حرب العملات الصعبة جبهة ملتهبة بالتصريحات.. والدولار خارج السيطرة


حاكم المركزي:الحرب الكونية وراء ما تتعرض له الليرة

خبير: استنزاف ترسانة القطع الأجنبي وتراجع حاد بالناتج المحلي



تستمر أسعار صرف الدولار بالتأرجح، حيث لم تنفع مساعدات أصدقاء النظام طويلاً، فمليارات الدولارات لم تفلح في إبقاء سعر صرف الدولار دون المئة ليرة، ليكسر سعر الصرف الرسمي وكذلك الموازي أرقاماً قياسية، أفقدت العملة ما يزيد عن 75 % من قيمتها، وانسحب ذلك على التهاب أسواق السلع السورية، ليستقر اليوم ظهراً على ارتفاعٍ إلى 118 ليرة.

تخبط الصرف

"الحرب الكونية وراء ما تتعرض له الليرة"، كلامٌ قاله حاكم مصرف سوريا المركزي، بعد الارتفاع الأخير لسعر الصرف، وحمّل المسؤولية للمواطن الذي بيده إما ترتفع الليرة أو تنخفض، بعد أن سجل الدولار رقماً قياسياً بتجاوزه الـ 125 ليرة، في السوق السوداء، و85.60 في نشرة المركزي، وهو حسب ميالة السعر الحقيقي للصرف، وزاد على ذلك رئيس مجلس الوزراء في حكومة النظام وائل حلقي بالتأكيد على "امتلاك سوريا إمكانيات هائلة من الاحتياطي الاستراتيجي"، لتصبّ تصريحات حكومية على أن لا خوف على الليرة حتى وإن اتسعت "المؤامرة" والسعر الحالي لا يتعدى كونه سعراً وهمياً، حسب تعبيرهم.

ولم يستقر المعنيون في الشأن الاقتصادي السوري إلى الآن على سعرٍ عادلٍ للدولار، فحاكم المركزي يعتبر أن السعر الرسمي حقيقي، بينما مدير عام المصرف التجاري السوري يعتبر أن سعر المائة ليرة هو السعر الحقيقي، نتيجة توقف النشاط الاقتصادي، وهو الذي سبق له وتحدث عن أن السعر السابق للدولار في فترات الاستقرار لم يكن سعراً حقيقياً، معتبراً أنه يجب أن يكون بحدود الـ 65 ليرة، وهذا ما يرى فيه أحد الخبراء تمهيداً لتثبيت سعر الصرف على المائة ليرة، وسيتبعها ارتفاعات جديدة في السوق السوداء ويرتفع مقابلها السعر الرسمي، الذي لطالما لحق سعر السوق السوداء، في حين كان ينتظر منه تخفيض سعر السوداء، ومن غير المستبعد وصول سعر الصرف في العام الحالي إلى 200 ليرة.

كما لم يستطع حاكم المركزي تقديم حلولٍ واضحة تحمي المواطن، حيث تمخض ذهن السلطة النقدية على رفع الفوائد على شهادات الاستثمار في حين يرى خبير اقتصادي أن تعويض المواطن عن فقدان قيمة الليرة يعني تعويضاً عن الخسائر، وليس معالجة السبب وهو القدرة الشرائية، وبالتالي ستؤثر الفوائد العالية على شهادات الاستثمار على الايداعات في البنوك.

معنيون يستعرضون

حملة التصريحات واستعراض العضلات تلك لم تفلح في تخفيض السعر إلى مادون المائة ليرة، مع ملاحظة التفاوت والتخبط في السعر بين شركات الصرافة، فحتى تاريخ إعداد هذه المادة كان هناك من يبيع بسعر 118 ليرة، وآخرون بسعر 115 ليرة، ولأن خير دليلٍ على السعر الحقيقي للدولار هو الذهب فإن سعر الأونصة بتاريخ 23 آذار/مارس بلغ 1608 دولار، بينما سعر غرام الذهب عيار 21 في سوريا بلغ 4800 ليرة، ما يعني أن سعر صرف الدولار هو 106 ليرة، أما اليوم فسعر أونصة الذهب انخفض إلى 1602 دولار بينما سعر غرام الذهب هو 5000 ليرة أي أنها محسوبة على دولار 111 ليرة، وهو سعر دولار الأمس حيث يتوقع الخبراء أن ترتفع أسعار الذهب غداً بسبب ارتفاع دولار السوق السوداء ظهر اليوم.

وواقع الحال يتحدث عن أسبابٍ موضوعية ستؤدي في وقتٍ من الأوقات إلى انهيارٍ في العملة المحلية لا مفر منه، حسب رأي مراقبين، حيث يقول خبير اقتصادي فضل عدم ذكر اسمه: في السابق كانت الحكومة تسوق حججاً تتمثل في وجود مضارباتٍ على الليرة تشعل سعر الصرف حيناً وتخفضه حيناً أخرى، منكرين وجود أسبابٍ موضوعية لاستنزاف القطع الأجنبي، لكن الحقيقة أن ترسانة القطع الأجنبي استنزفت تماماً، والناتج المحلي متراجع بشكلٍ حاد، لم يعد هناك ما يدعم صمود الليرة، والنتيجة الطبيعية ارتفاع سعر الصرف، لكن هناك صمام أمان لم يعترف به أحد إلى الآن وهو أن المعارضة تضخ قطعاً أجنبياً في السوق السورية، ولعله السبب الوحيد الذي يجعل سعر الصرف مضبوطاً رغم كل الدمار الذي تشهده البلاد.

طلب على الدولار

الصناعيون والتجار في سوريا تأففوا من السعر الجديد، واعتبروه أمراً طبيعياً نتيجة امتناع المركزي عن تمويل المستوردات باليورو بعد أن توقف منذ ما يزيد على شهرين عن تمويلها بالدولار، ما يعني أن ترسانة الاحتياطي الاستراتيجي، لا وجود لها، ويقول أحدهم -فضل عدم ذكر اسمه- كان المركزي يموّل مستوردات بعض التجار المقربين من الحاكم، دون النظر حتى إلى بوالص الشحن والتدقيق بها، في حين حجب التمويل عن البعض الآخر، والواقع أن بعض المستوردين باتوا يتاجرون بالعملة التي يحصلون عليها من المركزي بسعر رسمي ويتم بيعها في السوق السوداء، ومع اشتداد الطلب على القطع الأجنبي وانخفاض ضخه في الأسواق ارتفعت أسعار الصرف، وبوجهة نظري سيستمر ارتفاع الأٍسعار، حتى لو هدأ فترة مؤقتة.

وإلى جانب التجارة في القطع الأجنبي هناك من يشير إلى عمليات بيعٍ لإجازات التمويل، الأمر الذي سيحقق ربحاً يفوق 38 %، وهو الفرق بين السعر الرسمي الذي يتم تمويل المستوردات من خلاله، وسعر السوق السوداء الذي يتم احتساب السلع على أساسه.

انهيار القوة الشرائية

الواقع الجديد لسعر الصرف دفع المواطنين إلى التخلص من الليرة على الفور، لإدراكهم أن حالة الانخفاض ستكون مستمرة، بعد معايشتهم لواقع تضخمٍ يفوق الـ 85 %، وتراجعٍ في قوتهم الشرائية، يقول أحد الصرافين فضل عدم ذكر اسمه: إن ارتفاع سعر الصرف لم يحل دون اتجاه الناس إلى شراء الدولار، فحتى على سعر صرف 122 ليرة للدولار، كان هناك من يشتري، ورغم أن مدخرات السوريين تم تحويلها منذ عامين إلى قطع أجنبي أو ذهب، لكن حالياً هناك من يبيع عقارات ويستبدلها فوراً بالدولار.
المشكلة التي ستواجه المواطن فيما بعد هي نسب التضخم المرتفعة فسوق العملة يرتفع وينخفض بشكلٍ يومي، لكن سوق السلع ترتفع دون انخفاض، والحجة دائماً هي ارتفاع الدولار، وبالتالي قيمة الليرة الحقيقية تتهاوى حتى لو صحح سعر الدولار مساره بشكلٍ مؤقت، وفق ما يشير الخبير الاقتصادي، الذي يطرح أن الأيام المقبلة ستحتم التعامل في الدولار ضمن الأسواق السورية لو بشكلٍ جزئي.

ترك تعليق

التعليق