يتوهم بلعب دور" عامل استقرار للمنطقة "..ماسر دعوة النظام للاجئين العودة إلى الوطن وعدم ملاحقتهم ؟

هي المرة الثانية التي يمكن فيها بوضوح تسجيل خطوة من جانب النظام يسعى فيها إلى تشجيع اللاجئين السوريين في دول الجوار للعودة إلى الأراضي السورية.
المرة الأولى، كانت عبر المعطيات التي أكدها مصدر لـ "اقتصاد" عن قيام قنصل النظام في القاهرة منذ أسابيع، بزيارة بعض الموقوفين السوريين على خلفية حملة الاعتقالات العشوائية التي شنتها السلطات المصرية الجديدة ضد السوريين في مصر، بتهمة التورط في مظاهرات ونشاطات موالية للأخوان المسلمين.
قنصل النظام حسب المصدر عرض على الموقوفين تسوية أوضاعهم والعودة إلى الأراضي السورية، على أن تؤمن لهم سلطات النظام فرص عمل كريمة، لكن معظم الموقوفين رفضوا العرض، ربما على خلفية نشاط بعضهم الثوري في سوريا وبالتالي خشيتهم من أن يعتقلهم النظام حال دخولهم الأراضي السورية.
وقد أفاد المصدر حينها أن قنصل النظام بعدما يأس من محاولات إقناع الموقوفين بالعودة للأراضي السورية، طلب من السلطات المصرية ترحيلهم لسوريا، لكن تلك السلطات رفضت الطلب، وتركت للموقوفين المزمع ترحيلهم، الحرية في اختيار البلد التي يريدون الرحيل إليها.

أما المرة الثانية، فكانت الدعوة العلنية من جانب رئيس وزراء النظام، وائل الحلقي، منذ أيام، والتي وجهها للاجئين السوريين في دول الجوار ومصر، للعودة إلى سوريا، مع التعهد بتقديم ضمانات قضائية وأمنية بعدم ملاحقة أيّ منهم حتى لو كان على علاقة بنشاطات ثورية قبل مغادرته، وتأمين أماكن الإقامة اللائقة والعيش الكريم لهم، حسب تصريحات الحلقي.
دعوة الحلقي العلنية هذه، وقبلها سعي قنصل النظام في القاهرة، لجذب السوريين في دول اللجوء، للعودة إلى بلدهم، يدفع إلى التساؤل حول غاية النظام من هذا السعي.
فكلنا يعلم أن هؤلاء خرجوا من سوريا إما هرباً من الملاحقة الأمنية للنظام، أو هرباً من حربه الشعواء على بلداتهم وقراهم.

وكان بعض صقور أنصار النظام قد وصف اللاجئين السوريين في دول الجوار بأنهم أهالي للإرهابيين، وأنهم حواضن شعبية سابقة للإرهاب، أو أنهم في أحسن الأحوال، هاربين من البلاد التي لا يكنون لها الامتنان الكافي كي يبقوا صامدين فيها في أوقات المحن.
فما الذي استجد اليوم كي تسعى حكومة النظام إلى استرجاع اللاجئين السوريين، خاصة أن معظمهم بطبيعة الحال، ميّال للحراك الثوري، وربما من الأفضل للنظام أن يتخلص منهم؟
قد تكون الإجابة في أحد جوانبها ترتبط باستراتيجية النظام المستجدة التي اعتمدها في السنة الأخيرة من الثورة، حيث يسعى النظام لتقديم نفسه على أنه ضحية للإرهاب، وأنه يحارب إرهابيين متطرفين، والأهم من ذلك، أنه عامل استقرار لسوريا وللمنطقة.

هو بطبيعة الحال يحاول أن يقنع دول الغرب، ودول الجوار، بأنه أفضل البدلاء في سوريا، وأنه أداة للاستقرار في سوريا وفي محيطها الإقليمي، وقد نجح نسبياً في تخويف الغرب من البدلاء المتاحة.
ويبدو أن النظام اليوم يريد أن يذهب أبعد من ذلك في استراتيجية تقديم نفسه على أنه أداة استقرار للبلاد وللمنطقة، وذلك عبر امتصاص واحدٍ من أبرز أسباب الاستياء الإقليمي والعالمي منه، وهو موجة اللاجئين الضخمة التي أربكت لبنان والأردن، وأزعجت نسبياً تركيا، وها هي تؤرق الآن مصر.
حينما يكون النظام طارداً للسوريين، وسبباً للجوئهم إلى دول الجوار، فهو يظهر بأنه سببٌ لعدم الاستقرار في المنطقة.

أما حينما يستعيد هؤلاء اللاجئين، ويخفف من الأزمات الناجمة عنهم في الأردن ولبنان بالدرجة الأولى، فهو بذلك يريد أن يقول للقوى الإقليمية والعالمية المترددة حيال إسقاطه، أنه أداة استقرار لسوريا وللمنطقة، وأنه أفضل البدائل المتاحة في عجّة الفوضى السائدة على الأرض السورية.
هكذا يمكن تفسير مساعي النائب اللبناني، ميشال عون، وهو أحد حلفاء النظام في لبنان، لتقديم رؤية تقوم على التنسيق بين الحكومة اللبنانية والنظام السوري، لتأسيس مناطق لجوء آمنة داخل الأراضي السورية، يتم نقل اللاجئين السوريين الموجودين في لبنان إليها، وبذلك يتخلص لبنان من الضغط الأمني والاقتصادي والسياسي لملف اللجوء السوري، بدعم من النظام بدمشق.

ويستغل النظام بطبيعة الحال الأوضاع المذرية للاجئين السوريين في الأردن ولبنان، وتدهور أوضاعهم الخطير في مصر، ليقول لشعبه وللمنطقة وللعالم، بأنه أفضل البدائل، بعد أن سجّلت تقارير إعلامية عديدة حركة عودة ملحوظة للسوريين من مصر تحديداً، ومن الأردن ولبنان بدرجة أقل.

فهل ينجح النظام في تقديم نفسه على أنه عامل استقرار لبلده وللمنطقة؟

ربما تكون الإجابة مرتبطة بتساؤل أكثر عمقاً: كيف سيعالج النظام ملف اللاجئين السوريين في حال أنصتوا له وعادوا؟
أين سيُسكنهم بعد دمار قراهم وبلداتهم؟....وكيف سيؤمن تكاليف معيشتهم بعد فقدانهم مصادر رزقهم؟
وإن كانت بعض مناطق دمشق وريفها تعجّ بالسكان واللاجئين حتى ضاقت على الجميع سكنياً ومعيشياً، وإن كانت معظم محافظات سوريا تدخل في نطاق المناطق غير الآمنة، بسبب قصف النظام واستهدافه المستمر لها، وإن كانت المحافظات الثلاثة الأكثر استقراراً أمنياً، السويداء – طرطوس- اللاذقية، قد ضاقت هي الأخرى باللاجئين، إلى جانب الحساسية المذهبية التي لا يمكن إخفائها في هذا الجانب.....فكيف سيعالج النظام ملف اللاجئين؟

سؤال سيبقى برسم صانعي القرار في أوساط النظام، وإن كنا اعتدنا الاعتباطية وعدم التخطيط في تحركات صانع القرار الاقتصادي والمعيشي في البلاد.

ترك تعليق

التعليق