تركيا "جنّة" السوريين...ما بين الممتلئين مالياً واللاجئين...لماذا؟، وإلى متى؟ (2-2)
- بواسطة خاص - اقتصاد --
- 08 تشرين الاول 2013 --
- 1 تعليقات
700 مليون دولار استثمارات سورية في صناعة النسيج بمصر تنسحب تدريجياً إلى تركيا
عدد اللاجئين السوريين تجاوز عدد السكان الأصليين لـ41 مدينة تركية
100 ألف سوري يواجهون صعوبات في أزمير –عاصمة العلمانيين في تركيا
100 ألف سوري يتجولون باسطنبول دون تصاريح إقامة وسط مخاوف من أعمال إرهابية
منذ أسابيع ذكرت أحد التقارير الإعلامية أن 70 ألفاً من أبناء الطبقة الوسطى العليا السورية غادرت مصر باتجاه تركيا، خلال الأشهر الأخيرة. لا يمكن تأكيد هذا الرقم، لكن يمكن الإقرار بأن حركة الممتلئين مالياً من السوريين، من مصر إلى تركيا، باتت ظاهرة.
الاستثمار السوري يفرّ من مصر إلى تركيا
بات من الممكن الإقرار بوجود حالة هروب جماعية للاستثمارات السورية من مصر إلى تركيا، اعترف بها خلدون الموقع، رئيس تجمع رجال الأعمال السوري في مصر. فحسب تصريحات له نشرتها جريدة الأهرام المصرية مطلع الشهر الفائت، فقد توقف ضخ الاستثمارات الصناعية السورية في مصر، وتمت تصفية عدد كبير من المصانع القائمة، وتجميد إنشاء المصانع التي هي تحت الإنشاء، والعمل على نقل كل تلك الاستثمارات إلى تركيا.
وأكد خلدون الموقع، الذي يعد أحد رجال الأعمال السوريين البارزين في مصر، أن الحكومة المصرية الراهنة تجاهلت رجال الأعمال السوريين واستثماراتهم، مما دفعهم إلى الهجرة باتجاه تركيا.
ولفت الموقع إلى أن إجمالي عدد الشركات السورية في مصر كان يقدر بداية 2013 بـ489 شركة باستثمارات تقدر بـ 700 مليون دولار، أغلبها في مجال الصناعات النسيجية، لكن هذا الرقم تراجع بصورة كبيرة حالياً، وما يزال في طور التراجع.
وأشار الموقع إلى أن هجرة العمالة السورية كانت أيضاً سبباً وراء تصفية بعض المصانع السورية في مصر، وضرب مثلاً بـ 36 مصنعاً سورياً متخصصاً في صناعة المنتجات الجلدية، جمّدت نشاطها في مصر بسبب هجرة العمالة السورية - والتي تقدر بـ90% من عمالة المصانع السورية في مصر - إلى دول مجاورة، لصعوبة معيشتهم في مصر، الأمر الذى اضطر أصحاب المصانع بدورهم لإغلاقها.
وبسؤاله عن السبب وراء اختيار تركيا تحديداً للهجرة إليها، قال إن اتجاه السوريين لنقل استثماراتهم إلى تركيا جاء نتيجة التسهيلات والمزايا التى تمنحها تركيا للمستثمرين الأجانب.
وقد ألمح خلدون الموقع في حوار آخر مع موقع الوطن المصري في 20 أيلول / سبتمبرالماضي إلى أن ثلث رؤوس الأموال السورية انتقلت بالفعل إلى تركيا.
وأضاف أن قرار منع دخول السوريين لمصر إلا بموافقة أمنية مسبقة، أربك حركة رأس المال السوري وأضر بالاستثمارات القائمة.
بوابة الشروق المصرية بدورها، نشرت في 10 آب / اغسطس الماضي تقريراً يوضح آثار ونتائج سياسات الحكومة المصرية الراهنة حيال السوريين، ونتائج الحملة الإعلامية ضدهم، على الاستثمارات السورية في مصر، فذكرت مثالاً عن "محمد حبو"، أحد المستثمرين السوريين، الذي كان يخطط لضخ استثمارات في مجال المنسوجات بمصر مع عدد من الشركاء بقيمة 4 مليارات دولار، لكن أجواء التوتر ضد السوريين بعد عزل الرئيس محمد مرسي زادت من مخاطر الاستثمار فى مصر مما دفعه إلى تجميد مشروعه.
وكان هناك مشروع على سبيل المثال لإنشاء مركز تجاري للحرف والمشروعات السورية بقلب القاهرة، تم تجميده بعد التطورات السياسية الأخيرة.
حبو الذي كان يخطط لاستثمارات طويلة الأجل بمصر ستساهم فى تشغيل 10 آلاف عامل بحسب قوله، من المحتمل أن يتجه إلى نقل استثماراته إلى بلد آخر بسبب صعوبة الحصول على التراخيص اللازمة، وكذلك قلقه من إمكانية عدم تيسير إصدار تأشيرة الدخول إلى مصر فى حالة سفره لمهام عمل فى الخارج.
وبسبب مصاعب مشابهة لما يواجهه حبو، يتجه "مهند عدنان"، رئيس مجلس إدارة مجموعة "ذكره" السورية والشركة السورية للأقمشة البلاستيكية" بمنطقة 6 أكتوبر إلى الخروج من السوق المصرية ونقل الآلات إلى مصنع آخر تابع للمجموعة فى تركيا، حيث أكد على نيته سحب استثماراته من مصر نهائيا نتيجة لما وصفه بسوء معاملة الأجهزة الحكومية وتباطؤ الإجراءات.
بطبيعة الحال، ستؤدي المعطيات السابقة إلى إفادة الاقتصاد التركي الذي تعرض لوعكة مالية وتسويقية إثر المخاوف من ترنح الحكومة التركية في مواجهة مظاهرات مناوئة لها في مطلع صيف العام الماضي، إلى جانب التوتر المتفاقم في الجارة الجنوبية، سوريا، الذي يزيد من المخاوف حيال الاقتصاد التركي، بعدما تراجعت عملته، الليرة، بصورة غير مسبوقة خلال الصيف الماضي، وتباطأ الاقتصاد عموماً.
مشكلات ديمغرافية واقتصادية يتسبب بها السوريون في جنوب تركيا
لكن في مقابل ما سبق، يبدو أن تركيا التي تستفيد من هجرة الممتلئين مالياً من السوريين إليها، تتضرر في المقابل من هجرة اللاجئين السوريين من الطبقة الوسطى الدنيا والطبقة الفقيرة، والذين يملؤون مدن الجنوب فيها، داخل المخيمات وخارجها، مسببين أعباء مالية واقتصادية وديمغرافية تهدد حالة التقبّل الشعبي التركي لهم.
وكمثال على ذلك، فقد أصدرت هيئة الوعي العام في كليس، في نهاية الشهر الفائت، تقريراً حول المتغيرات في مدينة كليس، جنوب تركيا، التي أحدثتها حركة نزوح اللاجئين السوريين إلى المدينة، نتيجة الحرب داخل سوريا.
وحسب وكالة الأناضول التركية فقد أعدت الهيئة تقريراً تحت اسم "سوريا في كليس" تناولت فيه الظروف والمشاكل الاقتصادية والثقافية الفردية والاجتماعية التي بدأت تواجهها مدينة كليس، نتيجة تكوّن مجتمع سوري في المدينة.
ولفت التقرير إلى أن العدد الكبير من اللاجئين السوريين المقيمين في كليس، لم يخلّف بيتاً شاغراً، مبيناً أن اللاجئين اضطروا إلى استئجار البيوت المهجورة، التي تركها أصحابها، كما استأجر السوريون أماكن العمل، وأجروا لها بعض الترميمات البسيطة، بغية الإقامة فيها.
وأشار التقرير، إلى أن زيادة الطلب على استئجار البيوت، تسبب في ارتفاع غير مبرر لأجور المنازل، الأمر الذي ألقى بظلاله على محدودي الدخل من أهالي كليس، وموظفي الخدمة المدنية الذين تم تعيينهم للعمل في كليس.
كما تسببت وفرة عدد العاملين من السوريين الذين لا يعملون في بلادهم، والعمال الذين يعملون بالأعمال اليومية، والعمال غير المؤهلين، في ضعف قوة العمالة، إضافةً إلى تدني مستوى أجور العاملين في كليس.
لكن رغم ما سبق، فقد أفاد التقرير أن عزم المواطنين الأتراك ومؤسسات المجتمع المدني التركية، لن يتزعزع في تقديم الدعم المادي والمعنوي، الفردي والجماعي، للمحتاجين من اللاجئين السوريين.
وكانت وزارة الخارجية التركية قد أشارت، كما سبق وأوردنا في التقرير السابق، إلى أن عدد اللاجئين السوريين المنتشرين في تركيا تجاوز بالفعل عدد السكان الأصليين لـ 41 مدينة تركية.
مخاوف من عداوة العلمانيين الأتراك
إلى جانب الإشكاليات الديمغرافية والاقتصادية التي قد تغير من موقف الأتراك حيال اللجوء السوري لديهم، تأتي الإشكالية السياسية المتمثلة في عداء العلمانيين الأتراك للسوريين بصورة عامة، ورفضهم لسياسات رئيس الوزراء التركي وحزبه إسلامي التوجّه، تجاه الحرب الدائرة في سوريا.
ويظهر هذا العداء في مثال وضع السوريين في أزمير، ثالث أكبر المدن التركية بعد اسطنبول وأنقرة، وعاصمة العلمانيين في تركيا، فقد بلغ عدد السوريين في إزمير أكثر من 100 ألف سوري، لذا تقدمت جميعة تركية متضامنة معهم بطلب إلى الجهات التعليمية في إزمير بغية الموافقة على استخدام ثلاث مدارس تركية خارج أوقات الدراسة، لتدريس الأطفال السوريين، لكن وزارة التعليم التركية رفضت الطلب، رغم أن معظم طلبات افتتاح المدارس في معظم المدن التركية الأخرى كانت تُقبل بيسر كبير.
ولا يُخفي الكثير من السوريين مخاوفه من أن يتكرر السيناريو المصري في تركيا، ويقصدون بذلك ما حدث لهم في مصر بعيد الانقلاب العسكري على الرئيس المصري المحسوب على الإسلاميين، حيث تلقوا معاملة سيئة من السلطات الرسمية، وسلبية متعمّدة من قوى وشخصيات علمانية وليبرالية مصرية.
وكانت تركيا قد شهدت مظاهرات كبيرة مطلع الصيف الماضي، قادتها أحزاب علمانية معارضة لرئيس الوزراء التركي وحزبه الإسلامي، لكن هذه المظاهرات باءت بالفشل، وسط التزام الجيش التركي بالحياد، في أجواء تُوحي بنفوذ ملحوظ لحزب العدالة والتنمية على مؤسستي القضاء والجيش، حيث حاكمت الأولى بعضاً من قادة الثانية في قضية متعلقة بانقلاب عسكري سابق في تاريخ تركيا القريب.
تهديدات "داعش" وتفجيري الريحانية...المخاوف من أن ينعكس الخطر الأمني على التقبّل الشعبي
ويمكن أن نختم المشكلات المتعلقة بالوجود السوري في تركيا بالبعد الأمني، إذ نقلت صحيفة "ميلليت" التركية في التاسع من الشهر الفائت معلومات واردة من شعبة الأجانب بمديرية أمن اسطنبول تفيد بأن هناك 100 ألف سوري يتجولون بالمدينة دون حصولهم على تصاريح إقامة، مما أدى إلى زيادة قلق قوات الأمن التي تعتقد باحتمال تورط عدد من اللاجئين في جرائم أو عمليات إرهابية.
ويتزامن ذلك مع تهديدات وجهتها "دولة العراق والشام الإسلامية – داعش"، الفصيل المتطرف من تنظيم القاعدة، الذي يقاتل في سوريا لتأسيس "دولة الخلافة"، إلى تركيا، باستهدافها بتفجيرات في حال لم تعيد فتح معبري باب الهوى وباب السلامة الحدوديين بين تركيا وسوريا، واللذين أغلقتهما السلطات التركية بعيد سيطرة مسلحي "داعش" على منطقة أعزاز بريف حلب الشمالي.
هذه التهديدات الأمنية تثير المخاوف من أن تؤدي، في حال حصلت أية تفجيرات دامية داخل الأراضي التركية، إلى ردة فعل شعبية تركية تلوم السوريين وتحملهم مسؤولية التدهور الأمني في تركيا، باعتبار أن لجوءهم إليها بالإضافة إلى دعم حكومة أردوغان للمعارضة السورية، سبّبا تفاقم التهديدات الأمنية للمجتمع التركي.
وكانت مدينة الريحانية التركية الجنوبية القريبة من الحدود السورية، والتي تضم أعداداً ضخمةً من اللاجئين السوريين، قد تعرضت في أيار / مايو الماضي إلى تفجيرين ضخمين أوديا بحياة 43 مدنياً معظمهم من الأتراك إلى جانب 3 سوريين، اتهمت الحكومة التركية النظام السوري بتدبيرهما، لكن بعيد التفجيرين حصلت أعمال شغب واعتداءات من بعض الشباب التركي استهدفت تجمعات السوريين وبعض ممتلكاتهم بصورة رئيسية، سرعان ما طُوقت، إلا أنها كانت مؤشراً على أن جزءا من الجمهور التركي يحمّل الوجود السوري على أراضيه مسؤولية التهديدات الأمنية التي تخترق مجتمعه.
خاتمة
بالختام، تبقى تركيا اليوم أفضل الخيارات المتاحة للاجئين السوريين بين دول الجوار القريبة منهم، سواء من حيث المعاملة الشعبية والموقف الرسمي للسلطات، أو من حيث جمالية البلد وطعامه ومرافقه التي سرعان ما ينسجم معها السوريون، إلا أن مشكلات عديدة تتهدد تلك المزايا والتسهيلات التي يحظى بها السوريون اليوم في تركيا، ويأمل من يعيش فيها منهم ألا يتكرر المشهد المصري مرة أخرى في تركيا، وأن لا يداهمهم خطر التفجيرات الإرهابية التي يمكن أن تقض مضاجعهم وتهدد أمنهم، وحالة التقبّل الشعبية حيالهم في تركيا.
تركيا "جنّة" السوريين...ما بين الممتلئين مالياً واللاجئين...لماذا؟، وإلى متى؟ (1-2) أردوغان سمى الأتراك بـ"الأنصار" واللاجئين السوريين بـ"المهاجرين" هجرة رؤوس أموال سورية مُعتَبرة من مصر إلى تركيا السوريون يدخلون تركيا دون جوازات...وتسهيلات... المزيد |
التعليق
شكراً تركيا
2013-10-11