التأميم .. رصاصة "ثورة آذار" في صدر الاقتصاد السوري


خروج 80 % من المعامل المؤممة عن الخدمة بعد بيع المعدات

التأميم شمل 250 شركة صناعية وتجارية وبنوكاً وتأميناً

انخفاض المنشآت الصناعية إلى 84 مؤسسة في عام 2011




(المعمل لمن يعمل به)، أحد شعارات ثورة الثامن من آذار التي فعلت فعلها في الاقتصاد السوري، نتيجة اجتثاثها للبرجوازية الاقتصادية الصناعية، فالمعمل لم يمنح لمن يعمل به، إنما استحوذت عليه الدولة، لتكون النتيجة خسائر في القطاع العام الصناعي بعد أن كان ملكيةً خاصة رابحة.

"الخماسية، الدبس، الصناعات الحديثة، الجوخ، وشركة السكر والمغازل والمناسج والمحالج والفيجة والكونسروة..إلخ"، جميعها كانت مليكات خاصة في ستينيات القرن الماضي، رابحة بامتياز، لتصبح بعد تأميمها شركات قطاع عام وصلت خسارتها لما يزيد عن 85 مليار ليرة، يضاف إليها مليار ليرة أضرار العامين الماضيين بفعل "الأزمة" حسب وزارة الصناعة السورية.

هاجس التأميم

ليس موضوع الربح والخسارة وحده القائم في مناقشة موضوع التأميم، فالمشكلة أعقد من ذلك وفق ما يشير خبير اقتصادي فضل عدم ذكر اسمه، معتبراً أن الموضوع في صلبه يتعلق بتغييب القطاع الخاص عن الاقتصاد السوري، بعد أن كان قد بدأ يخط طريقه بعد الاستقلال، للنهوض في اقتصاد البلاد، حيث خرج العديد من رؤوس الأموال السورية في ذلك الوقت إلى لبنان ومصر، ولم يعد في البلاد أي استثمارٍ خاص، وتحول القطاع الخاص خلال العقود الماضية إلى عددٍ قليلٍ من المستغلين، الذين مثلوا تزاوج السياسة مع الاقتصاد والمثال حاضر دائماً في رامي مخلوف ابن خال رئيس النظام السوري، ويمكن القول إن" ثورة آذار"( 8/3/1963) وضعت اللبنة الأولى للقضاء على الاقتصاد السوري بفعل عمليات التأميم، التي إلى اليوم أرعبت المستثمرين، حيث معظم الاستثمارات التي دخلت في السنوات العشر الماضية إلى البلاد، بحثت عن الربح السريع عبر الاستثمار الخدمي، والذي شكل نسبة تصل إلى 80 % من حجم الاستثمارات.

ورغم أن الهدف المعلن
لعمليات التأميم كان ينطلق من قيام الدولة بإدارة العجلة الاقتصادية من منطق الاشتراكية، إلا أن ما حدث فعلياً في ذلك الوقت هو خروج ما يزيد عن 80 % من المعامل المؤممة عن الخدمة، ومنه ما تم بيع معداته وتحول إلى تراب، لتبقى بعض الشركات العريقة مثل الخماسية والدبس، التي أسستها الملكية الخاصة، وخسرها القطاع العام، بفعل الفساد واستنزاف المال العام، وترهل الإدارة وعدم القدرة على المنافسة.

عودة إلى الخاص

التأميم الذي قامت به "ثورة" البعث في 8 آذار لم تُفتح ملفاته في الإعلام إلا مرةً واحدة عندما تحدثت "لجنة متضرري التأميم في سوريا" بصوتٍ مرتفع في عام 2005، وطوي الملف دون أي ضجيج، لأنها أصوات كانت تطعن بثورة البعث وإنجازاتها، رغم أن الانقلاب على الثورة حدث فعلاً عندما بدأ العمل على إعادة استقطاب الاستثمارات وبناء الشراكة مع القطاع الخاص منذ بداية الخطة الخمسية العاشرة في عام 2005، ووصل الأمر بمشروع الخطة الخمسية الحادية عشرة إلى الحديث عن اسثتماراتٍ تصل إلى 80 مليار دولار، يتم تحقيقها مناصفةً بين استثمارات القطاع العام والقطاع الخاص.

إلا أن ما تم تدميره في الاقتصاد السوري بفعل "ثورة "آذار لم يكن بالإمكان استعادته، حيث وصل عدد الشركات الصناعية والتجارية وشركات الخدمات المالية والبنوك وشركات التأمين المصادرة والمؤممة إلى ما يزيد عن 250، بقيمة إجمالية تقدر في ذلك الوقت بما يزيد عن 268.3 مليون ليرة، لم يحصل أصحابها على التعويض المنصوص عنه في القانون والذي تضمن أن تدفع الدولة قيمة المؤممات إلى أصحابها والفوائد المتراكمة 4% على مدار 15 سنة.

وإلى جانب تأميم شركاتٍ بملايين الليرات في ذلك الوقت، هناك أموال تم تهريبها خوفاً من التأميم قدر عددها في عام 1964 بحوالي 800 مليون ليرة.
عشرات الآلاف من رجال الاقتصاد السوري تضرروا بشكلٍ مباشر، وحينها كان عدد شركات التأمين على سبيل المثال يزيد عن 70 شركة تم تأميمها، لما يقارب 4 ملايين نسمة، بينما نحن اليوم نعيش على 13 شركة تأمين لما يزيد عن 22 مليون نسمة، والسبب في ذلك ضعف النشاط الاقتصادي، وجميع تلك الشركات التي لجأ البعث في العام 1965 إلى تخليصها من أصحابها كانت شركات مساهمة، ومتعددة الملكية، وأسهمها مطروحة للاكتتاب، عبر بورصةٍ بقيت مغلقة حتى عام 2009، وإلى الآن لم تعمل وفق ما هو مرسوم لها، فالشركات القائمة في سوريا بطبيعة فردية أو عائلية، لا تطرح أسهمها للبيع.

ومع فشل النظام السوري في إدارة القطاع العام الصناعي، لجأ لوضع عددٍ من السيناريوهات التي لم تُصلح خطيئة التأميم، وصلت حد الحديث عن خصخصة القطاع العام الصناعي، أو إشراك القطاع الخاص فيه، إلى جانب دمج وإغلاق عددٍ منها، حيث انخفض عدد المنشآت الصناعية إلى 84 مؤسسة في عام 2011 بعد أن كان عددها 93 مؤسسة في عام 2009 ،44% منها خاسرة و17 % متوقف عن العمل.

ترك تعليق

التعليق