سوريون لـ"اقتصاد":مكاتب عقارية تستغل اللاجئين وترفع إيجارات الشقق في مصر


 
إيجار الشقة دون فرش ارتفع من 1200جنيه إلى 2400جنيه في 6 أكتوبر
 


كأي مأساة إنسانية، ينقسم الناس إلى فئتين، واحدة تتعاطف مع الضحايا فتُعينهم على مأساتهم، وأخرى تستغل الظرف وترى فيه فقط باباً جديداً للكسب المادي.
 
هكذا كانت حال السوريين اللاجئين إلى مصر، فمنهم من لاقاه مصريون بالترحاب والمساعدة، ومنهم من تعرّض لعمليات النصب وربما في حالات لابتزاز.

 ولا تختلف حال السوق العقارية المصرية عن سواها على هذا الصعيد، فكما أن مأساة النزوح الكبيرة للعراقيين إلى سوريا بعيد 2003 أدت حينها إلى ارتفاع غير مسبوق في إيجارات الشقق مع تصاعد أسعار بعض السلع، استغلالاً من جانب التجار وبعض الملّاك وأصحاب المكاتب العقارية لاحتياجات العراقيين الملحّة يومها، فالمشهد في مصر لا يختلف كثيراً اليوم، فالسوريون أيضاً يتعرضون لاستغلال بعض المصريين لاحتياجاتهم الملحّة للسكن والإقامة حالما يصلون الأراضي المصرية.
 
سوريون يروون لـ"اقتصاد"تجاربهم

في صيف العام المنصرم كان من السهل على أي شخص أن يجد شقة ممتازة ومفروشة في مدينة 6 أكتوبر القريبة من القاهرة، بإيجار شهري لا يتجاوز 1200 جنيه (ما يقارب 200 دولار)، أما اليوم فباتت هكذا شقة من الأحلام في تلك المدينة التي غصّت بالسوريين.
 
يروي (أبو أحمد-ن) لـ "اقتصاد" أنه استأجر شقته في إحدى أحياء 6 أكتوبر المقبولة بـ 1500 جنيه (ما يقارب 250 دولار) دون فرش، أما (نجيب– ق) فيؤكد لـ"اقتصاد" قائلاً: "من يقول لك أن هناك شقة مقبولة بـ 6 أكتوبر بأقل من 1500 جنيه فهو كاذب، وتكون الشقة غير مفروشة، أما إن كانت مفروشة فالسعر دون شك سيرتفع إلى 2000 جنيه أو أكثر".
 
(رفيق- ل) استأجر شقة غير مفروشة في إحدى أحياء 6 أكتوبر الراقية نسبياً بـ 2500 جنيه شهرياً (ما يقارب 400 دولار)، بينما استأجر شقيقه شقة مفروشة في الحي ذاته بـ 3500 جنيه شهرياً (ما يقارب 580 دولار).
 
أصحاب المكاتب العقارية يتصيّدون السوريّ

حينما تسأل أي مصري من غير الساكنين في 6 أكتوبر عن معلوماته حول إيجارات الشقق فيها، يؤكد لك أن إيجار الشقة الممتازة مفروشة بـ 1200 جنيه كحد أقصى، وحينما تحدثه عن الأسعار الراهنة يستغرب، أو يلمح لك بأن المكاتب العقارية رفعت الإيجارات خصيصاً للسوريين.
 
أصحاب بعض المكاتب العقارية يدافعون عن أنفسهم ويؤكدون أن إيجارات الشقق في بعض المناطق التي يكثُر فيها السوريون تضاعفت حقاً، لكن بسبب تزايد الطلب على الشقق المؤجرة، وليس بسبب استغلال السوريين تحديداً، فالقضية لا تتعدى قانون عرض وطلب، كلما زاد الطلب على السلعة ارتفع سعرها، والشقق المؤجرة لا تخرج عن هذه القاعدة، فإيجارات الشقق في مصر شهدت قفزات في الأسعار بعيد كل موجة لجوء لمواطنين من دول عربية أخرى، هذا ما حصل بعيد حرب العراق 2003 وبعيد ثورتي ليبيا وسوريا.
 
لكن عاملين في مكاتب عقارية أخرى لم ينكروا حقيقة أن بعض هذه المكاتب تتفق مع صاحب العقار لرفع الإيجار حالما تتصيّد مستأجراً سورياً بصورة خاصة، مستغلين حاجة بعض السوريين الماسّة للسكن من أولئك الذين يصلون إلى البلاد دون ترتيب مكان إقامتهم مسبقاً، إلى جانب استغلالهم لجهل هؤلاء بإيجارات العقارات سابقاً.
 
(ناجي- س) مصري، يروي لـ"اقتصاد" أنه كان يعتزم مؤخراً استئجار شقة في 6 أكتوبر لكنه أقلع عن الفكرة بعد أن تعرّف على أسعار الإيجارات الجديدة في المدينة، حيث تضاعفت الأسعار حسب قوله، وباتت لا تتمتّع بالجدوى الاقتصادية، مقارنة بمناطق أخرى.
 
سوريون في المناطق الراقية

 وتتفاوت القدرات المادية للسوريين اللاجئين إلى مصر، إذ تعتقد (نادية –ب) أن معظم السوريين في مصر من أبناء الطبقة العليا، أو الأثرياء نسبياً.
 
ويسكن الكثير من السوريين في مدينة الرحاب الراقية قرب القاهرة، إذ تتراوح إيجارات الشقق غير المفروشة فيها ما بين 5000 إلى 7000 جنيه شهرياً (ما بين 800 إلى أكثر من 1000 دولار شهرياً)، ويغلب على السوريين المقيمين في هكذا مدن كونهم من الممتلئين مادياً، خاصة من تجار حلب وبرجوازية دمشق.
 
أما في مدينة 6 أكتوبر فتتراوح مستويات الأحياء والشقق من الشعبية مروراً بالمقبولة نسبياً انتهاءً بالمناطق الراقية والتي تقارب الإيجارات فيها تلك التي عرضناها عن مدينة الرحاب.
 
سوريون بعيداً عن القاهرة

ويلجأ بعض السوريين إلى الإسكندرية، ثاني مدن مصر، حيث تكون الإيجارات أدنى وتكاليف المعيشة مقبولة أكثر مقارنة بالقاهرة، بينما يلجأ بعض السوريين، وهم ما يزالون قلّة، إلى مدينة الغردقة على البحر الأحمر، والتي رغم أن سمعتها كمدينة سياحية تُوحي بغلاء إيجارات الشقق فيها، إلا أن أحياءها الداخلية البعيدة نسبياً عن الشاطئ تحتوي الكثير من الشقق بإيجارات مقبولة أكثر بكثير مقارنة بالمناطق المناظرة لها في القاهرة، خاصة أن السوريين يستأجرون الشقة طوال السنة مقارنة بالسياح الذين يستأجرونها فقط في المواسم مما يشجّع ملّاك الشقق على كسب المستأجرين الدائمين عبر تخفيض الإيجارات لهم، إذ من الممكن أن يجد السوري شقة مفروشة بإيجار 1200 جنيه إلى 1400 جنيه.
 
لكن يبقى التركّز السكاني الأكبر للسوريين في مصر، في المدن القريبة من القاهرة، مثل 6 أكتوبر (خاصة في الشيخ زايد) ومدينة الرحاب والعبور وفيصل والهرم ومدينة نصر، ومجموعة بمحافظة الإسكندرية.
 
الشقة غير المفروشة بنصف الإيجار

ويلجأ مؤخراً الكثير من السوريين في مصر إلى استئجار شقق غير مفروشة حيث ينخفض الإيجار أحياناً إلى ما يقارب النصف، ويعملون على شراء فرش مستعمل بجودة مقبولة وبأسعار منخفضة تبدأ من 2000 جنيه (ما يقارب 300 دولار).
 
دعم جمعيات خيرية

 وخلافاً للمشهد آنف التفصيل، فإن الكثير من السوريين المعدمين مادياً والذين وصلوا إلى مصر بشق الأنفس، دون أي محفظة مالية تعينهم على الحياة، يحصلون اليوم على دعم من جمعيات خيرية مصرية وسورية، ويتولى الكثير من هذه الجمعيات تأمين الشقق للسوريين بإيجارات منخفضة، وإن كانت في مناطق شعبية نسبياً، تتراوح إيجارات هكذا شقق بين 250 جنيه إلى 400 جنيه (ما يقارب 60 دولار)، من ذلك الجمعية الشرعية في 6 أكتوبر والشيخ زايد، جمعية بيت العيلة، البيت السوري، وهيئة الإغاثة في اتحاد الأطباء العرب، كما تقدم بعض مؤسسات الأعمال والمصارف المصرية دعماً مالياً لبعض السوريين، من ذلك بنك ناصر الاجتماعي في القاهرة.

 وكان مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، الموجود في القاهرة، قد سجّل تقريباً 13 ألف لاجئ سوري في مصر، لكن الأرقام الفعلية أعلى من ذلك بكثير، إذ إن الغالبية العظمى من السوريين في مصر لا يلجؤون إلى المنظمات الدولية، ويعتقد مسؤولون مصريون أن تعداد السوريين في مصر ارتفع إلى أكثر من 150 ألف لاجئ حتى الآن.

ترك تعليق

التعليق