اقتصاد التفاصيل المرهقة


يصعب على المراقب لواقع الاقتصاد السوري اليوم، أن يجد له طرفاً يمسكه به. فجميع زواياه أصبحت مدورة، وقراره عميق لا يمكن رؤيته من السطح.. إنه أشبه بمتاهة من الخطوط الدائرية، المتداخلة مع بعضها البعض.. قرارات داخل قرارات، وتفاصيل داخل تفاصيل.. هو باختصار تمثيل حقيقي لتصريحات وزير الخارجية السابق وليد المعلم، الذي هدد الغرب بإغراقه بالتفاصيل، لكنه هذه المرة أغرق السوريين بتفاصيل أشد خطورة، كون الأمر يمس حياتهم المعاشية اليومية.

لو أردنا أن نمسك الفكرة السابقة بشكل أوضح، فيمكننا الاستعانة بنموذج بسيط، وهو واقع تسعير المواد التي ما يزال النظام يسيطر على توزيعها، كالمحروقات على سبيل المثال، فلو سألت اليوم أي سوري عن سعر مادة المازوت مثلاً، فإنه سوف يقف حائراً ماذا يجيبك، كون سؤالك ليس دقيقاً بالنسبة له، فهناك مازوت مدعوم، ومازوت غير مدعوم على البطاقة الذكية، ومازوت حر، ومازوت مخصص لوسائل النقل، ومازوت مخصص للتدفئة ومازوت صناعي وتجاري ومازوت تبيعه الشركات الخاصة ومازوت في السوق السوداء، ثم هناك تفاصيل أخرى تتعلق بطرق توزيع هذه المادة وطرق الحصول عليها.. رسائل على الجوال، ومدد زمنية متغيرة باستمرار، معتمدون لتوزيع هذه المواد، وتكاليف أخرى تتعلق بالمسافات.

وما ينطبق على المازوت يمكن سحبه على الكثير من السلع والقضايا، كالخبز والبنزين والغاز والسكر والزيت والدخان والمتة والكهرباء والتصدير والاستيراد والخليوي وسعر الصرف ووسائل النقل.. إلخ، ففي كل هذه الأشياء سوف تجد نفسك أمام تفاصيل تدوخ الرأس إذا ما أردت فك رموزها.

هذا الأمر، بحسب الكثير من المراقبين، هو سلوك مقصود من قبل النظام، والهدف منه إدخال الشعب السوري في دوامة، لا يستطيعون معها التفكير بأي شيء آخر، من أجل تمرير ما هو أعظم وأكبر، وقد بدأت تتضح ملامحه مع تسريب أخبار سيطرة الإيرانيين على الكثير من مقدرات الاقتصاد السوري، ناهيك عن المقدرات الأخرى التي سيطر عليها الروس.

وهو أيضاً يندرج ضمن السلوك الانتقامي الذي تميز به النظام، من أجل تأديب الشعب السوري وجعله يندم على الساعة التي فكر فيها بالثورة عليه.

ولا ننسى أيضاً أن هذه التفاصيل الكثيرة، أبعدت المحللين والخبراء عن ساحة الاقتصاد السوري ومحاولة نقده وتقييمه.. فهو أصبح بحاجة لتفرغ تام من أجل الإلمام وملاحقة ما يستجد من قرارات وتفاصيل داخل هذه القرارات.. وهو ما بدأنا نلمسه في الأعوام الثلاثة الأخيرة. 

ترك تعليق

التعليق