وقف تمويل المستوردات بصيغته الجديدة.. التجار يرونها سياسة "تطفيش" والخبراء يعتبروها ذراً للرماد في العيون


تدرس حكومة النظام السوري إصدار قرارٍ جديد يتعلق بمنع التجار من استيراد بعض المواد الأساسية ونصف الأساسية. وعدم تمويلها، تحت شعار "إعادة توزيع وهيكلة المستوردات وفق الأولويات الجديدة التي فرضتها الظروف الراهنة".
ظاهر القرار كما برره وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة النظام محمد ظافر محبك، يتمثل في إغلاق أبواب الفساد والحفاظ على القطع الأجنبي ما سيؤدي إلى تخفيف الضغط عن الليرة السورية، لكن الحقيقة أن منع التجار من الاستيراد سيعني مزيداً من الشح في الأسواق التي تعاني ندرةً في العديد من السلع وغلاءً في الأسعار منذ ما يزيد عن عامين، إلى جانب تبعاته غير المرضية بالنسبة للتجار والصناعيين.

حكومة ممنوعة من التعاقد
وحسب محبك فإن "الحكومة ستقوم بتأمين المواد الأساسية بشكلٍ مباشر، من خلال ضلوعها وحدها في عمليات الاستيراد، وذلك لضمان تأمين الاحتياجات الضرورية والمعيشية وتوافرها في الأسواق، وضمان أسعار تلك المنتجات وبشكل أساسي لحماية اتجاهات الدعم وإعادتها إلى المواطن بدلاً من التاجر، حيث كان بعض التجار يتلاعبون بموضوع الاستيراد بغية الحصول على القطع الأجنبي من المركزي والاستفادة من دعم الحكومة له، والذي هو مخصص للمواطن على أن يتم تأمين المنتجات له بأسعار مناسبة"، ويضيف محبك أن القرار يأتي في سياق الإجراءات الإسعافية، لتخفيف الضغط عن أسعار الصرف وتأمين احتياجات المواطنين.

لكن هذا الكلام لا يمكن تطبيقه بأي شكلٍ من الأشكال في ظل العقوبات المفروضة على النظام السوري والتي تمنع عن حكومته التعاقد على صفقاتٍ تجارية، لا سميا وأن الأسواق الرئيسية بالنسبة للعديد من المواد المستوردة هي الأسواق الأوربية والعربية والتي استطاع التجار الحفاظ عليها وإن كان ذلك بالحدود الدنيا.

أحد الخبراء الذي فضل عدم ذكر اسمه، يصف القرار أنه لا يتعدى كونه ذراً للرماد في العيون، وعلى الرغم من أن الحكومة والنظام عموماً يحاول أن يلعب دور التاجر في كل قراراته، لكنه لا يمكن أن يفلح في تحقيق ذلك، خاصةً مع الفساد المستشري في كل مفاصله، ومع أن الحكومة تقول أنها تريد تخفيض الأسعار، لكن لا أحد ينسى أنها البادئة في رفع الأسعار عبر مؤسساتها الاستهلاكية، وهي تعمل جاهدة على إفراغ جيوب المواطنين، وبالتالي من غير المبشر أن تحل الحكومة مكان التاجر.

قرار قديم جديد
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن حكومات النظام المتعاقبة خلال العامين الفائتين عملت على تضييق الخناق على التجار، مذكراً أنه في بداية الثورة خرج وزير الاقتصاد السابق محمد نضال الشعار ليتخذ قراراً وصفه حينها بالاستراتيجي ولا تراجع عنه، تمثل في وقف تمويل المستوردات بشكلٍ كامل، ومن ثم تراجع بشكلٍ تدريجي عن القرار بعد إعلان بعض القوائم الممولة وغير الممولة، حيث استثنى بعض السلع الأساسية من التمويل "كالحليب"، وسمح بتمويل الكماليات، ويشير الخبير أنها كانت قوائم على مقاس التجار المقربين من النظام، وهذا ما سيتكرر اليوم.

ومع أن وزير الاقتصاد سبق وقال أن القرار لحماية المواطن ليكون الدعم موجهاً له بدلاً من التاجر، لكنه ما لبث أن تناقض بتأكيده أن الحكومة ستقوم بالاستيراد ومن ثم تبيع المواد لتجار القطاع الخاص، ما يعني وفق الخبير الاقتصادي، أن المواطن سيعود للتعامل مع التاجر الذي بدوره سيرفع الأسعار.

لن تحلُّ محلّنا 
ويشير أحد تجار دمشق الذي فضل عدم ذكر اسمه أن القرار المتوقع إصداره خلال أيام لا يمكن قراءته إلا أنه تضييقاً على التجار وعلى المواطنين، على عكس ما يصرح به المسؤولون، ويضيف: "نعمل في سوريا بالحد الأدنى واستطعنا الحفاظ على بعض الأسواق الاستراتيجية رغم كل التضييق والمشكلات، لتأتي الحكومة اليوم وتتخذ قرارات لا يفهم منها إلا أنها سياسة "تطفيش" علاوةً عن أنها لا يمكن بأي شكلٍ من الأشكال أن تسد الفراغ الذي يملأه التجار والصناعيون".

تاجر آخر يرى أن "الحكومة تتناقض في أفعالها بشكلٍ يومي، فقبل عدة أشهرٍ أصدرت قراراً سمحت لنا خلاله باستيراد المازوت والفيول، وهي التي كانت حكراً عليها، واليوم تريد أن تنحينا وتمنعنا من العمل في الاستيراد، كنا منذ البداية نطالب الحكومة أن تضعنا بصورة وضعها المادي، أن تخبرنا أنها تمول الآلة العسكرية ولا تمتلك الدولار، لتحمي الاقتصاد، في ذلك الحين سنعمل ونتأقلم وفق آلية جديدة تكون الحكومة خارجها تماماً، لكنها وبعد عامين تريد ابتزاز المواطن والتجار، وهذا غير منطقي".

ترك تعليق

التعليق

  • يبدو أن الشعب العربي يناسبه الحكم الإستبدادي لأنه يسكت منذ عقود على القرارات الجائرة وعندما يمنح حرية التعبير يبدأ بالتخبيص والفوضى والتكسير كما يجري في مصر وتونس. في تركيا من أجل مشروع تطوير حديقة قامت الدنيا ولم تقعد. أما في البلاد العربية يحارب الشعب في قوت عيشه وكرامته وينتهك عرضه وهو ساكت كالنعاج. علمونا منذ الطفولة أن معارضة الأب أو الأخ الأكبر من سوء الأدب، وعلينا أن ننفذ الأوامر دون تردد.