بسبب القصف والدمار والنهب... حلب من العاصمة الاقتصادية إلى مدينة الفقر والجوع

مهربون يفرضون باسم "الجيش الحر" أتاوات على الأغنياء والتجار

د. حزوري :معظم المنشآت الصناعية والتجارية سُرقت أو دمرت

تاجر أصبح يعمل أجيراً في مصنع في اسطنبول كان يستورد منه ألبسه

كانت مدينة حلب تعتبر الثقل الاقتصادي لسوريا وشريان تجارتها وصناعتها، فهي التي تحتل مركز الصدارة في سوريا من حيث حجم المعامل وعددها، والتجارة التي كانت حلب محورها الرئيسي منذ عهد سيف الدولة الحمداني وحتى وقت قريب، فحلب التي تستحوذ على 60% من الاقتصاد السوري أصبحت اليوم من أكثر المدن فقراً، حيث بدأت رؤوس الأموال تغادر حلب مع بداية الثورة،ولكن زادت وتيرتها منذ شهر أيلول/سبتمبر الماضي حيث يتم نقل المعامل كما هي إلى الخارج، ففي مصر وحدها زهاء ألف معمل أغلبها جاءت من حلب.

و ما بقي من المصانع إما سرق أو دمر وانعكست الحالة التي تعيشها المدينة على جميع الطبقات بما فيها الطبقة الغنية التي بدأت تدفع أتاوات لبعض الجماعات للحفاظ على ماتبقى من ثرواتها، أما الطبقة المتوسطة والتي يعمل معظم المصنفين تحتها محال تجارية فتحولت إلى ما يقارب درجة الفقر، بسبب إغلاق محالهم في معظم المناطق نتيجة للظروف الراهنة فتحولوا إلى باعة جوالين يبيعون ما تيسّر لهم من حلويات وألبسة بسيطة، وهؤلاء لم تنته مشكلاتهم عند هذا الحد فأخذوا يعانون من مضايقات رجال الأمن بسبب بيعهم على الأرصفة، وهذا ما أكده لـ "اقتصاد" محمد مصطفى صاحب محل لتصليح السيارات في منطقة الراموسة والذي تحولت به الحال إلى بائع بسكويت في الشوارع، فيقول محمد "أنه يبيع يوم ويجلس أسبوع بسبب مضايقات رجال الأمن لذلك سيتحول إلى البيع في المناطق المحررة لآنه في تلك المناطق لايوجد من يضايقهم ويقطع رزقهم".

ويضيف أن هذه حاله وحال معظم الأسر في حلب والتي أصبحت بحاجة ماسة إلى العمل بسبب الارتفاع الجنوني في الأسعار مقارنة مع باقي المحافظات، حيث تم رفع الدعم الحكومي عن الخبز فقط، فأصبح المواطن في حلب وهو يجوب الشوارع لشراء الخبز يشعر وكأنه في "وول ستريت"بسبب تذبذب أسعاره من شارع لآخر.

دفع 400 ألف أتاوة لإدخال حليب الأطفال
ويوضح مصطفى أحد التجار في مدينة حلب أن سبب الارتفاع الجنوني في الأسعار هو وجود بعض المهربين السابقين الذين انضمو للجيش الحر وقاموا بفرض أتاوات على التجار حتى يسمحوا لهم بإدخال البضائع، مضيفاً "أنه بات أصحاب المحال التجارية ليسوا سوى أحجار شطرنج، أما الذين يفرضون الأتاوات فهم الذين يملكون اللعب فوق رقعة الشطرنج وهم بذلك يحملون أهمية أكبر من قطع الشطرنج ذاتها".

وتحدث مصطفى عن آخر عملية تجاريه له حيث أنه اشترى كمية ضخمة من حليب الأطفال بسبب النقص الحاد في السوق، مما جعل المهربين المنضمين للجيش الحر يفرضون أتاوة 400 ألف ليرة سورية على تلك البضاعة لإدخالها.

وأشار مصطفى إلى أن أطفال عاصمة الدولة الحمدانية الذين لم تتجاوز أعمارهم عشر سنوات أصبحوا باعة جوالين بسبب الفقر، بينما يستغل بعض أصحاب رؤوس الأموال حاجة أصحاب العقارات المدمرة في المناطق المحررة ويقومون بشرائها بأسعار بخسة، مضيفاً أنه لم يكن أشد المتشائمين بمدينة حلب يتوقع أنها تجوع وتفقر بسبب موقعها الجغرافي وحدودها الطويلة.

يعمل في أحد المصانع التي كان يستورد منها بضاعته
يعمل الشاب عدنان زيدون اليوم في مدينة اسطنبول داخل أحد مصانع الألبسة كعامل وهو الذي كان يستورد منه البضائع بكميات كبيرة عندما كان أحد أبرز تجار الألبسة في مدينة حلب، ووصل به الحال إلى هنا بعد أن فقد مصانعه ومحاله التجارية بسبب النهب والقصف والدمار الذي طالها، ويقول عدنان إنه بسبب العلاقات القوية التي كانت تجمعه بالتجار استطاع تأمين عمل يعينه ويستره في هذه الأيام بعد أن فقد كل شيء، مضيفاً أنه ينام ويأكل داخل مصنع الألبسة الذي يعمل فيه ومعاشه يقارب 35 ألف ليرة سورية.

وينوه زيدون أنه كان من الصعب بقاؤه في حلب لفتح تجارة جديدة وذلك بسبب الدمار والفقر الذي استنزف المدينة بشكل كامل، بالإضافة إلى الوضع الأمني الخطير الذي يجعل تجارته عرضة للخطر في أي وقت.

 النظام يقصف ويدمّر دون تمييز
ويقول مدير مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في جامعة حلب الدكتور حسان حزوري لـ "اقتصاد" إن الأوضاع باتت مأساوية جداً وهناك تدمير كامل لمدينة حلب وخصوصاً، معالمها الحضارية والتاريخية، كما أن معظم المنشآت الصناعية والتجارية قد سرقت أو دمرت، مضيفاً أن النظام يقصف جميع المواقع ويدمرها بحجة وجود "مسلحين" في أي منطقة ولايهمه قيمة المكان ورأسماله وأهميته التاريخية، ولايهمه الخسائر المدنية التي ستنتج عن التدمير، ومن جهة أخرى فهناك الحرامية واللصوص الذي ركبوا حصان الثورة وهم معروفون بأن قسماً كبيراً منهم هم من أفسد البشر وهؤلاء يسرقون ويقتلون ويجمعون الثروات باسم "الغنائم"ولذلك حلب لم تعد عاصمة الاقتصاد السوري ولن تعود في المستقبل القريب بل باتت عاصمة للجوع والفقر.

ترك تعليق

التعليق