كيف تجاوز زيت زيتون سوريا الأسعار العالمية بما يقارب 70%؟

500% نسبة تضخم سعر زيت الزيتون
زيت الزيتون السوري أغلى من الأسعار العالمية بما يتراوح بين 30 -70%
4.7 دولار سعر كيلو زيت الزيتون السوري
100 ألف طن من زيت الزيتون السوري إلى إيران ودول صديقة
النظام صدّر 44% من حاجة السوريين الأساسية من زيت الزيتون لهذا العام

دخل زيت الزيتون هو الآخر قائمة النفائس في أجندة المواطن السوريّ، فبعد اللحوم والدجاج والحليب والألبان، يبدو أن السوريين سيفتقدون لمكونات المائدة التي كانت تعدّ لردح من الزمن، من المأكولات رخيصة الثمن، كالمكدوس، والزعتر بزيت، والفول المدمس....ومواد أخرى، إلى أن استغنوا عن الميزة الرئيسية في تلك المأكولات....زيت الزيتون.

فمن 3500 ليرة نهاية العام الماضي، يقفز سعر تنكة زيت الزيتون السوري، ذات الـ 18 كيلو، حوالي 500%، إلى 17 ألف ليرة، في معظم المناطق السورية، وإلى 15 ألف في مناطق أكثر حظاً.
وهكذا بلغ سعر الكيلو غرام الواحد حوالي 945 ليرة، وقد بيع الكيلو فعلاً بـ 1000 ليرة في الكثير من منافذ البيع داخل الأراضي السورية.
وإذا احتسبنا سعر الكغ الواحد بالدولار، على أساس الدولار بـ 200 ليرة، نجد أن سعر الكغ الواحد من زيت الزيتون السوري يتجاوز 4.7 دولار، متفوقاً على السعر العالمي لأجود أنواع زيت الزيتون المكرر والمعبأ في أفضل الشروط والمواصفات العالمية، والذي يبلغ حوالي 3.3 دولار، بنسبة 30%.
وإذا أخذنا سعر زيت الزيتون متوسط الجودة من حيث النوعية والتعبئة، والذي يبلغ سعره العالمي حوالي 2.7 دولار، نجد أن سعر الكغ من زيت الزيتون السوري يتجاوز وسطي السعر العالمي، بحوالي 70%.
وحسب التقديرات، بلغ متوسط التضخم العام في أسعار السلع والبضائع السورية في السوق المحلية خلال السنتين الماضيتين، حوالي 300%، لكن زيت الزيتون تفوق على معظم السلع الغذائية الأخرى، بتضخم قارب 500%.

هذه القفزة المروّعة في سعر تلك المادة الغذائية التقليدية والضرورية في وجبات السوريين، أثارت استياءً ملحوظاً في الشارع السوري، عكسته تقارير وسائل الإعلام المحلية، الرسمية، وشبه الرسمية، المحسوبة على النظام، والتي أفردت العديد من صفحاتها خلال النصف الثاني من الشهر الفائت، لتحقيقاتٍ صحفيةٍ تبحث عن أسباب تحليق أسعار زيت الزيتون السوري إلى هذا الارتفاع.
معظم تلك التقارير على ما يبدو حاولت التنفيس عن استياء السوريين، عبر تقديم سلسلة من الأسباب التي تبتعد بذهن السوريّ عن السبب الرئيس لفقدانه واحدة من أهم مواده الغذائية، ألا وهو العلاقة مع إيران، وتمويل الآلة العسكرية "الأسديّة".

فبعد الدواجن التي قدّمتها حكومة النظام على مذبح العلاقة مع إيران عبر استيراد مشتقات الدواجن المثلجة الإيرانية بأسعار تقل عن نظيرتها الطازجة السورية مما أودى بجزء كبير من قطاع صناعة الدواجن السورية، يبدو أن قطاع زراعة وصناعة زيت الزيتون السوري، مستهدف إيرانياً، بمباركةٍ من حكومة النظام.

فقد أقرّ اتحاد غرف الزراعة السورية بأن صادرات سوريا من زيت الزيتون خلال الأشهر الخمسة الماضية فقط، تقدّر بحوالي 100 ألف طن، توجّه معظمها إلى عدد من الدول الصديقة، وعلى رأسها إيران، التي كانت قد وقّعت مع حكومة النظام اتفاقاً للـ "الاستيراد عبر المقايضة".

حيث قايضت حكومة النظام زيت الزيتون السوري ومواد أخرى كالقطن والحمضيات، مقابل مواد قادمة من إيران، أبرزها المشتقات النفطية الضرورية لاستمرار عمل الآلة العسكرية "الأسدية"، وكميات من الطحين الإيراني.

وكانت مصادر في حكومة النظام أقرّت بأن زيت الزيتون السوري كان من أكثر المواد التي شجّعت إيران على الذهاب قُدماً في اتفاق "الاستيراد عبر المقايضة" مع حكومة الأسد، نظراً لما له من مزايا تصديرية كبيرة.

إذاً فقد قدّمت حكومة الأسد 100 ألف طن من زيت الزيتون السوري إلى إيران، من أصل 175 ألف طن إنتاج هذا الموسم، بصورة وسطية، وهو أكبر كمية تصدرها سوريا من زيت الزيتون في تاريخها المعاصر.

وإذا عرفنا أنه حسب تقديرات مختصين، فإن حاجة السوق المحلية من زيت الزيتون السوري تقدّر بحوالي 135 ألف طن سنوياً، وأن الفائض المُتاح للتصدير دون المساس بالحاجة المحلية لا يتجاوز 40 ألف طن، نكتشف أن نظام الأسد أخلّ بحاجة السوق المحلية السورية من زيت الزيتون بما لا يقل عن 44%.

أي أن نظام الأسد صدّر 44% من الجزء الضروري من حاجة السوريين من زيت الزيتون إلى إيران، ضارباً بعرض الحائط الاختلال المرتقب في أسعار هذه المادة الحيوية في السوق المحلية، تاركاً لإعلامه مهمة البحث عن تبريرات جانبية، تُبعد ذهن المواطن السوري عن حقيقة استخفاف نظام الأسد بأمنه الغذائي.

ورغم مساعي إعلام الأسد، والإعلام المقرّب منه، في تقديم تفسيرات للارتفاع المهول في أسعار زيت الزيتون في السوق المحلية، من قبيل تهريب زيت الزيتون إلى لبنان وتركيا والأردن، ومن قبيل وجود خلايا من تجار الأزمة تقوم باحتكار المادة ورفع سعرها، أو حتى اكتشاف خلايا "متآمرة" تقوم بشراء زيت الزيتون وإتلافه لمفاقمة الأزمة الغذائية في البلاد، إلى جانب ارتفاع تكاليف النقل، وخروج مناطق واسعة منتجة لزيت الزيتون من تحت سيطرة النظام، ناهيك عن التذرع بعواصف وأحداث طبيعية أضرت بمحصول الزيتون لهذا العام....إلخ، إلا أن تصريحات لشخصيات من داخل اتحاد غرف الزراعة السورية أبت إلا أن تفضح ذلك الزيف، وتفضح كذب وزارة الزراعة التي ادعت أن الكمية المصدرة من زيت الزيتون هذا العام لا تتعدى 30 ألف طن، لتؤكد عبر عدة شخصيات، وليس شخصية واحدة، وعبر عدة وسائل إعلامية محلية، وليس وسيلة واحدة، أن سوريا صدرت 100 ألف طن من زيت الزيتون هذا العام ذهبوا في معظمهم إلى إيران، مقابل وقود لآلة الأسد العسكرية، وبعض كميات الطحين الإيراني.

ويبقى في الختام، أن ما سبق، يفضح حقيقة استهتار نظام الأسد بالأمن الغذائي للمواطن السوري، ويوضح أن الاعتبارات الأسمى لصانعي القرار داخل أروقة هذا النظام، تتمثّل في تأمين استمرار هذا النظام ورموزه العليا، حتى لو على حساب لقمة السوريّ وغذائه.

ترك تعليق

التعليق