرارات تساعد على تسهيل دخول الدولار إلى السوق المحلية وليس طرده منها، وهو ما يحصل اليوم، إذ أنه مع وجود فارق كبير بين السعر الرسمي وسعر السوداء، فإن ذلك يشجع على عمليات المضاربة على الليرة، وبالتالي هبوطها بشكل أكبر.

ترك تعليق

التعليق