"فاتكا" يضع العرب المتأمركين وحاملي "جرين كارد" بين مقصلتين

سيكون على حملة "جرين كارد" العرب الاختيار بين الامتثال لدفع ضرائب والتقيد بشروط القانون الجديد، أو التنازل عن الجنسية الأمريكية أو البطاقة الخضراء.
فتحت عنوان "أثرياءُ الخليج بين الخضوع لقانون"فاتكا" أو التخلّي عن البطاقة الخضراء" كتب رشيد خشانة في موقع "سويس إنفو"، عن فرض قانون الامتثال الضريبي على حسابات الأمريكيين المغتربين، بمن فيهم حملة البطاقة الخضراء (جرين كارد).
والقانون الذي يعرف اختصارا بـ FATCA (فاتكا)، تصدر النقاشات ضمن موضوع التهرّب الضريبي في جدول أعمال اليوم الثاني من قمة مجموعة الثمان في إيرلندا في 18 يونيو/حزيران الماضي.
وسيسري القانون لدى تطبيقه العام القادم على قرابة 6 ملايين أمريكي، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال، فضلا عن ملايين من حملة "جرين كارد" والجنسية الأمريكية من العرب وغيرهم.
ويؤدي عدم الامتثال للقانون إلى فرض ضرائب بالفائدة، وغرامات تصاعدية على هؤلاء، عبر البنوك المحلية في مختلف الدول الأجنبية، التي ستعمل على فرض الامتثال للقانون الأمريكي، دون اعتبار للسرية المصرفية في تلك الدول.
ويُتيح القانون لواشنطن، الحصول على جميع المعطيات المصرفية للأشخاص الخاضعين للجباية الأمريكية، وهو لا يشمل المواطنين الأمريكيين داخل الولايات المتحدة، وإنما المقيمين خارجها أيضا، فضلا عن الأجانب المقيمين في بلد آخر، وأولئك الذين لديهم ودائع أو ممتلكات مهمة في الولايات المتحدة.
واعتبارا من السنة المقبلة، تعتزم الحكومة الأمريكية الطّلب من جميع المؤسسات المالية الأجنبية (مصارف، تأمينات على الحياة، صناديق استثمار، مؤسسات،...) بما فيها تلك التي لا تنشط فوق أراضي الولايات المتحدة، تسليمها أسماء وبيانات عملائها الخاضعين للجباية الأمريكية.
ووجد الرئيس الأمريكي أوباما سندا قويا في رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون، خلال قمّة الثماني، إذ اعتمد الأخير موقفا متشددا من مسألة هروب رؤوس الأموال إلى ملاذات ضريبية آمنة، وخاصة جزر كايمان وبرمودا.
وإذا ما سايرت الدول القوية المعنية موقف كامرون، فستضطر جميع الملاذات الآمنة الحالية، إلى تبادل المعلومات في المستقبل، علما أن كامرون أصر على إنشاء سجلات ترفع النِقاب عن ملكية ما يسمى بـ "شركات الواجهة".
ومن هنا، يكتسي تعامل بلدان الخليج العربي مع قانون الامتثال الضريبي الأمريكي (فاتكا)، أهمية خاصة، بسبب كثافة المعاملات المصرفية والمالية عموما، بين أمريكا ودول الخليج.
وقد سألت "سويس إنفو" الخبير المصرفي القطري عبد الله الخاطر: هل سيشمل تطبيق قانون "فاتكا" بلدان الخليج؟ فأجاب بأنه "احتمال وارد جدا، بسبب العلاقات الحميمية مع الولايات المتحدة. ولذلك، في حال طلبت سلطات الضرائب الأمريكية أو الحكومة، تطبيقه على الأمريكيين المولودين في أمريكا أو المقيمين هناك، فسيُطبق على الجميع، وسيكون مستحيلا إعطاء أفضلِية للمُقيمين في الخليج.
وبشأن الانعكاسات المحتملة لتطبيق القانون على المواطنين الخليجيين الحاملين للجنسية الأمريكية أو للبطاقة الخضراء، قال الخاطر: كثير منهم سيكون لديهم خِيار بين الامتثال للترتيبات الجديدة، أو التنازل عن الجنسية أو البطاقة الخضراء.
وأضاف: هؤلاء أصحاب ثروات، وقد يكونون من العائلات الحاكمة، وهم يحملون الجنسيتيْن، لأسباب منها الشعور بالاطمئنان، على أساس أنه نوع من الملاذ الآمن بسبب تنوع الخيارات، خاصة في حال حصول تغييرات جذرية في العالم العربي، أو مطالبات بتطبيق القوانين. وهذا القانون سيضعهم إزاء وضع قديم جديد، حيث سيضطرون لدرس الأثر الإيجابي والسّلبي لحمل الجنسية الأمريكية.
ومضى الخاطر شارحا: في السابق، كانوا يخشون من الضرائب، وخاصة ضريبة الوفاء وضريبة الدخل، وكان يمكن للثرِي أن يتفاداهما بوضع أمواله في بنوك سويسرية. وكثير منهم وجدوا أنفسهم بين المقصلتين، إذا أخذنا في الحسبان ارتفاع قيمة الضرائب التي يُطالبون بدفعها، فهُم بين مِقصَلة الربيع العربي، ومقصلة القرن الأمريكي الجديد.
وتابع: مخاطر التغيير بالنسبة لكثير من المستثمرين، أصبحت قريبة ومحسوسة، ما جعل قيمة الجنسية الأمريكية أكبر من الماضي، لأنها توفر الأمان، لكن ظهر في الوقت نفسه هذا القانون، الذي يحمل أيضا مخاطر على حامل الجنسية. وأتوقع أن هؤلاء سيفضلون، في غالب الحالات، التنازُل عن الجنسية الأخرى (الأمريكية).
وتطرق الخاطر لظاهرة خاصة بمنطقة الخليج، وتتمثل في مجموعة من أصحاب الثروات الأمريكيين المنحدرين من أصول إيرانية، موضحا أن تطبيق القانون على هؤلاء "سيكون صعبا، لأن وضع إيران لا يسمح بتطبيقه، ويمكن لأصحاب الثروات الذين يحتفظون بقسم من ثرواتهم في إيران، أن يفلتوا من القانون، أما في الخليج فسيطبق.

خياران.. أحلاهما مر
لكن السؤال كيف سيُطبَّق؟ يرُدّ الخاطر على هذا السؤال بقوله: كل شخص سيقوم بحساباته الخاصة. فإذا كانت المبالغ كبيرة، سيكون صعبا عليه عدم التخلّي عن الجنسية (الأمريكية)، خصوصا أن البلدان الأخرى كالبلدان الأوروبية مثلا، لا تأخذ منك ضرائب عندما تكون حاملا لجنسيتها، ومقيما خارج أراضيها، إلا إذا عدت إلى الإقامة فيها.
أما حامل الجنسية الأمريكية، فيدفع الضرائب أينما كان، وبالتالي، من الصعب عليه، نفسيا وماليا، الاحتفاظ بالجنسية الأمريكية. لكن هذا الحل، أي اللجوء إلى جنسية أخرى، لا يحل المشكلة، لأن القانون الأمريكي صعب، وقد يفرض عليك دفع الضرائب بين فترة الحصول على الجنسية والتخلي عنها. وأعرف حالات كثيرة، منها سيدة كانت متهربة من الضرائب، ولما ضبطوها دفعت كل المستحقات.. فأفلست!
وتابع: أما إذا وجد المعني بالأمر طريقة للتخلي عن الجنسية الأمريكية من دون وصول معلومات عن دخله وثروته إلى السلطات الأمريكية، فهذا مخرج ممكن. لكن الثابت، أن سلطات الضرائب الأمريكية ستسعى الآن إلى حمل دافعي الضرائب على سداد المتأخرات عن السنوات الماضية، وقد يكون هذا دافعا لكثير من الناس للتخلي عن الجنسية الأمريكية في أسرع وقت ممكن، لتحاشي دفع الضرائب.
وهكذا، فأمام المُستثمر خياران، إما تسديد المتأخرات أو دفع الضرائب مستقبلا، فالأمر يعتمد على كيفية تنفيذ القرار من قبل الأمريكيين، لكن من خلال الخبرة بطريقتهم، أعتقد أنهم سيتابعون كل دولار، وقد يفرضون عقابا على المتهربين.
في الماضي، كان هناك خلاف مع حوالي 50 ألف شخص وتوصلوا إلى اتفاق مع الأمريكيين، يقضي بإعفائهم من العقوبات مع دفع الضرائب المتخلفة. لكن الآن، بعد فتح البنوك السويسرية أمام المشرع الأمريكي، بات من الوارد أن تكون هناك عقوبات إلى جانب دفع كل الضرائب المتأخرة، بعد الاتفاق مع البنوك السويسرية.
وأوضح الخاطر أنه "من دون وجود معلومات عن سنوات التأخير، من الصعب معرفة الآثار السلبية على مجموعة الأثرياء ممن يحملون الجنسية الأمريكية أو البطاقة الخضراء، وستكون هناك لحظات غير سعيدة لكثير من الناس، وقد يلجأ الأثرياء في العالم والمنطقة، لرفع دعاوى قضائية على البنوك، خاصة في ضوء طبيعة فتح الحسابات. فإذا كان العقد ينص على السرية مثلا، يمكنهم أن يرفعوا دعاوى قضائية ويمكن أن يسترجعوا أموالهم، وهذا أثر سلبي في كل الحالات.
أما عن الأثر المتوقع على البنوك السويسرية، فيتكهن الخاطر بأن يكون الأثر السلبي محدودا عليها، إذا ما استمر النظام المصرفي في سويسرا متمسكا بعدم إفشاء الأسرار المصرفية. ويتوقع أيضا أن تكون هناك ردة فعل لدى الأثرياء الخليجيين، فينقلوا حساباتهم إلى سنغافورة مثلا، وقد يكون هذا الحل، أي الانتقال إلى الملاذات الآمنة، أحد الخيارات المتاحة.

طي حقبة السرية المصرفية؟
وعن الملاذات الآسيوية، ومنها سنغافورة التي ستطالها أيضا الذراع الأمريكية الطويلة، أجاب الخاطر: الأثر الأهم للفاتكا في النهاية، هو طي حقبة السرّ المصرفي. فقد أصبحت تلك المرحلة في عداد الماضي، ولم يعد العالم يحتملها في زمن مثل هذا، طغت فيه شبكة المعلومات وصار الاقتصاد العالمي واحدا، وبالتالي، بات من الصعب على أية مؤسسة أو بلد أن يبقى خارج المنظومة القانونية العالمية.
فنحن اليوم، لم نعد نتحدّث عن قرية كونية، وإنما عن سوق واحدة، فالنأي بالنفس عن بقية العالم، لم يعد خيارا، ولذلك، من المفروض أن تعمل البنوك العالمية وإدارة الأصول والثروات الخاصة، على أساس أن البيئة الاستثمارية أصَحت شفافة.
وختم بقوله: الخيار الآخر، هو أن تِم العمليات من خلال تجمّع شركات trust، فلا تعود هناك حاجة إلى البطاقة الخضراء، فتقوم بجميع العمليات عبر ذلك التجمع، وتدفع ضرائب على عمليات البيع والشراء وعلى الأرباح، لكن لا تطالك السلطات الأمريكية ولا أصحاب المطالبات، ولهذا السبب، سيعود الناس إلى "تروست"، لأن البديل يعرضهم لملاحقات قانونية، وإلغاء السرّ المصرفي، سيجعل المطالبات تأتيهم من كل الجهات.

ترك تعليق

التعليق