صناعة الدراما السوريّة 2013...بين الهجرة وأجور النجوم الفلكيّة وحبائل النظام (2-2)

النظام ركّز على دعم شركات الإنتاج على حساب مبدعي العمل الفني الدرامي
الجفاف المالي للمشهد الدرامي السوري عام 2012 دفع بعض النجوم للهجرة إلى مصر
مسلسلات الأزمة السورية خلال هذا العام أعادت للدراما السورية ألقها

بعد اندلاع الثورة السورية في 15 آذار/مارس2011، والانقسام العامودي الذي حصل بين نجوم الدراما حيال هذا الحدث الاستثناني في التاريخ السوري، تعرضت الدراما السورية لنكسة مؤقتة، ظهرت جليّة في تراجع نسب المشاهدة لها على الشاشات العربية خلال العام 2012، خاصة أن المسلسلات السورية في معظمها خلال العام الماضي، تجنبت الخوض في الشأن السوري الملتهب في كل شاشات الإعلام العربية والعالمية، فظهرت خارج سياقها المحلي والاجتماعي، على خلاف ما اعتادت عليه في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، بأن تكون مرآة لواقع المجتمع السوري والتفاعلات الحاصلة فيه، ولو بصورة مثيرة للجدل.

لكن الدراما السورية تجاوزت تلك العقدة خلال العام 2013، فتميزت دراما هذا العام، بعدد من المسلسلات المرتبطة بالمشهد السوري الراهن، بجرأة غير متوقعة، وإن كان فيها الكثير من الجدل حول الرسائل المشفّرة التي تحملها، والتي يفهمها كل مشاهد على طريقته، لكنها بالمحصلة أقرّت بأمر واقع في سوريا مفاده، أن هناك ثورة أو على الأقل أزمة، غير مسبوقة في التاريخ القريب لأجيال من السوريين.

فهل كانت ردّة الدراما السورية إلى شيء من الواقعية مرتبطة بأجندات للنظام الذي ما يزال يمتلك نفوذاً كبيراً في أوساط صنّاع الدراما، خاصة منها شركات الإنتاج السورية المعروفة؟...أم أن لهذه الردة علاقة بالمصلحة المالية –الاقتصادية البحتة، للعاملين في هذا المجال، والذين يحصلون على شرايين إمدادهم بالحياة –مالياً- من دول الخليج تحديداً، قنواتٍ وشركات إنتاج، فهي المشتري الأبرز لمسلسلاتهم، والمموّل الأهم لأعمالهم؟....أم أن لهذه الردة علاقة بالاثنين معاً، أجندات النظام، والعلاقة المتشابكة مع شركات وقنوات الخليج المناوئة للنظام؟

قرار حكومي يحدد أجور الممثلين وكتاب الدراما السوريين في المسلسلات
لنعود إلى آخر فقرة من الجزء الأول من مادتنا هذه، لنشرّح طبيعة علاقة النظام السوري الحاكم بالدراما، وقد تكون أفضل أداة لهذا التشريح، مراجعة القرار الصادر عن حكومة الأسد قبيل الثورة بشهر، والذي استجاب فيه النظام لشكاوى شركات الإنتاج التلفزيونية السورية الشهيرة، بخصوص أجور الممثلين –النجوم، التي باتت مرتفعة للغاية، فجاء القرار بما يخدم مصالح هذه الشركات على حساب الممثلين –النجوم.
القرار المذكور حدّد أجور الممثلين والعاملين الفنيين والتقنيين وكتاب الدراما والمخرجين والطواقم العاملة في الدراما السورية.
حيث حُدّد أجر الممثل –النجم في المسلسل، كحد أقصى بـ 500 ألف ليرة سورية، أي ما يقابل حينها 10 آلاف دولار أمريكي، وهو أقل من 5% من أجور النجوم الدارجة حينها، الأمر الذي يكشف ميل النظام تجاه مصالح شركات الإنتاج التلفزيوني البارزة في سوريا.

فيما حُدّد أجر المخرج كحد أقصى 300 ألف ليرة سورية، أي ما يقابل حوالي 6 آلاف دولار أمريكي، بالأسعار الجاريّة حينها، وهو أقل من 2% من الأجر الذي اعتاد عليه المخرج نجدت أنزور المقرّب من النظام حينها.
ما سبق يؤكد أن النظام ركّز على دعم شركات الإنتاج تحديداً، على حساب عناصر العمل الفني الدرامي، من كتّاب ومخرجين وممثلين،....فلماذا اختار النظام جانب شركات الإنتاج؟
من المعروف في العمل الفني الدرامي أن شركة الإنتاج هي المتحكمة في استراتيجيات العمل وتوجهاته، بدءاً من طبيعة النص الدرامي المطروح للعمل، مروراً بالكادر التمثيلي والتقني الذي سيعمل فيه، انتهاءً بالإخراج الذي سيُقدّم من خلاله للمُشاهد.

نتائج عكسيّة لدعم النظام لشركات الإنتاج على حساب الكادر الفني
لكن دعم النظام لشركات الإنتاج كان له نتائج عكسيّة من جانبين، الأول علاقة هذه الشركات التي لا تستطيع أن تنتعش مالياً أو تربح تسويقياً، من دون شراكاتها العميقة مع شركات وقنوات الخليج، المموّل والمشتري الرئيس لمعظم الأعمال الدرامية السورية، وهو ما تعني نتيجته، أن شركات الإنتاج التلفزيونية السورية كانت مضطرة لمسايرة قنوات وشركات التلفزيون الخليجية في توجهاتها، والأخيرة كما هو معلوم ليست في صف النظام السوري في معظمها.

أما الجانب الثاني، فكان ازدياد هجرة نجوم الدراما خارج الأراضي السورية، لعاملين، الأول: الابتعاد عن سطوة الأجهزة الأمنية في ظل انقسام مجتمعي كبير بين مؤيد للثورة ومعارضٍ لها، حيث يمكن للنجم السوري خارج بلاده أن يتخذ الموقف الذي يناسب مصالحه وقناعاته دون خوفٍ من انتقام النظام، والعامل الثاني: أن الدراما المصرية، بأجور نجومها المرتفعة، شرّعت أبوابها أمام الممثلين السوريين المهاجرين، الأمر الذي يشكّل إغراءً مالياً كبيراً للنجم السوري، بعيداً عن سطوة وتحكم النظام برزقه وأجره.

الجفاف المالي للمشهد الدرامي السوري عام 2012...موسم الهجرة إلى مصر
وقد ساهم جفاف المشهد الدرامي السوري خلال العام 2012 مالياً، في دفع نجوم الدراما السورية إلى مسارعة الخطى للهجرة إلى مصر، فقد عزف العديد من المنتجين السوريين عن الدخول في مشاريع درامية، وسط توقعات سادت حينها بأن أجور الفنانين السوريين قد تنخفض إلى النصف في حال بقيت الدراما السورية على حالها تلك.
وهكذا عزّز نجوم سوريون من استقرارهم في الدراما المصرية، مثل جمال سليمان وتيم حسن، الذين كانا من أوائل النجوم السوريين المنخرطين في الدراما المصرية، وبأجور مرتفعة وصلت إلى ما بين 400 ألف و600 ألف دولار.
فيما وفد نجومٌ آخرون إلى عالم الدراما المصرية، وآخرهم سلافة معمار التي تردد أن أجرها وصل إلى نصف مليون دولار.

مسلسلات "الأزمة" السورية عام 2013
ربما ما سبق عرضه، يسمح لنا أن نفهم لماذا انعطفت الدراما السورية خلال العام الجاري تلك الانعطافة الجريئة في معالجة المشهد السوري الراهن، بصورة رغم ما يكتنفها من جدل، إلا أنها تقرّ بأن هناك ثورة أو على الأقل أزمة، في البلاد.

مسلسلات الأزمة السورية خلال هذا العام أعادت للدراما السورية ألقها، وربما أعادت للنظام السوري قدرته على مدّ حبائله في عالم الدراما السورية، ليمرّر رسائله المشفّرة بحنكة حيناً، وبفظاظة حيناً آخر، في الوقت الذي تتمكن فيه شركات الإنتاج التلفزيوني السورية من إرضاء شركائها الخليجيين بالحديث العلني عن "ثورة وثوار وجيش حر" في مسلسلاتها المنتجة، وبنفس الوقت يعود ألق نجوم الدراما السورية في بيئتهم المحلية، قبل أن تبتلعهم الدراما المصرية أو حتى الخليجية والعربية عموماً.

الجزء 1من "صناعة الدراما السورية ..

صناعة الدراما السوريّة 2013...بين الهجرة وأجور النجوم الفلكيّة وحبائل النظام (1-2) 

ما بين 40-60 مليون دولار قيمة الإنتاج الدرامي السوري عام 2010 ارتفاع أجور الممثلين السوريين بين 50% إلى 500% عام 2010 ... المزيد

ترك تعليق

التعليق