المثلث الذهبي للفقر "الغلاء تدني الدخول والبطالة"... كيف يعيش السوريون إذاً..؟

"من لم يمت بالقصف فإنه سيموت عوزاً وجوعاً"، لعلها العبارة التي تختصر ما يعيشه السوريون اليوم، وهي لسان حال غالبية من مازال في البلاد يعاني الفقر والعوز، في ظل استمرار الغلاء وارتفاع الأسعار الجنوني، والتهامها للفتات الذي يتقاضاه السوريون شهرياً، إلى جانب خسارة فرص العمل.

تتكالب الظروف لتجعل من المواطن السوري هو الضحية دائماً، حيث ارتفعت أسعار العديد من السلع خلال العامين الفائتين بنسبةٍ تجاوزت في كثيرٍ من الأحيان الـ 500 %، كأسعار الحليب، ومشتقاته، كما ارتفعت أسعار المحروقات رسمياً بحدود 300 %، كالمازوت، هذا إلى تكاثر توالد الأسواق السوداء لكل السلع والمنتجات، وفي ظل كل ذلك يبدو السؤال حاضراً كيف يمكن لأسرةٍ مكونة من خمس أشخاص أن تؤمن حياتها بـ 15 ألف ليرة شهرياً؟

معجزة سورية
لا يمكن لأي شخص أن يستطيع حل مثل هذه المعادلة المركبة، فمتوسط الرواتب والأجور لا يمكن أن يصمد للعائلة أكثر من بضعة أيامٍ من الشهر، بينما لا يمكن أن يصمد يوماً واحداً في شهر النكبات الاقتصادية، شهر أيلول / سبتمبرحيث افتتاح المدارس وتجهيز المونة المضاعفة لاحتمال اقتراب الضربة العسكرية، وهناك آلاف العائلات اليوم لا تمتلك أي دخل، إلى جانب نصف الشعب السوري ممن يعيش حال النزوح والتشرد.

إذا دخلنا بالحساب بطريقةٍ عملية فأي عائلة لا تملك منزلاً سيكلفها إيجار المنزل "غير مفروش" في منطقة آمنة كامل دخلها، دون الطعام والشراب والاتصالات والنقل والألبسة والمحروقات التي تبيت حكومة النظام نيةً غير حسنة بإمكانية رفعها من جديد مع بداية فصل الشتاء وافتعال الأزمات لحين الوصول إلى رفع الأسعار.

في جولةٍ على أسواق دمشق ستجد الأب غير القادر على شراء كيلو موز لابنه، حيث اقتلع له موزةً واحدة ودفع ثمنها، "فالطفل اشتهى"، وسيدة أخرى تعتبر أنه من الترف اليوم أن نشتري أكثر من صنف خضار لتحضير السلطة التي يمكن الاستغناء عنها أساساً، وتحاول هذه السيدة التعبير عن حسرتها بشيءٍ من السخرية، حيث تقول: "الطعام الكثير يضر بالصحة، سنعتمد على تقنين طعامنا وشرابنا"، بينما محلات اللحمة تماد تخلو من الزبائن في زمنٍ باتت فيه اللحوم جزء من البهارات التي يمكن الاستغناء عنها.

الفلافل أوفر
المشكلة لا تكمن لدى العائلات السورية فقط في تأمين المواد الداخلة في تحضير الوجبات الغذائية، إنما أيضاً في الغاز، الذي وصل سعر الأسطوانة الواحدة إلى 1200 ليرة، وكل عائلة تحتاج شهرياً على أسطوانتين، إن توافرت في السوق النظامي، ما دفع إحدى السيدات إلى القول أنه يمكن من الأفضل الاعتماد على الفلافل يومياً، رغم أن السندويشة وصلت إلى 150 ليرة، لكنها أوفر وتملأ المعدة.

ومن ناحيةٍ أخرى وصلت معدلات البطالة وفقاً للإحصائيات غير الرسمية إلى ما يزيد عن 30 %، حيث تم تسريح أكثر من 300 ألف عامل في القطاع الخاص، علاوةً عن العاملين في اقتصاد الظل والذي تصل نسبته من الاقتصاد إلى حدود 40 %، إلى جانب دخول 150 ألف شخص سنوياً لسوق العمل، ونسب البطالة المرتفعة أدت إلى ارتفاع معدلات التضخم بعد تراجع الإنتاج وتآكل القوة الشرائية لليرة السورية، وارتفاع أسعار سعر الصرف، إلى جانب الفوضى التي تعيشها الأسواق، ومع هذه المعطيات لا يمكن تحديد حجم الفقر الحقيقي في البلاد لكن نسبه باتت عالية جداً وفق ما يرى مراقبون.

الدين ثم الدين
وفي ظل كل ذلك يبقى السؤال معلقاً، ترى كيف يؤمن السوريون عيشهم؟، ليجيبنا "أبو سامر"، "الناس في المحن تساعد بعضها، أنا أستدين طيلة الشهر من البقالية وأول الشهر أسدد ما علي، وأعيد الكرة، ومع ذلك أبقى أستدين لتأمين مصاريف الحياة الأخرى، فالراتب لا يصمد إلا أياماً قليلة"، أما السيدة رحاب تقول: "أنا استغنيت عن مونة الشتاء هذا الشهر، لكنني خزنت بعض الرز والبرغل خوفاً من الضربة الأمريكية، ومن الشتاء الماضي استغنينا عن المازوت، ولم نتدفأ حتى على الكهرباء بسبب انقطاعها المستمر والخوف من فاتورتها".

باتت العائلة السورية إذاً ترشد في استهلاك كل شي، ابتداءً من الغذاء مروراً بالمصاريف اليومية الأخرى من الاتصالات والتنقل والمحروقات، في ظل نظامٍ لا يفكر سوى ببقائه، فالحكومات السورية المتعاقبة سواءً قبل الثورة أوبعدها، جميعها كانت ترفع شعارات تحسين المستويات المعيشية للمواطنين، وتحقيق التنمية المستدامة، لتتكشف حقيقة كل تلك الوعود بعد اندلاع الثورة، حيث المواطن أول ما يتم التضحية به.

ترك تعليق

التعليق