السياحة في لبنان تسدد فاتورة ثقيلة على وقع الحرب السورية

أخلّ سياح دول الخليج والمغتربون اللبنانيون هذه السنة بموعدهم مع "عاليه"، إحدى مدن الاصطياف في جبل لبنان، التي تبدو مقفرة هذه الأمسيات، على عكس أعوام مضت كانت تضج خلالها بآلاف السياح من أثرياء الخليج واللبنانيين المقيمين في الخارج والقادمين للعطلة وزيارة الأهل.

 

كما معظم المناطق اللبنانية، تدفع "عاليه" ثمن التوترات الامنية المتنقلة المتصاعدة على خلفية النزاع في سوريا المجاورة.

 

وفي مطعمه بالمدينة الواقعة على بعد حوالى 15 كيلومترا شرق بيروت، يقول "ضيا": في السنين الماضية، كان إيجاد موقف لسيارة في "عاليه" تحديا حقيقيا. اليوم، يمكن للزوار القلائل أن يوقفوا سيارتهم في أي مكان من الشارع.

 

المطعم الواسع الذي تحده القناطر وتزينه الزهور شبه خال، وفي هذا يقر "ضيا": لا توجد حجوزات لهذه الليلة.

 

الشارع الذي كان يستحيل سلوكه في مواسم الاصطياف الماضية بسبب الزحمة، يشهد حركة خفيفة.

 

ويقول بائع في محل حلوى في أول الشارع التجاري بالمدينة: تراجع حجم الأعمال بنسبة 50 في المئة بالمقارنة مع السنة الماضية، مضيفا: قبل سنتين، كان الزبائن يدخلون الواحد تلو الآخر. أما اليوم، فبالكاد نرى زبونا كل ساعتين أو أكثر.

 

كل شيء يؤثر سلبا على الحركة السياحية التي تشكل مصدرا بارزا للبلد الصغير ذي الموارد المحدودة: الحرب في سوريا والمواجهات الطائفية والسياسية المتنقلة، وإرجاء الانتخابات النيابية، وعدم وجود حكومة منذ 3 أشهر، ووجود أكثر من نصف مليون لاجىء سوري يشكلون عبئا كبيرا على الحكومة والبلد وسكانه.

 

الضربة القاضية جاءت من دول الخليج الست التي أجمعت للمرة الأولى على دعوة مواطنيها إلى تجنب زيارة لبنان لأسباب امنية.

 

ويشكل الخليجيون قرابة 65 في المئة من نسبة السياح إلى لبنان، وقد انخفضت نسبة الزوار من السعودية والكويت وغيرها من دول الخليج بنسبة 80 في المئة بالمقارنة مع حزيران/يونيو 2012.

 

رئيس نقابة الفنادق في لبنان "بيار الأشقر" يقول لوكالة فرانس برس: ما إن نتلفظ بكلمة سلاح، نقتل السياحة، مشيرا إلى إقفال 300 مؤسسة سياحية في لبنان منذ بداية هذا العام.

 

ويبدي وزير السياحة فادي عبود ثقته بأن الأمور ستتحسن قريبا، لكنه يؤكد أن كل الأرقام في القطاع السياحي سيئة.

 

ويقول لفرانس برس: نسبة إشغال الفنادق في بيروت بالكاد تصل إلى 35 في المئة، أي ما يوازي نصف الإشغال في السنوات الماضية. أما خارج بيروت، فالوضع كارثي، 5 في المئة مقابل 35 في المئة عادة في مثل هذا الوقت من السنة.

 

ورغم أن الوضع أفضل قليلا في مناطق مسيحية مثل جبيل وجونية (شمال بيروت) البعيدة نسبيا عن التوترات الأمنية، فإن ذلك لا يغير في أن واقع السياحة متدهور جدا، وقد بدأ التراجع قبل سنتين مع اندلاع الأزمة السورية، وهو يواصل الانحدار.

 

وفي بعلبك حيث توجد القلعة الرومانية الأثرية الشهيرة، سقطت خلال الأسابيع الماضية صواريخ من الأراضي السورية، فيما يبدو ردا على تدخل مليشيا "حزب الله" في المعارك إلى جانب قوات بشار الأسد.وتعد بعلبك والمنطقة المحيطة بها معقلا للحزب الشيعي.

 

على إثر هذه التطورات، أعلنت لجنة مهرجانات بعلبك الدولية نقل احتفالات المهرجان إلى مكان آخر، وألغت مغنية الأوبرا الأميركية المعروفة "رينيه فليمينغ" مشاركتها في المهرجان.

 

وفي طرابلس، أكبر مدن الشمال حيث السوق الأثري والقلعة الصليبية والحلويات اللذيذة، أخلى السياح المكان لجولات المعارك بين سنة وعلويين وبين مجموعات مسلحة مختلفة.

 

أما المغتربون اللبنانيون الذين لم تمنعهم في السابق الحروب والأزمات من زيارة البلد في الصيف، فيبدون مترددين هذه السنة.

"ألفيرا حوا" المقيمة في مدريد والتي اعتادت زيارة لبنان كل سنة، تقول في اتصال هاتفي مع وكالة فرانس برس: يجب أن تكون مجنونا لتتوجه إلى لبنان الآن. لن أذهب هذه السنة ونصحت أولادي بعدم الذهاب أيضا.

 

وكذلك فعلت "ليلى" المقيمة في ميشيغن في الولايات المتحدة، موضحة: في الماضي، عندما كانت تقع حوادث أمنية ويقفل المطار مثلا، كنا نفر عبر سوريا. أما الآن، فماذا نفعل؟.

 

ويقول وزير السياحة إنه تم إلغاء 200 حفلة عرس هذا الصيف في لبنان، ما يشكل خسارة تبلغ تقريبا 100 مليون دولار. وينفق اللبنانيون، لا سيما المغتربون الأثرياء، مبالغ طائلة على أعراسهم.

 

ويقول صاحب محل ألبسة في "عاليه": هناك بعض السوريين الذين يعوضون قليلا نقص الزبائن، لكن حجم المبيعات لا يزال بعيدا جدا عن السابق، في إشارة إلى اللاجئين المنتشرين في المناطق اللبنانية، والذين تمكن أبناء الطبقة الميسورة منهم من استئجار شقق ومنازل في بيروت ومدن أخرى، بينما الفقراء يعيشون في ظروف مزرية.

 

 

ترك تعليق

التعليق