صائب نحاس...أحد خفايا المال والسياسة في "سوريا الأسد"
- بواسطة خاص - اقتصاد --
- 08 كانون الثاني 2014 --
- 0 تعليقات
تمثل مجموعةُ نحاس ما يزيد على 30 شركة من أوروبا والشرق الأدنى والدول العربية وأمريكا.
كان لـ صائب دور دبلوماسي بارز، غير معلن، يتعلّق بمساعيه لإعادة العلاقات مع واشنطن.
وصفت "معاريف" النحاس بأنه رجل أعمال سوري يضع علاقاته وخبراته في خدمة المخابرات السورية.
مؤسسة حكومية تدخل صفقة خاسرة كُرمى لعيونه.
لم يُخفِ يوماً، سليل العائلة الشيعية الدمشقية، رغبته في أن يلعب دوراً سياسياً في واقع بلاده ومستقبلها، قبل أن تداهم ثورة السوريين المُفاجئة أحلامه، وأحلام الكثيرين ممن رسموا واقعهم ومستقبلهم بـ "بيكار" نظام الأسد، وأداروا حيواتهم ومصالحهم وفقاً لزواياه وخفايا عالم أسراره.
صائب نحاس، بثروته التي تتجاوز نصف مليار دولار أمريكي، حسب معظم التقديرات، بعلاقاته التجارية العميقة مع العراق، وعلاقاته الدينية والسياسية المتجذرة مع إيران، وبمصالحه المتشابكة مع عدد كبير من دول الغرب وأمريكا اللاتينية وآسيا الوسطى، يحاول اليوم قدر المستطاع الابتعاد عن الأضواء، إلا أن الأخيرة، رغماً عن إرادته هذه المرة، تأبى إلا أن تتسلط عليه، لكن بمردودٍ سلبيٍّ، ليس آخره على ما يبدو، اتهامات النظام له، بصورة غير مباشرة، بالتهرب من تسديد التزاماته المصرفية داخل سوريا.
هل كان صائب نحاس يعتزم القفز من سفينة النظام التي تُبشّر بالغرق؟...لا أحد يستطيع أن يجزم بذلك، فاتهامات النظام له بالتهرب من الالتزامات المصرفية، عبر وسيلة إعلامية غير رسمية، تُعتبر رسالة أكثر منها عُقوبة. خاصةً أن على الرجل شُبهات عديدة مرتبطة بدوره في تقديم الدعم اللوجستي لنشاط إيران وشيعتها "التشبيحي" في منطقة الست زينت قرب دمشق، حيث للرجل فندق بارز، وشركات سياحية عدّة.
سليل الجدّ والأب
يرجع ارتباط صائب نحاس بعالم المال والأعمال إلى جدّه لوالده، رضا نحاس، الذي طفا على سطح عالم البورجوازية الدمشقية منذ بدايات القرن الماضي، ليخلفه ابنه شفيق النحاس، والد صائب، قبل أن تنتقل قيادة المجموعة الاقتصادية لآل نحاس إلى صائب الابن، ذي السبعة عشر عاماً في عام 1953.
ما بين العراق وألمانيا، متّن صائب مكانة مجموعته الاقتصادية، فأصبحت شركات مجموعته، في مطلع التسعينات، بدءاً بالفنادق، انتهاء بمعامل الأدوية، من أكبر الموردين للعراق.
وتشمل أعمال مجموعة نحاس اليوم كل قطاعات الاقتصاد الخدمية والصناعية، وتتواجد شركاته في كل من سوريا ولبنان والإمارات العربية المتحدة والسودان والأردن والعراق، كما تمثل المجموعةُ ما يزيد على 30 شركة من أوروبا والشرق الأدنى والدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية.
الطموح السياسي واعتراض الأب
أبدى رغبته في دخول معترك السياسة في سوريا منذ عقود أمام والده، لكن الأخير لم يوافقه على ذلك، محذراً إياه من الخروج عن سياسة العائلة تاريخياً، والتي تقوم على حصر نشاطاتهم بالصناعة والتجارة، وقد أقرّ صائب لوالده بصوابية تحذيره، لكن على أرض الواقع، تجاوزت علاقاته صائب نحاس بالمتنفذين سياسياً وأمنياً وعسكرياً، داخل سوريا، وخارجها، حدود الضروري لإتمام صفقاته التجارية، وتعدّت ذلك لتعبّر عن طموحه القديم في أن يضيف صفة السياسي إلى صفات رجل الأعمال المُلحقة به.
ونظراً لتشعبات علاقاته التجارية والسياسية في آن، أصبح صائب النحاس منذ مطلع الثمانينات قنصلاً فخرياً لعدد من الدول في سوريا، منها "السنغال والمكسيك وكازاخستان". لكن هذا الحيز كان هو الظاهر فقط من جبل جليد نشاطاته السياسية.
صائب...ما بين الأسد الأب وموسى الصدر
تعرّف صائب النحاس إلى حافظ الأسد، بصورة شخصية، في العام 1972، وكان الوسيط، ابن خالة صائب، مدير الكلية الجوية بحلب حينها، نجاح حرفوش.
صائب نال مكانةً عند الأسد الأب، الذي طلب منه دخول معترك غرفة التجارة إلى جوار والد راتب الشلاح، وهو ما حدث.
لكن الملفت في هذه العلاقة في أنها كان متعدية إلى طرف ثالث، هو موسى الصدر، أحد أبرز المراجع الشيعية في جنوب لبنان في عقد السبعينات، حيث كان صائب النحاس، حسب تصريحات شخصية له، على علاقة مميزة بالرجل، وكان يزوره في منزله بالحازمية ببيروت أسبوعياً، كما قام شخصياً بنقله من لبنان إلى سوريا أثناء الحرب الأهلية اللبنانية.
وكان صائب قد نقل إلى موسى الصدر تحذيراً من حافظ الأسد، على لسان عبد الحليم خدام، وزير الخارجية آنذاك، بعدم السفر إلى ليبيا، في عهد معمر القذافي، بعدما دُعي إلى هناك لحضور احتفالات "الفاتح من أيلول"، لكن الصدر أصرّ على الذهاب، ولم يعد بعدها.
مهام دبلوماسية، علنية وسريّة
وكان لصائب نحاس مهام دبلوماسية بارزة، علنية في بعضها، وسرية في بعضها الآخر، أبرزها دوره في إعادة العلاقات مع إيران في السبعينات، وكذلك مع ألمانيا الاتحادية، لكن أبرز مهامه التي ظهرت للعلن، دوره في فتح قنوات تواصل مع العاصمة الفرنسية في ذروة التوتر السياسي بين دمشق وباريس بعيد مقتل رفيق الحريري، رئيس وزراء لبنان، في العام 2005، وصولاً إلى إعادة العلاقات بين البلدين بصورة طبيعية، في عهد نيكولا ساركوزي، الذي قلّد صائب النحاس وسام جوقة الشرف من رتبة فارس على دوره في تطوير العلاقات السورية –الفرنسية.
وكذلك كان لصائب دور دبلوماسي بارز، غير معلن، يتعلّق بمساعيه لإعادة العلاقات مع واشنطن، في أوقات التوتر بين دمشق والعاصمة الأمريكية بعيد اغتيال الحريري وحرب تموز 2006. وهو دورٌ كشفت عن ملابساته بعض الوثائق المسربة من ويكليكس، والتي ترجمت الزميلة "زمان الوصل" أحدها، والمؤرخة بتاريخ 6 نيسان أبريل 2009، حيث التقى مسؤولون من السفارة الأمريكية بدمشق مع صائب النحاس، وابنه صبيح، في مسعى من الأول لتقريب وجهات النظر بين الأمريكيين والنظام السوري.
الوثيقة الأمريكية السرية التي تحدثت عن رجل الأعمال "الشيعي" البارز، اعتبرته محاوراً سياسياً يمثّل نظام الأسد، ونقلت عن صائب النحاس إدعائه أنه أحد أعضاء "رباعية" سورية تجتمع بانتظام لمناقشة الشؤون الدولية، تضم وليد المعلم، وزير الخارجية، ومحمد ناصيف خيربك، معاون نائب الرئيس للشؤون الأمنية، وآصف شوكت، رئيس الاستخبارات العسكرية.
وادعى نحاس، الذي أكد قدرته على التأثير في صنع القرار الرسمي السوري، أن أعضاء "الرباعية" الثلاثة، المعلم وناصيف وشوكت، كلهم ميالون لعلاقات مميزة مع أمريكا. وتحدث عن دوره في إزاحة السفير السوري في واشنطن، عماد مصطفى، من موقعه، بعد أن أثار استياء الأمريكيين لرفضه إصدار تأشيرات لـ 7 ضباط أمن أمريكيين للتحقيق في الهجوم الذي تعرضت له السفارة الأمريكية في العام 2006، وأنه، أي نحاس، كان السبب في الضغط على مصطفى وإجباره على إصدار التاشيرات لاحقاً.
شُبهات في "السيدة زينب"
بطبيعة الحال، من غير المستغرب أن ينسج صائب نحاس، في بلدٍ تحكمه العلاقات والمحسوبية، لا القانون، كل هذا الكمّ من العلاقات المتينة مع مسؤولي سوريا الرسميين، والنافذين غير المعلنيين من الأجهزة الأمنية.
بل ربما، لا يمكن أن نعيب عليه علاقاته المتينة برموز وأيقونات نظام الأسد، قبل الثورة، ناهيك عن طموحه السياسي، الذي يداهم عادة، العديد من رجال الأعمال في المنطقة والعالم.
لكن السؤال الوحيد الذي تحكم إجابته الموقف من صائب نحاس، هل الرجل ما يزال يدعم نظام الأسد حتى اليوم؟
منذ بدء الثورة حامت الكثير من الشُبهات حول دور رجل الأعمال، شيعي المذهب، "إيراني – عراقي" الهوى، حول أدوار مالية ولوجستية لدعم نظام الأسد، ربما من أبرزها ما أُشيع عن استخدام فندقه ووكالاته السياحية في الست زينت قرب دمشق لصالح الميليشيات الشيعية القادمة من العراق وإيران.
فقبل أن ترفع إيران، وبجانبها حزب الله وحلفائهما من الفصائل الشيعية العراقية، برقع الحياء عن وجوههم، ويكشفوا علانيةً عن نشاطهم التشبيحي إلى جوار الأسد، كانت منطقة "الست زينت" والنشاط السياحي –الديني– الشيعي إليها، هو أبرز الأغطية المستخدمة لتبرير قدوم المزيد من الوافدين الشيعة إلى بلدٍ مشتعلٍ بجمر الحرب، ومن ثم تطورت الذريعة لتصبح الدفاع عن مرقد السيدة زينت في جنوب دمشق.
وكانت ناحية "السيدة زينب" تشتمل على العديد من الفنادق ووكالات السفريات التي تسمح لإيران بتحريك عناصرها تحت غطاء السياحة الدينية. وسبق لإيران أن استخدمت نظام السياحة الدينية الشيعي لتسهيل تحركات عناصر "الحرس الثوري" وعناصر المخابرات في سوريا.
وفي هذا السياق، كان فندق "السفير –دمشق" أبرز فنادق السيدة زينب، والذي يملكه صائب نحاس، حجر زاوية في الدعم اللوجستي لقدوم وافدين شيعة إيرانيين وعراقيين إلى جنوب العاصمة دمشق. ومن بين شركات النحاس في السيدة زينب أيضاً، هنالك "شركة السيدة زينب لليسفر والزيارات" و"شركة نحاس للسفر والسياحة".
بطبيعة الحال، يندرج ذلك في سياق الشُبهات غير المؤكدة بعد، ذلك أن "مجموعة هولدينغ نحاس" التي كانت قد أدرجت اسم "إيران إير" ضمن "حلفائها الإستراتيجيين"، قامت منذ أشهر بحذف اسم شركة الطيران الإيرانية الرسمية من موقع المجموعة على الإنترنيت. كما كان الموقع يشتمل على صور لعلاقات صائب نحاس مع عدد من المسؤولين الدوليين، وبينهم محمود أحمدي نجاد. ولكن "مجموعة نحاس" قامت مؤخراً بإزالة صورة صائب نحاس مع أحمدي نجاد.
فهل يعني ذلك أن صائب النحاس يحاول التبرؤ من علاقته السابقة مع الأسد وإيران؟
النحاس والغطاء لـ "بيولوجي" سوريا
في تشرين الأول أكتوبر الفائت، وبُعيد انقشاع ضباب أزمة "الكيماوي السوري"، نشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية تقريراً تحدثت فيه عن ترسانة السلاح البيولوجي السوري، وبعيداً عن تفاصيل التقرير الطويل، كان الملفت أن الصحيفة العبرية تحدثت عن صائب النحاس، باعتباره يقف وراء معظم الاستثمارات في صناعة المستحضرات الدوائية والصيدلانية التي تشكّل أساس صناعة الأسلحة البيولوجية في سوريا، حسب الصحيفة.
ووصفت "معاريف" انحاس بأنه رجل أعمال سوري يحتفظ بعلاقات تجارية واسعة في العراق والعالم، ويضع علاقاته وخبراته في خدمة المخابرات السورية، وهو ما يُعيد إلى الذاكرة المذكرة التي كان قد رفعها رئيس المجلس الوطني السوري السابق، جورج صبرة، إلى الخارجية الأمريكية العام الماضي، والتي طالب فيها بوضع اسم وأنشطة صائب نحاس على قائمة العقوبات والمراقبة باعتباره أحد داعمي الأسد البارزين في تصنيع وإنتاج السلاح الكيميائي.
مؤسسة حكومية تخسر كُرمى لعيونه
ما سبق يُوحي بأن صائب نحاس ما يزال أحد أركان عالم الأعمال الداعم للأسد بقوة، لكن الحديث في وسائل إعلام موالية للنظام، عن تهرب نحاس عن تسديد قرض يقدر بـ 512 مليون ليرة من بنك سورية والأردن، يُوحي بأمرٍ آخرٍ.
وكانت وسائل إعلام سورية أخرى، تحدثت منذ عام تقريباً عن أن صائب نحاس بدأ يُصفي أعماله في سوريا، وأنه أغلق معظم شركات السياحة الخاصة به في دمشق وأشهر إفلاسه ليتهرب من تعويضات الموظفين لديه.
ومنذ عام تقريباً باع صائب حصته في منتجع مشتى الحلو بسعرٍ عُدّ مرتفعاً حينها، وفقاً لأوضاع السوق العقارية والسياحية في البلاد، وقدرت حصته حينها بـ 750 مليون ليرة، لكن الغرابة تنجلي إن عرفنا أن مؤسسة التأمينات الاجتماعية هي من اشترى حصة النحاس، بمبلغ يفوق قيمتها السوقية الحقيقية، بأمر من المجلس الأعلى للسياحة، الأمر الذي تعرض للنقد حتى من وسائل إعلام موالية للنظام.
خاتمة...خفايا لم تُكشف بعد
المعلومة الأخيرة تُفيد بأن النحاس كان حتى عامٍ فقط يحظى بدعم نظام الأسد وحكومته، بدلالة توجيه مؤسسة حكومية للدخول في صفقة خاسرة كُرمى لعيونه، فما الذي استجد اليوم؟
هل كانت الرسالة الأخيرة ابتزازا ماليا لرجل أعمال استفاد من علاقته مع أركان النظام لتحقيق مرابح مالية كبيرة في بلدٍ تحكمه العلاقات والمحسوبية؟
تصعب الإجابة على ذلك الآن، خاصة أن صائب النحاس يأخذ مسافة من نظام الأسد وإيران في العلن، وفي هذا السياق يقول مطلعون إن صائب نحاس عرف مجده في عهد حافظ الأسد، فلما جاء بشار ألحقه بمصالح رامي مخلوف، لذا كلف صائب ابنه محمد كي يكون على صلة دائمة مع رامي.
وبعد أن كان اهتمام صائب نحاس في مجالات بناء المصانع وتوفير معدات كهربائية ووكالة السيارات دخل إلى المجال السياحي ثم بات واحداً من رجال النظام الماليين –بل شريكاً في تشكيل محفظة عائلة الأسد المالية.
ويبقى أن الأيام القادمة كفيلة بالكشف عن خفايا وخبايا العلاقات المتداخلة بين عالم المال والأعمال السوري، وبين نظام الأسد، ومن بين ذلك، علاقات صائب النحاس وعائلته بآل الأسد وأقربائه. وهكذا يثبت يوماً تلو الآخر أن ثورة السوريين كانت كاشفة للكثير من الخفايا والخبايا في عالم يكتنفه الكثير من الأسرار، ويعمل رواده في السرّ أكثر بكثير مما يعملون في العلن.
التعليق