سوق "الهروب" من سوريا.. 15 ألف دولار للوصول إلى أوروبا


ينتشر على نطاق واسع وعلني في سوريا، مكاتب تعمل على تأمين هروب السوريين من البلد والوصول إلى أوروبا، مقابل دفع مبالغ مالية كبيرة، مستغلة الأوضاع الاقتصادية الصعبة وغياب الأمل بتحسنها، بالإضافة إلى رغبة الشباب بالهروب من خدمة الجيش، والتي تدفعهم لإجبار أهاليهم على بيع ممتلكاتهم وأصولهم من العقارات والأراضي، من أجل تأمين مبلغ التهريب، والذي يصل إلى أكثر من 15 ألف دولار للفرد الواحد.

ما هي مكاتب التهريب..؟

على مدى الأشهر الماضية، حاول موقع "اقتصاد" تتبع عمل العديد من المكاتب التي تعمل على تأمين تهريب الشباب من سوريا، والوصول إلى أوروبا، حيث تبين له أن هذه المكاتب عبارة عن محال تجارية عادية، مرتبطة بمكاتب سياحة وسفر تعمل بالخارج، في لبنان وكردستان العراق وتركيا والإمارات وليبيا.. إلخ، وتنحصر مهمتها بالوساطة بين الشباب الراغبين بالهجرة وبين هذه المكاتب الخارجية، مقابل عمولة مالية مجزية، تصل إلى نحو ألف دولار على الشخص الواحد.

ويؤكد سوريون في مناطق النظام، أن هناك عشرات المكاتب المنتشرة في أغلب المناطق السورية، وتعمل بالعلن على تأمين هجرة الشباب إلى أوروبا وتحقيق أرباح كبيرة.

ويقول أحد أصحاب مكاتب التهريب، وهو عبارة عن محل لبيع الدهانات في ريف حماة، في تصريح خاص لـ "اقتصاد"، إنه بسبب توقف سوق العمل اضطر للعمل في تأمين تهريب الشباب الراغبين للوصول إلى أوروبا، من خلال التعامل مع مكتب سياحة وسفر، في كوردستان العراق، يملكه سوريون، ويؤمن حسب قوله، طريقة تهريب مضمونة وبأقل قدر ممكن من المخاطر.

ويتابع صاحب هذا المكتب، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن المكتب الذي يتعامل معه في كوردستان العراق، يعمل على تأمين فيزا دراسة أو فيزا علاج في روسيا، مقابل مبلغ يتراوح بين 3 إلى 4 آلاف دولار، شاملة أجور السفر، مشيراً إلى أن مهمته الفعلية تنتهي عند هذا الحد، لتصبح بعدها العلاقة مباشرة بين الشاب وبين المكتب الرئيسي، الذي يتكفل بتأمين الوصول إلى أوروبا، من خلال التعامل مع شبكة من المهربين متواجدين في مناطق مختلفة على طول الطريق الواصل من روسيا إلى بولونيا، مروراً بروسيا البيضاء.

واستطاع صاحب هذا المكتب أن يؤمن لنا طريقة للتواصل مع المكتب الرئيسي في كوردستان العراق، بعد أن قدمنا له ضمانات بأننا لن نذكر اسم أي شخص، وما نهدف إليه هو إلقاء الضوء على هذه العملية فقط، لتبيان الحال الذي وصل إليه الشعب السوري، والذي بات على استعداد لتحمل كافة الظروف والمخاطر، من أجل الهروب من البلد.

التهريب من روسيا 

كان صاحب المكتب الرئيسي في كوردستان العراق، حذراً في تقديم المعلومات والبيانات عن طرق التهريب التي يؤمنها للشباب من روسيا إلى ألمانيا، وأصر على أن مهمته تنحصر فقط في تأمين القبول الدراسي أو الفيزا العلاجية، وبأنه لا يتعامل مع أي شبكة تهريب في روسيا أوغيرها.. لكن من خلال التواصل مع بعض الشباب الذين حصلوا على فيزا من هذا المكتب بالتحديد للسفر إلى روسيا، بقصد العلاج أو متابعة الدراسة، أوضحوا لنا أنه بعد الوصول إلى روسيا، ينتقلون إلى بيلاروسيا، مقابل مبلغ 500 دولار، بعد أن يكون المكتب قد حملهم بعناوين مكاتب أخرى في ذلك البلد، الذين بدورهم يتعاملون مع مهربين يوصلونهم إلى بولونيا ومنها إلى ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية.

وبيّن أحد الشباب الذي استطاع الوصول إلى ألمانيا قبل عدة أيام، في تصريح خاص لـ "اقتصاد"، أنه استغرق حصوله على فيزا دراسية في روسيا مدة ثلاثة أشهر ونصف، مقابل مبلغ 3500 دولار، بما فيها تذكرة الطائرة، مشيراً إلى أنه تقدم للحصول على مثل هذه الفيزا، هو وسبعة شباب آخرين من نفس المنطقة، إلا أنهم سلكوا طرقاً مختلفة للوصول إلى روسيا، وبفترات زمنية متفرقة، وذلك بحسب تنسيق المكتب الرئيسي في كوردستان العراق، حتى لا يثيروا الشكوك، بأنهم ينوون التهريب إلى أوروبا.

وأضاف هذا الشاب أنه وصل إلى موسكو قبل نحو شهرين، حيث مكث فيها لمدة أسبوع إلى أن وصل جميع أصدقائه السبعة الآخرين، ثم انطلقوا إلى مينسك، عاصمة بيلاروسيا، ومنها تواصلوا مع أحد المكاتب هناك، الذي طلب مبلغ 5 آلاف دولار لإيصالهم إلى ألمانيا، ثم قام بنقلهم إلى منطقة في العراء، ليمكثوا هناك عدة أيام، بانتظار أن يحين وقت التهريب، وذلك وفقاً لإرادة المهرب.

ويروي هذا الشاب الظروف الصعبة التي مروا بها وهم يقومون بمحاولات التهريب المتعددة الفاشلة، بسبب عدم أمان الطريق، لافتاً إلى أنهم كانوا في بعض الأحيان يمشون لعدة أيام في العراء والبرد القارس، ثم يعودون إلى نقطة البداية.

وأخيراً، يقول هذا الشاب إنهم استطاعوا الوصول إلى ألمانيا، بعد أكثر من عشرين يوماً من المحاولات وأيام كثيرة من المشي والجوع والعطش، كادوا أن يفقدوا فيها حياتهم، نتيجة الرقابة الشديدة على طول الحدود من قبل الجيش البيلاروسي والجيش البولوني على الجهة المقابلة، حيث أشار إلى أنه سمع الكثير من قصص القتل التي تعرض لها بعض الشباب المهاجرين بعد أن تم اكتشاف أمرهم.

وختم هذا الشاب، أنه تكلف بمبلغ يفوق الـ 15 ألف دولار حتى وصل إلى ألمانيا، متضمنة أجور الإقامة في موسكو ومينسك، بالإضافة إلى تكاليف الأكل والشرب فيهما وأجور النقل في أربع دول، هي روسيا وبيلاروسيا وبولونيا وداخل ألمانيا.

التهريب من ليبيا وتركيا 

ويؤكد سوريون في مناطق النظام أنه يومياً هناك عشرات الشباب الذين يخرجون من سوريا، بقصد التهريب إلى أوروبا، وأكثر طرق التهريب شيوعاً، هو عبر تركيا إلى اليونان أو من ليبيا إلى إيطاليا، وهذا الأخير، أصبح طريقاً شائعاً بسبب تكلفته المنخفضة، لكن مخاطره كثيرة.

وأفاد شباب وصلوا إلى إيطاليا قبل نحو ثلاثة أشهر، انطلاقاً من دمشق إلى القاهرة ومنها إلى ليبيا، أن نسبة النجاة في هذا الطريق تكاد تعادل الواحد بالمئة، ومع ذلك أشاروا إلى أن هناك مئات الشباب السوريين الذين يتجمعون في ليبيا وينتظرون دورهم في التهريب إلى أوروبا.

وأكدوا أن تكلفة التهريب عبر هذا الطريق من دمشق، تصل إلى نحو 10 آلاف دولار، لكنهم لفتوا إلى أن هذا التهريب لا تقوده مكاتب تعمل من سوريا، وإنما يجري الإعداد له عبر مهربين يعملون داخل ليبيا.

وبخصوص التهريب من تركيا إلى اليونان أو إلى بلغاريا، فهو بحسب الكثير من المتابعين لا يزال الأكثر استخداماً، إلا أنه يخص السوريين المقيمين في تركيا، وقلما يقصده سوريون قادمون من سوريا، بسبب تكلفة التهريب المرتفعة إلى تركيا، والتي تبلغ في بعض الأحيان نحو 5 آلاف دولار على الشخص الواحد.

ترك تعليق

التعليق