الاحتياطي النقدي السوري..قلعة من الملح

لا يفوّت النظام السوري فرصة لتقديم نفسه بأنه قوي ومتماسك اقتصادياً، معتبراً أن ترسانته النقدية ما زالت بألف خير، رغم أن واقع الحال الذي يعيشه الاقتصاد السوري، يشي بغير ذلك .
بتحليلٍ بسيط لبعض الأرقام التي منها ما أتى على لسان مسؤولي السلطة النقدية، ومنها ما نشر من بيانات وموازنات قامت به "زمان الوصل"، سنجد بما لا يدع مجالاً للشك أن ترسانة القطع الأجنبي التي يمتلكها النظام ما هي إلا قلعة من الملح.

وعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن الإشارة إلى آخر تصريح لحاكم مصرف سوريا المركزي أديب ميالة فيما يخص الاحتياطي النقدي، والذي أشار خلاله إلى أن "احتياطي العملات الصعبة انخفض ولكن بنسبة قليلة، ولم يتم استخدام حتى 10% منه" ضارباً عرض الحائط بكل الوقائع التي تشير إلى عدم الثقة بقدرة الاقتصاد على الصمود، ومخالفاً ما سبق وصرح به في وقت سابق مراهناً على نسيان السوريين. 

يكابر النظام السوري بمختلف أركانه من خلال التأكيد على أن الترسانة النقدية ما زالت بأفضل حال، نافياً حتى وجود مساعداتٍ من الحلفاء السياسيين كإيران وروسيا وغيرهما، مما يطرح جملة تساؤلات أبرزها، من أين ينفق إذاً على كل هذه العمليات العسكرية؟ وما معنى الاحتجاجات التي خرجت من قلب الحليف السياسي إيران؟ وما معنى القرض الذي طلبته الحكومة السورية من روسيا والذي وصلت قيمته إلى 20 مليار دولار، وبقي معلقاً دون ردٍ روسي؟

وكون أحدث الأرقام التي تحدثت عن الاحتياطي النقدي جاءت على لسان حاكم مصرف سوريا المركزي، وحدد أن ما استخدم من الاحتياطي لا يتجاوز 10 %، فعلينا أن ندين الرجل من فمه، فقبل نحو عام، كان قد أكد استخدام ما يقارب ملياري دولار من احتياطي العملات الأجنبية، من أصل 17 مليار، أي ما نسبته أكثر من 12%، فكيف الحال اليوم بعد مضي عام والعمليات العسكرية تستنزف الاقتصاد السوري يوما اثر يوم، والتي تم تقدير تكلفتها الشهرية بنحو مليار دولار شهرياً، بحسب خبراء الاقتصاد والمتابعين للشأن الاقتصادي السوري.

وفي حين يؤكد المسؤولون في النظام السوري على صمود الاقتصاد، إلا أن المراقبين يتهيؤون لإعلان ساعة الصفر انطلاقاً من أن الكلمة الفصل ستكون للاقتصاد، لتأتي زلة لسان النائب الاقتصادي في الحكومة السورية قدري جميل خير دليلٍ على ذلك، حيث أكد أن عمر الاقتصاد السوري ثلاثة أشهرٍ وعندها سيصاب بالسكتة القلبية، كلام له دلائل ومعطيات من قلب الاقتصاد السوري، فمنذ بداية الثورة تستنزف الآلة العسكرية الاقتصاد السوري إلى حدٍ بعيد، ووفقاً للأرقام الرسمية التي تنشر بين الفينة والأخرى نجد أن حاجات سوريا في أيام الاستقرار تصل بشكلٍ يومي إلى 45 مليون دولار، لتغطية العمليات التجارية المتنوعة، ومع انخفاض حجم الاستيراد تدنت التكلفة اليومية إلى 15 مليون دولار يومياً، لكن يقابلها فاتورة عسكرية باهظة الثمن تصل لحوالي 330 مليون دولار يومياً (مليار دولار شهرياً)، أي بزيادة سبعة أضعاف عن الفاتورة اليومية التي كانت تغطي العمليات التجارية قبل الأحداث .

إلى جانب شلل العملية الاقتصادية بشكلٍ شبه تام، وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر القطاع السياحي الذي كان يدر على سوريا أكثر من 8 مليار دولار سنوياً، وهو ما كان يسد عجز الميزان التجاري السوري الذي يقدر بـ 3 مليار دولار، وعلى ذكر الميزان التجاري لا يمكننا تجاهل الدور الذي كان يؤديه النفط بالنسبة لسوريا في تأمين القطع الأجنبي للبلاد، حيث وصل الإنتاج اليومي إلى 380 ألف برميل يومياً لكنه اليوم انخفض إلى أقل من 150 ألف برميل، لا تكفي لتغطية احتياجات السوق السورية من المشتقات النفطية، كما لا تكفي لتأمين وقود الآلة العسكرية التي تتحرك يومياً بشتى الاتجاهات على الأراضي السورية
وعلى الرغم من تداول 17 مليار دولار على أنه احتياطي قطع أجنبي في المصرف المركزي السوري إلا أن هذا الرقم تشوبه جملة من التساؤلات، يمكن توضيحها، فحسب ميزانية مصرف سورية المركزي التي نشرت في شهر شباط عام 2010، تمت الإشارة إلى أن احتياطي للمركزي حوالي 13 مليار دولار، يمتلك منها مصرف سورية المركزي ما يقارب 5.5 مليار دولار، ويضاف إليها مليار ونصف تقريباً احتياطي الذهب، وسواء أخذنا بهذا الرقم أو ذاك فإن الرقمين كليهما يؤكدان اقتراب الحسم الاقتصادي، فأصدقاء النظام السوري يطيلون من عمره لكن لا يستطيعون إبعاد شبح الموت عنه .

ترك تعليق

التعليق