بعد أن تحولت لمجرد خزائن.. المصارف في سوريا تعمل بخسارةٍ فعلية وربحٍ رقمي..

تمر المنظومة المصرفية السورية في ظروفٍ أشبه بالمثل الشعبي القائل "قلة الشغل شغل"، حيث حصدت أرباحاً عالية، والسبب هو امتناعها عن الإقراض وحفاظها على الدولار الذي أدى فرق سعر صرفه إلى مباهاتها بأرباحٍ لن تصل إليها حتى في أوقات الاستقرار حسب ما يؤكد مراقبون.

ورغم امتناع البنوك عن الإقراض إلا أنها تعاني من ارتفاع نسب القروض المتعثرة أو المعدومة، فالأرقام غير الرسمية التي تحدثت عن الديون المشكوك بها أشارت إلى نسبٍ تصل إلى 30 %، كديونٍ متعثرة، ففي ظل الوضع الاقتصادي المتردي، وخروج رجال الأعمال من البلاد، والظروف الميدانية التي أضاعت أملاك المقترضين بسبب استمرار عمل الآلة العسكرية، كل ذلك أدى إلى تكاثر الديون المتعثرة، هذا الحال بالنسبة للبنوك الخاصة، أما في المصارف الحكومية فيُضاف إلى الديون المتعثرة، تلك المعدومة والتي أتى جزء منها نتيجة الظروف الاقتصادية، والجزء الآخر ناجم عن الفساد، الذي اتسعت رقعته خلال العامين الفائتين.

القروض منعت والاستثمار توقف
ومنذ بداية الثورة، ألزم مصرف سوريا المركزي كافة البنوك العاملة في البلاد بالامتناع عن تقديم القروض، وبدورها امتنعت عن إيداع الدولار بعد العقوبات الدولية التي تم فرضها على حركة الدولار، حيث بات يشكل عبئاً على البنوك، وحجم الحوالات ضعيف جداً، وتوقف مؤخراً تمويل المستوردات بشكلٍ كامل.
كل ذلك أدى إلى اقتصار دور البنوك الخاصة على كونها مجرد خزائن تحفظ الأموال، في ظل غياب أي قناةٍ استثمارية بما فيها القروض، لكن السؤال الذي يطرح نفسه ماذا عن الفوائد وماذا عن رواتب الموظفين العاملين في هذه البنوك؟، ويجيبنا أحد الخبراء المصرفيين الذي فضل عدم ذكر اسمه بالقول: "يمكننا القول إن البنوك الخاصة اليوم تعمل بالخسارة، هذا بمعزل عن فرق سعر الصرف، فهي مجبرة على استمرار العمل في كامل فروعها، وبكوادرها العاملة، لسببين الأول يتعلق بمصرف سوريا المركزي الذي لا يسمح لها بالإغلاق رغم أنه غير قادر على تغطية نفقاتها كونه لا يمتلك المال الكافي من ناحية ومن ناحية أخرى فيه مخالفة سافرة للقانون، وثاني الأسباب يتعلق بسمعتها لكونها بنوكا عربية أو عالمية تعمل في سوريا، وفعلياً البنوك تنتظر ليكون لها دور بعد انتهاء المعركة".

مصائب الليرة على البنوك فوائد!
ورغم وصف عمل المنظومة المصرفية بالخسارة، إلا أن بيانات معظم البنوك تمخضت عن أرباح ليست بالقليلة، وهنا يرى الخبير المصرفي أن توقف الدولار عن الارتفاع سيكشف الغطاء عن المستور من عورات البنوك الخاصة وخسائرها، فاستمرار الدولار بالصعود وحده الذي ساعد البنوك على تحقيق الأرباح وتعويض الخسائر، أما البنوك التي باعت ما لديها من الدولار بسعر 90 ليرة لم تحقق أرباحاً كبيرة، مثل بنك سوريا والمهجر الذي ربح فقط 200 مليون ليرة، ويعتبر الخبير أن على هذه البنوك خطورة كبيرة في السنوات القادمة.

ورغم الخطورة التي تحيق ببعض البنوك نتيجة استنزاف ما تمتلكه من دولارات، وارتفاع حجم الديون المشكوك بها إلا أن هناك من حقق أرباحاً عالية برأس مالٍ قوي، وحجم ديونٍ منخفض، وهذه البنوك تنظر إلى السوق السورية بعد انتهاء الحرب، كحال بنك قطر الذي بلغ رأس ماله 29 مليار ليرة (مع فرق الدولار)، في حين لا تتجاوز قروضه 3 مليار ليرة.

ديون معدومة
ويعتقد الخبير المصرفي أن من سيبقى من البنوك الخاصة في سوريا، ربما سيطالب فيما بعد بتعويض وهذا أمر وارد، أي أنها ستنظر إلى الأمر من منطق أن ما تتعرض له لخسارة حالياً ربما يتحول إلى ربح في المرحلة القادمة، إلى جانب مسألة إعادة الإعمار والعمل الذي ينتظر المنظومة المصرفية.
أما لناحية البنوك العامة، فالحال فيها يختلف، لأن الحكومة متكفلة بها بشكل كامل، رغم أنها تعاني من الديون المعدومة بسبب الفساد، ورغم محاولات المركزي ووزارة المالية بتوقيف كامل القروض في هذه البنوك، إلا أن الإدارات الفرعية في كثيرٍ من الأحيان فرضت استمرار بعض القروض لا سيما المضمونة منها، وهذا ما حدث مع المصرف العقاري، في حين توقفت القروض لدى العديد من البنوك بما فيها العريقة وصاحبة السيولة التي تزيد عن 50 % كالمصرف التجاري.

خدعة التعويض
هذا حال البنوك أما المودعون فيعتبرون أنفسهم خاسرين، والسبب تراجع قيمة الليرة، واستمرار إيداعها في البنوك دون أي تشغيل، ومع ذلك حاولت حكومة النظام الحديث عن تعويضٍ لهذه الودائع، وهو ما يرى فيه الخبير المصرفي، حالة خداع دخل فيها مصرف سوريا المركزي، بهدف تشتيت الانتباه، حيث لا يمكن التدخل في السوق لدعم الليرة، وفي الوقت ذاته تعويض المودعين، فلو علمت البنوك أن المركزي سيتدخل ويخفض الدولار، لكانت باعت ما لديها، لكن المركزي كان يتحدث عن دعم الإيداعات ما يعني استمرار ارتفاع الدولار، وبالتالي تعويض الإيداعات كان الهدف منه تشتيت الانتباه لكنه لم ولن يفعلها.

وبالحديث عن المنظومة المصرفية سبق وأشارت بعض المعلومات إلى عملية تجفيف للسيولة في المحافظات السورية، خوفاً من تكرار تجربة الرقة، وبقاء المليارات خارج سلطة النظام، ما دفع البنوك في المحافظات إلى صرف مبالغ لا تزيد عن مليون ليرة، في حين يتم تحويل الزبون إلى دمشق والبنك المركزي لصرف المبلغ العالية.

ترك تعليق

التعليق