السفير الإيراني وعرنوس.. وأشياء أخرى


في مادة تم نشرها في موقع "اقتصاد" في 22 شهر نيسان الماضي، تحت عنوان "السفير الإيراني في دمشق.. أكبر من سفير"، تم الإشارة إلى أن السفير الإيراني يتعامل مع المسؤولين السوريين الكبار بندية، فيجتمع برئيس الوزراء ويلتقي بالوزراء، دون حساب للبروتوكولات الدبلوماسية، التي لا تجيز للسفير أن يقوم بهذه المهام إلا إذا كان يحمل رسالة من قيادته لأحد المسؤولين من نفس المرتبة، أو أن يكون حاملاً لتسمية أخرى غير منصب السفير، مثل "المبعوث الخاص للرئيس"، كما هو حال السفير الروسي بدمشق.

إلا أن السفير الإيراني بدمشق، حسين أكبري، يجول ويصول بين مسؤولي النظام السوري، دون أن يحمل التسمية السابقة، ومع ذلك يتم نشر أخبار لقاءاته على صفحات إعلام النظام ذاته، دون الشعور بالحرج بأن ذلك يشكل إساءة لمقام السلطة بالبلد.

قبل يومين التقى أكبري رئيس وزراء النظام، حسين عرنوس، وهي المرة الثانية التي يلتقي به منذ العام الماضي، ليبحث معه "عدداً من ملفات التعاون الثنائي في مجالات الطاقة والنقل والصناعة والتجارة البينية والبنوك والتأمين والسياحة، وضرورة الإسراع بتنفيذ الاتفاقيات والتفاهمات التي توصل إليها البلدان خلال الفترة الماضية، لتحقيق المصالح المشتركة للجانبين"، وفق ما جاء في الصيغة التي نشرتها صحيفة "تشرين" التابعة للنظام.
 
وهي صيغة تشير بوضوح إلى أن إيران تمارس ضغوطاً على النظام السوري من أجل الحصول على ديونها، وبالتالي فإن سفيرها يلتقي ما يمكن وصفه بالشخصية الثانية في البلد بعد الرئيس، من منطلق القوة والفوقية، مثلما يفعل أحدنا في الحالات العادية عندما يرسل أحد أبنائه الصغار لكي يطلب تحصيل دين من شخص أو زبون..

هذه المرحلة جاءت بعد زيارة الرئيس الإيراني، ابراهيم رئيسي، إلى دمشق، مطلع أيار من العام الماضي، حيث -على ما يبدو- أنه اتفق مع رئيس النظام بشار الأسد، على صيغة معينة للحصول على الديون، ثم بدأ بعدها النظام السوري يماطل في تنفيذ هذه الصيغة، الأمر الذي استدعى تدخل السفير الإيراني أكثرة من مرة، لكي يحث المسؤولين على الالتزام بما تم الاتفاق عليه.

كما يمكن ملاحظة بأن لقاءات السفير الإيراني الكثيرة مع مسؤولي النظام، تعني في السياق ذاته، بأن إيران جادة في ضغوطها على النظام السوري، لكنها تستخدم ورقة الديون ليس لأنها تريد المال الذي صرفته، وإنما للحصول على وضع معين في سوريا، باطنه سياسي وظاهره اقتصادي، وهو على ما يبدو ما يجعل النظام متخوفاً ويماطل في تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين البلدين، بعد أن أدرك حقيقة الأطماع الإيرانية في سوريا والمنطقة.

هناك الكثير من المؤشرات التي تدل على اضطراب العلاقة بين إيران والنظام السوري، أقلها هو تعالي الأصوات من طبقة سياسية وإعلامية مؤيدة والتي باتت توصّف الوجود الإيراني في سوريا على أنه قوات احتلال، وأكثرها وضوحاً هو التغييرات العسكرية الكبيرة التي قام بها النظام السوري في الأشهر الأخيرة، والتي على ما يبدو أنه يهدف من خلالها إلى إبعاد كل القيادات العسكرية الموالية لإيران.. ثم لا يمكن إغفال استهداف إسرائيل المباشر لقيادات عسكرية إيرانية كبرى بدمشق، ما يشير بشكل أو بآخر إلى أن النظام السوري له يد في هذه الاستهدافات أو على الأقل راض عنها.

العديد من المراقبين يؤكدون بأن النظام السوري يمر بمرحلة مخاض عسير، لكي يتخلص من الوجود الإيراني في سوريا.. إنه يلاعب إيران بحرفية توازي تقريباً أسلوبها وأدواتها الذكية في السيطرة على الدول التي استطاعت التمدد فيها.. وما كانت إيران لتزيد من ضغوطها عليه، لولا أنها استشعرت خطر ما يخطط له النظام السوري. 

لهذا وكما صرح أحد المحللين الإيرانيين على إحدى القنوات الإخبارية، فإن بلاده لن تتنازل بسهولة عما وصلت إليه في سوريا على مدى ثلاثة عشر عاماً.. لكنه لم يقل ماذا يمكن أن تفعل فيما لو استطاع النظام السوري تحجيم الدور الإيراني في سوريا أو حتى إنهائه..؟

على ما يبدو أن إيران لديها أقوال أخرى لم تفصح عنها حتى الآن.

ترك تعليق

التعليق