"تشرين" توضّح بكل شفافية..."عملية نصب" حكومة النظام على السوريين

أسئلة كثيرة طرحتها الخطوة الأخيرة لنظام الأسد بدمشق، المتمثّلة بمرسوم زيادة الرواتب الأخير.

هذه الزيادة التي يُجمع معظم المراقبين على أنها فقدت أثرها المطلوب، حتى قبل أن تُقرّ، كانت مثار جدل لأسابيع وربما لأشهر، في أروقة صنع القرار الاقتصادي في حكومة النظام السوري، وكان الكثيرون قد شككوا بإمكان حدوثها، من ذلك وسائل إعلام مقرّبة من النظام.

لكن بعد صدور مرسوم زيادة الرواتب، بدأت أسئلة كثيرة تُطرح، من أقلّها تداولاً كان السؤال عن المصدر الذي ستعتمده الحكومة لتمويل هذه الزيادة.

جاء الجواب سريعاً في تقرير لصحيفة تشرين الرسمية، التي كشفت، دون أن نعرف الغاية من هذا الكشف، عن أن زيادة الرواتب كانت بتمويل من رفع أسعار المازوت....فهل كان هذا التقرير يريد أن يقول للمواطن السوري أن حكومتك نصبت عليك، فموّلت زيادة الرواتب، بالاعتماد على زيادة أسعار المازوت...أي أخذت منك بيد لتعطيك بأخرى؟

الجواب بنعم على ما سبق، لا يعبّر عن حقيقة ما تضمنته رسالة "تشرين" للسوريين، بل هو تجميل لحقيقة ما حدث.

فـ "تشرين" كشفت بأن الوفر الذي تحقق لحكومة النظام من رفع أسعار المازوت، حتى بعد طرح تكاليف الزيادة في الرواتب، يقدّر بـ 101 مليار ليرة.

وفي التفاصيل توضّح "تشرين" أن الوفر الذي حققته الحكومة من زيادة أسعار المازوت كان 187 مليار ليرة، دفعت منها 86 مليار ليرة تكلفة زيادة الرواتب، فحصّلت كخلاصة مربحاً صافياً يقدّر بـ 101 مليار ليرة.

..بمعنى آخر، الحكومة جعلت السوريين يدفعون 187 مليار ليرة، أعطتهم منها 86 مليار ليرة، وربحت هي 101 مليار ليرة.

هل يعني ذلك شيئاً؟....يعني ببساطة أن حكومة النظام تتعامل مع السوريين بعقلية التاجر...وهي تتاجر بمواردهم الوطنية تحديداً.

قد يقول قائل...إنها خطوة لإعادة توزيع دعم المحروقات المكلّف للغاية، بصورة أكثر عدالة...

ربما كان يمكن أن نقف للحظات أمام هذا الكلام، الذي بات (بروباغندا) على لسان المسؤولين الحكوميين المعنيين بالشأن الاقتصادي السوري منذ سنوات، وكانت تجارب عديدة لحكومات سورية عديدة، لإعادة توزيع هذا الدعم بطريقة تخدم إيصاله للشريحة التي تستحقه، وألا يكون الدعم مفتوحاً لكل السوريين، فقراء وطبقة وسطى وأغنياء...وقد فشلت كل هذه التجارب تقريباً، من "بونات" المازوت، مروراً بالاعتماد على دفتر العائلة، والمخصصات المحددة.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه أمام هذه البروباغندا "إعادة توزيع دعم المحروقات بصورة عادلة".....هل هذا هو الوقت المناسب لتجربة أسلوب مجرّب لتحقيق غاية، فشلت حكومات النظام في تحقيقها أيام السلم والاستقرار، فما بالك بأيام الحرب والاقتتال؟

النظام يجرّب زيادة الرواتب...الأسلوب الأكثر فشلاً لتحسين مستوى دخل السوريين...والذي بات منذ سنوات موضوعاً للنكتة وتصوير سكيتشات كوميدية في المسلسلات السورية الشهيرة.
الطفل الصغير بات يعرف أن زيادة الرواتب، تؤدي إلى تضخم بالأسعار....فترجع الزيادة في الرواتب إلى جيوب التجار، وليس إلى جيوب المواطن محدود الدخل، ناهيك عن الأضرار التي تطال العاملين في القطاع الخاص بسببها، فهم يحترقون بنار زيادة الأسعار الناتجة عن زيادة الرواتب، دون أن يحصلوا على زيادة في أجورهم في قطاع خاص، غير منظم، يتمتع معظم الفاعلين فيه بعلاقات مميزة، غير مشروعة، مع منظومة الفساد المتغلغلة في شرايين الدولة السورية.

فهل يعني ذلك أن النظام أراد رشوة التجار، بعد أن عجز عن تمويل مستورداتهم، بسبب العبء المالي لتمويل المستوردات والذي يستنزف الاحتياطي من النقد الأجنبي في البنك المركزي، المستنزف أصلاً.

كيف يمكن للنظام أن يحافظ على ولاء بعض التجار له إن عجز عن رشوتهم؟

قرر أن يفعل ذلك من جيوب المواطن السوري "التعبان" المنهك حتى "الحضيض"...قرر زيادة أسعار المازوت، فوفّر ربحاً صافياً أعطى أقل من نصفه زيادة في الرواتب، ستنعكس زيادة في الأسعار، ترجع إلى جيوب التجار...أليس هذا أفضل من تمويل المستوردات من العملة الصعبة التي يستشعر النظام خطورة نفاذها من خزينة المركزي؟

إذاً، قررت "تشرين"، وبدرجة عالية من "الشفافية" الإعلامية، أن تقول للمواطن السوري...."شفتوا الخازوق المكن اللي ضربتكم ياه الحكومة"....أو أنها لم تقصد ذلك...ربما كانت القضية "شفافية" إعلامية فقط....!

بكل الأحوال، يبدو أن النظام السوري يستهين بكل بساطة بالمواطن، ويستهين حتى بلقمة عيشه،...ربما أيضاً حاجز الخوف لدى النظام انهار...انهار منذ أن لحظ أن السوريين ثلاث شرائح: شريحة تدعمه حتى لو على جثث أولادها، وشريحة تقاتله حتى لو على حساب عائلاتها، وشريحة تقف على الحياد، حتى لو طالتها قذائف النظام الاقتصادية منها في لقمة عيشها، والحقيقية منها، في عقر دارها.

ترك تعليق

التعليق

  • العبارة الاخيرة تمثل الواقع بكل شفافية فحاجز الخوف انهار لدى النظام و الشعب على حد سواء , فالنظام لم يعد يخشى احدا لا في ال\اخل ولا في الخارج ,فهاهو يرفع سعر المحروقات مرتين في اقل من شهرين وهذه لم تحدث سابقا قط , اما الشعب فهو قسمان معارض لم يعد يعبأ بالحياة نفسها ان كانت ستستمر مع بقاء النظام , و القسم الاخر من يتزوج امي ادعوه عمي و لا حول ولا قوة الا بالله