موظفو الرقة ورحلة الرعب إلى دير الزور لقبض رواتبهم

"ديري بالك على الولاد يا أم عبدالله" بهذه الكلمات ودع أبو عبدالله وهو معلم في مدرسة للتعليم الأساسي في الرقة زوجته قبل مغادرته إلى دير الزور، أبو عبدالله لم يذهب إلى جبهات القتال هناك، وليس بمهمة سرية، وإنما هو ذاهب ليستلم راتبه من دير الزور، الأمر الذي يبدو للوهلة الأولى طبيعياً، ولكن إذا ما قورن بمستوى الخطر الذي طال كثيرا ً ممن ذهب إلى دير الزور ليقبض راتبه ، وأوقف على أحد الحواجز واختفى يومها، يظهر مدى حجم المخاطرة التي يقوم بها أبو عبدالله وهو أحد ناشطي المدينة والمعروفين فيها، يقول أبو عبدالله "ليس باليد حيلة، إما أن أذهب لأقبض راتبي، أو أموت أنا وأطفالي جوعاً".

لم يستلم موظفو الرقة الرواتب لخمسة أشهر متتالية، وذلك بعد سيطرة الثوارعلى المدينة في 4 آذار/ مارس 2013، إلا أن النظام نقل تسليم رواتب الموظفين في شهر أيلول/ سبتمبر إلى دير الزور بتنسيق بين محاسبي الرقة ونظرائهم من الدير، ما وضع كثير ا ً من الموظفين وخاصة ممن له قريب في إحدى الكتائب المسلحة في الجيش الحر موضع الخطر، ففي الشهرين الماضيين توقف ما يزيد عن 30 موظف من الرقة على حاجز "عياش" في دير الزور، لأسباب أمنية، خرج معظمهم فيما بقي آخرون.

الحواجز الأمنية هي أحد الأمور التي قد يتعرض لها الموظف في رحلة سفره لاستلام الراتب، فيوجد أيضاً ما هو أخطر وهو الفروع الأمنية في الداخل، فبعض الموظفين عندما يصلون للمحاسب يفاجؤون بأن الحصول على الراتب يتطلب موافقة أمنية، "الخيار هنا صعب، إما المخاطرة أو أعود بلا راتب إلى عائلتي المحتاجة، والله المعين" يقول عمار وهو موظف من الرقة ذهب إلى دير الزور ليستلم راتبه وتفاجأ أنه يحتاج لموافقة أمنية، عاد عمار أدراجه صفر اليدين، لكنه حفظ نفسه كي لا تخسر العائلة الراتب والمعيل بآن واحد .

كحال عمار كثيرٌ من الموظفين مطلوبون لمراجعة أحد الفروع الأمنية، فاختصروا رحلة السفر إلى دير الزور ، وآثروا البقاء في الرقة ، وحاولوا الحصول على الراتب عن طريق وسطاء ومحاسبين بمقابل مادي، فنجح بعضهم في حين لم ينجح آخرون.

البعض من الموظفين ليسوا مطلوبين لأي فرع أمني ، لكن عملوا في الرقة -بعد التحرير- بنشاطات مختلفة ، وانضموا إلى كتائب الثوار أو إلى التجمعات المدنية والمراكز الإعلامية، الأمر الذي يجعل رحلتهم عبر حواجز النظام انتحاراً.

أحمد هو أحد ناشطي الرقة ومدرس لغة عربية لم يستلم راتبه منذ 8 شهور متتالية، يقول : "وعدني رفاقي أنهم سيحاولون تحصيل الراتب، لكني أنتظر ذلك منذ شهرين" ويضيف "لست مطلوباً للأمن لكن الاحتياط واجب".

ما يدعو للتفاؤل هو مبادرة "المجلس المحلي لمدينة الرقة وريف المركز" بعمله على رفع دراسة للموظفين المفصولين من العمل بسبب مشاركتهم بالثورة ،من أجل تعويضهم بعض ما فقدوه.

يقول محمد المصارع -مدير المكتب الشؤون الاجتماعية والإغاثة في المجلس المحلي للمدينة-:"لقد أغفل الكثيرون تلك الفئة التي خسرت عملها وقوت يومها إيماناً منها بمبادئ الثورة وأهدافها،لذلك كان لابد من السعي لتامين رواتب لهم ليعرف العالمأن الثورة لا تنسى من ضحى من اجلها ، وأن في الثورة عدالة ولو أنها جزئية حتى هذه اللحظة ، لكنها ستكون عامة في المستقبل".

كثير من قطاعات الدولة في الرقة لا يعمل معظم موظفيها منذ تحرير المدينة على الرغم من استمرارهم بقبض رواتبهم، كالمصارف التي لا يعمل موظفوها نهائياً، و"الشركة العامة للمشاريع المائية" (ساريكو) التي اقتصر الدوام فيها على رؤساء المكاتب، وقطاع التربية الذي فيه "نسبة غيابات كثيرة" بحسب ما أفادت مديرية التربية الحرة وغيرها من المؤسسات.

في المقابل يعمل بعض الموظفين المفصولين من عملهم ، ومن لم يستطع استلام راتبه لسبب أو آخر في عملهم القديم أو متطوعون في أعمال أخرى كـ"منى فريج" التي استمرت في التدريس حتى بعد صدور قرار فصل بحقها بسبب عملها في مجال الإغاثة وفي الحراك السلمي ضد نظام الأسد، تقول منى: "لمَ أترك التدريس؟ ليس كل ما في الأمر هو الراتب، إني أنظر للأمر كما أتمنى لو كان عندي أطفال ولا أريد أن لا يُحرموا من التعليم بسبب ترك المعلمين للتدريس".

عاد أبو عبدالله من دير الزور سالماً معافى، واستقبلته عائلته بكثير من التفاؤل والسرور بعودة معيل الأسرة ، ومعه ما يسد الرمق ويسدد الدين، لكن وإن نجى هذه المرة من حواجز النظام فالراتب القادم يحتاج لسفرٍ إلى دير الزور أيضاً والخطر لازال موجوداً.

ترك تعليق

التعليق