الرقة والعيد.. قصف الأسعار مستمر!

يقف محمود (15 عاماً) أمام محل للألبسة في مدينة الرقة، يطيل النظر في واجهة المحل، ثم يمضي، علي يفعل ذلك منذ عشرة أيام مع اقتراب العيد، هو يعلم جيداً أنه لن يشتري شيئاً هذا العيد لكنه يعزي نفسه بزيارة السوق كل يوم.

هذا حال معظم سكان مدينة الرقة بعد ارتفاع الأسعار وتردي الأوضاع المعيشية في المدينة منذ سيطرة المعارضة عليها في 4 آذار/ مارس 2013، حيث تلتها حملة عنيفة من النظام السوري على المدينة قوامها قصف وحصار، أوقفا معظم الأعمال وأخرا رواتب الموظفين أكثر من 5 أشهر متتالية.

"كيلو البطاطا بـ130 ليرة، لتر الزيت بـ500 ولا شغلة ولا مشغلة، شلون بدي طعمي ولادي" هذا ما قاله أبو مازن (45 عاماً) وهو دهان توقف عن مهنته التي لم تعد مطلوبة كما في السابق، حالها كحال كثير من المهن، خصوصاً تلك الأعمال التي تخص الترميم والتزيين، في ظل القصف المتواتر على المدينة.

لأبي مازن 4 أطفال أكبرهم مازن (16 عاماً)، ترك دراسته ليعمل أجيراً في أحد المحلات عله يعيل عائلته بليرات قليلة يومياً.

يقول مازن: "تعبت كثيراً في إيجاد عمل، الأمر أصعب من الدراسة كثيرا، لم أكن أتوقع ذلك!" ويضيف: "إن لم أعمل فلن أجد أنا وعائلتي ما نأكله، أبي لا يعمل منذ شهور وهو كبُرَ على الأعمال المتعبة".

تتزايد الأسعار بزيادة الطلب على السلع مع اقتراب العيد، وهو أمر طبيعي في سوريا، لكن الجديد هذه المرة أن الأسعار هي ضعفي أسعار السنة الماضية لمعظم السلع. التاجر اسماعيل (اسم مستعار ) يعزو هذه الزيادة إلى ما سماها "القفزة الأخيرة للدولار"، حيث وصل الدولار إلى 340 ليرة، الأمر الذي ضاعف أسعار معظم المواد، خصوصاً التموينية، لكن لم تنخفض تلك الأسعار مع انخفاض الدولار الذي يقترب سعره الآن من 175 ليرة.

يقول اسماعيل: "نحن لا شأن لنا، التجار الكبار في المحافظات الأخرى يرفعون سعر المواد علينا، فنضطر إلى رفع سعرها".

لكن كلامه غير دقيق، إذ حتى المواد التي تجلب من تجار محليين عبر بوابة تل أبيض الحدودية مع تركيا يرتفع سعرها بارتفاع الدولار، ثم لا تنخفض بانخفاض الأخير.

ويرى مراقبون أن الدولار سيعاود الارتفاع بعد العيد، حيث يبررون انخفاضه إلى اضطرار الناس لصرف مدخراتهم من الدولار لتغطية نفقات العيد، وهذا ما يتخوف منه كثير من الأهالي في الرقة، فكل زيادة في سعر الدولار تعني أن زيادة في سعر المواد التموينية.

"أنا لا شأن لي بالدولار، لكن هناك تجار يجب قطع رؤوسهم"، يقول أبو مازن وقد بدا عليه الانفعال الشديد عندما ذكر الدولار أمامه.

رغم صعوبة شراء حاجيات العيد، إلا أن الأسواق تكتظ بالمارة وبالبضائع المتنوعة، من المارة من جاء يشبع نظره من بضائع العيد كما هو حال محمود، ومنهم ما جاء يبحث عن ألبسة رخيصة لأطفاله محاولاً أن تدخل فرحة العيد إلى بيته.

أم علي (35 عاماً) وهي أم لثلاثة أطفال تقول -وقد غرقت عيناها بالدموع- "لم أشترِ شيئاً لأولادي في العيد الماضي، تقبلوا الأمر في البداية، لكنهم لم يتحملوا عندما رأوا أولاد الجيران وقد لبسوا الجديد" وتكمل أم علي "لا أريد تكرار هذا الموقف، ولو اضطررت لبيع أثاث المنزل!".

في ظل زيادة أسعار البضائع يزداد تنوعها ويكثر تقليد المنتجات بغية إيجاد نوعيات خفيفة بسعر أرخص من سعر المنتج الأساسي، أم علي وجدت كنزة قطنية بنصف سعر مثيلاتها من الأنواع المعروفة و"المكفولة" على حد قول البائعين.

وقد يكتفي محمود بالنظر من خلال واجهة المحل إلى الألبسة الفخمة، ويمر العيد دون أن يتضايق من لبسه القديم والبالي لكن النظر وحده لا يجلب الدفء له للقاء الشتاء الطارق على الأبواب ببرده القارس، فيما يملك معظم أهالي الرقة ثمن ما يكفي من مادة المازوت التي إن وجدت فإن ثمنها تضاعف 5 مرات عما كان عليه من سنتين.

ترك تعليق

التعليق