الديون الإيرانية على النظام السوري.. وموت إبراهيم رئيسي


تميّز عهد الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، بأنه هو من بدأ الضغط على النظام السوري لتحصيل الديون الإيرانية البالغة نحو 50 مليار دولاراً، وفقاً لمصادر غير رسمية، إذ أنه بعد أشهر قليلة من توليه منصب الرئيس في العام 2021، أخذت وسائل الإعلامية الإيرانية تتحدث عن ضرورة تحصيل الديون على سوريا، ثم بدأت إيران بممارسة الضغوط، من خلال التلكؤ بإرسال شحنات النفط للنظام، الأمر الذي دفع بشار الأسد لزيارة إيران في شهر أيار من العام 2022، وكان من بين الطلبات العاجلة التي قدمها هي النفط، لأن البلد كانت مقبلة على ما يشبه الشلل التام في أعقاب توقف توريدات النفط الإيرانية.

لكن طهران لم تستجب لطلب بشار الأسد، الأمر الذي دفعه لإرسال وزير خارجيته، فيصل المقداد، في شهر تموز من ذات العام لزيارة إيران حاملاً نفس الطلب، ومع ذلك لم تستجب إيران مباشرة، وقامت بعدها بشهرين بإرسال ثلاثة سفن محملة بالنفط، بالتزامن مع الإعلان عن نية الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي زيارة دمشق في نهاية ذلك العام، وطلبت من حكومة النظام تشكيل لجان مشتركة لتحديد المواضيع التي سيبحثها الرئيس الإيراني مع رئيس النظام السوري.

إلا أنه لظروف لم يتم الكشف عنها، تم تأجيل زيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق إلى مطلع الشهر الخامس من العام الماضي 2023، وهي الزيارة التي بدأت تظهر فيها للعلن بوادر الخلاف بين الجانبين، على إثر الكشف عن مضامين بعض الاتفاقيات التي تم توقيعها بين البلدين، والتي في أغلبها تتعلق بمسألة تحصيل الديون الإيرانية على النظام السوري.

وقبل زيارة الرئيس الإيراني لدمشق، كانت وسائل إعلام دولية قد سربت الكثير من المعلومات عن ضجر مسؤولي النظام السوري وشكواهم، إبان اللجان المشتركة تحضيراً للزيارة، من أنهم تفاجئوا بأن طهران تطلب تنازلات سيادية مقابل الديون.

مسودة الاتفاقات الجديدة التي فاجأت دمشق، تتعلق بأن يعامل الإيرانيون في المستشفيات، والمؤسسات العلمية، وغير ذلك، كما يعامل السوريون. وفي حال ارتكب إيرانيون جريمة، فإنهم يحاكمون أمام القضاء الإيراني وليس القضاء السوري. وهذه المسودة مشابهة للاتفاقية القائمة بين دمشق وموسكو نهاية 2015 إزاء تأسيس قواعد عسكرية في حميميم وطرطوس، التي أعطيت امتيازات عسكرية ودبلوماسية واسعة، باستثناء القضاء. كما تشبه المسودة أيضاً تلك الاتفاقات التي كانت قائمة بين الدول الغربية والإمبراطورية العثمانية قبيل انهيارها وقيام تركيا في عشرينات القرن الماضي.

كما طلبت إيران أراضي في سوريا واستحواذ على مؤسسات في قطاعات حيوية كالاتصالات والصناعة والكهرباء والتجارة والتربية والتعليم، بالإضافة إلى الحصول على امتيازات تجارية واسعة، وعلى ما يبدو أن بشار الأسد اضطر للتوقيع على هذه الاتفاقيات إبان زيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق، إلا أنه بدأ يماطل في تنفيذها، لتبدأ بعدها مرحلة جديدة من الضغوط الإيرانية، مستخدمة سلاح إيقاف شحنات النفط، ومن ثم الضغط عبر سفيرها بدمشق، الذي أخذ يتنقل بين مسؤولي النظام الكبار مطالباً إياهم بضرورة الإسراع بتنفيذ الاتفاقيات التي تم توقيعها بين الجانبين.

هذه المرحلة من العلاقات المتشنجة بين إيران والنظام السوري، كانت أبرز ما ميّز عهد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والذي ينتمي إلى تيار المحافظين المتشددين، وكان من أكثر المؤمنين بمشروع إيران التوسعي في المنطقة، لهذا كان يتم إعداده لخلافة المرشد الأعلى بعد وفاته.

قد يقول قائل، بأن السياسة الإيرانية لا يقودها الرئيس وإنما هو من ينفذها، ما يعني بأن مشروع الضغط على النظام السوري لن يتوقف بموت ابراهيم رئيسي، بل سوف يستمر عبر من سيخلفه، لأنها مسألة استراتيجية بالنسبة لإيران.. وهو قول له وجاهته، لكن يجب أن لا نغفل بأن من سبقوا رئيسي لمنصب الرئيس لم يمارسوا كل هذا الضغط على النظام السوري لتحصيل الديون، ولم يتم تسجيل سوى حالة واحدة توقفت فيها إيران عن تزويد النظام بالنفط وكانت في العام 2019.

ويومها احتجت إيران على تنصل النظام السوري من تنفيذ الاتفاقيات التي وقّعها رئيس الوزراء عماد خميس بعد زيارة إلى طهران في العام 2017، والتي أعطى فيها للجانب الإيراني امتياز المشغل الثالث للخليوي في سوريا، بالإضافة إلى حق استثمار الفوسفات السوري لمدة 99 عاماً.

وهذه الأزمة انتهت إثر زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى طهران في العام 2019، وكانت الزيارة الأولى التي يقوم بها إلى إيران منذ العام 2011.

بكل الأحوال، قد لا تتوقف إيران عن المطالبة بديونها، لكن بلا شك فإن النظام السوري سوف يرتاح كثيراً في المرحلة القادمة من الضغوط الإيرانية إلى حين الانتهاء من إعادة انتخاب رئيس جديد وعودة الاستقرار للحياة السياسية في البلد، ثم من جهة ثانية فإن انتظار سياسة إيرانية جديدة مع الرئيس الجديد، أمر يمكن الرهان عليه، سيما وأن المرشد الأعلى علي خامنئي، بموت إبراهيم رئيسي، يكون قد فقد أبرز أذرعه في مشروعه السياسي، الداخلي والخارجي.

ترك تعليق

التعليق