حكاية سلب الجولان والسيطرة على ثرواته..

تعتبر هضبة الجولان إلى جانب جبل الشيخ وبحيرة طبرية أكبر تجمع مائي في المنطقة العربية، إذ تمتاز بمخزون قدره 4 مليارات متر مكعب من الماء. ولا تكمن أهمية هضبة الجولان في ما تملكه من مصادر مائية وحسب، بل لارتفاع هذه الهضبة عن سطح البحر، وموقعها بين سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، مما جعل لها أهمية خاصة في السيطرة والإشراف على الأراضي الممتدة لمسافات واسعة في هذه المناطق والسيطرة والإشراف أيضاً على مصادرها المائية ومنابع الأنهار ومجاريها. لهذا، وإلى جانب موقعها الاستراتيجي، فقد كانت الهضبة السورية هذه محط أطماع الحركة الصهيونية منذ ولدت، وقد عرض بعض قادتها على السلطات العثمانية أواخر القرن التاسع عشر أن تسمح لهم باستثمار واستئجار مرتفعات الجولان لمدة خمسين عاماً. أما "رمز المقاومة والممانعة" فمنحها على عجل دون مقابل بعد عشرات السنين.

حول الأهمية الاستراتيجية والحيوية للجولان على الصعيدين الجغرافي والسياسي بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط يقول المهندس ماجد قرة المهتم بدراسات الجيوبولتيك ومصادر المياه في الوطن العربي لـ "اقتصاد": 
- تعتبر هضبة الجولان من أهم المناطق العربية التي تسيطر عليها “إسرائيل” ليس فقط بسبب موقعها العسكري الاستراتيجي فحسب، بل أيضا بسبب أهمية هذه المرتفعات للسيطرة على مصادر المياه الأساسية في لبنان وفلسطين وسوريا والأردن، وبنظرة سريعة إلى الخريطة، يبدو بوضوح كيف أن هضبة الجولان تسيطر على مصادر مائية مهمة في المنطقة. بالإضافة إلى ما تملكه من ثروة مائية، جعلت لموقعها أهمية خاصة في تاريخ الصراع العربي “الإسرائيلي”. 

وهذا يفسر الاهتمام الكبير الذي أولته السلطات “الاسرائيلية” لهذه الهضبة من خلال تنفيذ الكثير من المشاريع الاستيطانية والزراعية والمائية المختلفة داخل الهضبة وفي محيطها، وكلفت الحكومة بعض المؤسسات المهتمة بشؤون المياه إجراء مسح شامل للثروة المائية فيها ووضع دراسات وافية وشاملة للاستفادة منها. ومن هنا كانت القيادة “الاسرائيلية” تقدم الاغراءات المالية، وغيرها من الأساليب لتشجيع المهاجرين اليهود للسكن والاستيطان في الهضبة. 

وتعتبر هضبة الجولان من الناحية الجيولوجية هضبة بركانية وعرة تفترشها المواد الحطامية النارية البازلتية، تنحدر من ارتفاع 1200 متر من الشمال إلى ارتفاع 200 فوق سطح البحر في منطقة الحمة وتميل نحو الغرب ميلاً واضحاً بمتوسط مدى انحداري يبلغ 12،5% الأمر الذي يحرم الهضبة من التصريف السطحي للمياه التي تنحدر نحو الوديان، ليصبح الغور الفلسطيني في طبريا والحولة، ووادي الأردن مصرف المياه وبالوعة الهضبة، وتشرف في جانبها الغربي على غور الأردن بحافة مرتفعة شبه قائمة، ويزداد ارتفاعها كلما اتجهنا جنوبا حتى تصل إلى 300 م وسطيا، وكذلك الحافات المرتفعة المشرفة على نهر اليرموك جنوبا، كما يحتوي الجولان على مجموعة من التلال المتقاربة، والتي بدورها تشكل معالم تضاريسية غنية، تمد الجولان بكميات أكبر من المطر، والسيول وذلك بسبب ارتفاعاتها، وأهم هذه التلال تل الأحمر 1187 م عن سطح البحر، تل عريم 1035 م، تل الشيخة 1211 م، تل بير عجم 1158م، تل أبو خنزير 1977 م إضافة إلى تلال أخرى متفرقة مثل تل أبو الندى، وتل الفرس، ويتمتع الجولان الذي تعادل مساحته 1% من مساحة سوريا الإجمالية بمردود مائي يعادل 3% من المياه التي تسقط فوق سوريا و14% من المخزون المائي السوري.

الثروة المائية
وعن مصادر المياه في الجولان وأهميتها الحيوية يضيف المهندس ماجد قرة: 
-رغم أن بعض المصادر تنفي وجود ثروة مائية مهمة في هضبة الجولان، إلاّ أن مصادر حكومية وغير حكومية، سورية و”إسرائيلية”، تؤكد وجود هذه الثروة. وفي هذا السياق تؤكد شركة المياه “الإسرائيلية” “مكورث” أن “إسرائيل” تحصل حاليا على ثلث استهلاكها من مياه الشرب والري والاستعمالات المختلفة الأخرى من مياه الجولان وجبل الشيخ، وقُدرت كمية المياه الموجودة في الجولان بحوالي 20 مليون م3، وتبلغ كمية المياه التي تختزنها هضبة الجولان حوالي 1،2 مليار م3، وهي على الشكل التالي: 
الأمطار حيث تمتاز هضبة الجولان بغزارة أمطارها خاصة في فصل الشتاء، وتتزايد هذه الأمطار مع تزايد ارتفاع الهضبة باتجاه الشرق والشمال بسبب تضاريسها وامتدادها المعترض للرياح الغربية الممطرة بغزارة 
منطقة القنيطرة كمية الأمطار 800 1000مم، الارتفاع 941م 
منطقة الخشنية، كمية الأمطار 600 800 مم، الارتفاع 760 م 
منطقة فيق، كمية الأمطار 330 450 مم، الارتفاع 330 م 
أما المصدر الثاني لمياه الجولان فهي الينابيع وبسبب غزارة الأمطار في الجولان والتركيب الجيولوجي لتربتها، فإن ذلك يساعد على تخزين المياه في جوف الأرض، ولهذا أيضاً فإن هضبة الجولان غنية بالمياه الجوفية والينابيع والآبار التي تتجه لتشكل روافد أساسية لنهر الأردن وبحيرة طبرية وبحيرة مسعدة وقد بلغ المنتوج الإجمالي لآبار المياه في هضبة الجولان حوالي 12،5 مليون متر م3، توزع على ثلاث شبكات في المنطقة الشمالية والمنطقة الوسطى والجنوبية.

وهناك مصدر ثالث للمياه في الجولان وهو الأنهار حيث يعتبر نهرا اليرموك وبانياس ووادي الرقاد مصادر مائية مهمة لهضبة الجولان ومحيطها لما تحمله من كمية مياه تروي هذه المناطق وتغذي نهر الأردن بكمية كبيرة من المياه ويمر نهر اليرموك في الأراضي السورية ومن ثم يمر بالأراضي الأردنية مشكلاً الحدود السورية الأردنية طبيعياً ويبلغ طول مجراه 130 كم منها 47 كم في سوريا ويلتقي مع نهر الأردن على بعد 6 كم جنوب بحيرة طبرية بالقرب من جسر المجامع ويصل معدل تصريفه في العام إلى 475 مم3 وقد وقعت حكومتا الجمهورية العربية السورية والمملكة الأردنية الهاشمية اتفاقية مشتركة لإقامة سد الوحدة في موقع المقارن عام 1987.

وحول المخططات الصهيونية للاستيلاء على ثروات العرب المائية ومن ضمنها مياه الجولان يردف المهندس قرة قائلاً: 
- احتلت مسألة المياه أهمية كبيرة في فكر الحركة الصهيونية فقد ذكر مؤسس الحركة الصهيونية "تيودر هيرتزل" في روايته "الأرض الجديدة الأرض القديمة" أن وجود “إسرائيل” متوقف على وجود الموارد المائية وإن المؤسسين الحقيقيين للأرض الجديدة القديمة هم مهندسو المياه وإن إنشاء ما يُعرف ب”إسرائيل” يحتاج إلى خطط مائية توفر الكميات اللازمة للزراعة والصناعة ومياه الشرب، لذا وضع مخططو الدولة أنهار الأردن واليرموك والليطاني ومن ثم نهري النيل والفرات نصب أعينهم. وفي عام 1873 أوفدت الجمعية العلمية البريطانية لجنة لتقصي موارد فلسطين الطبيعية ومنها المائية من أجل التخطيط للاستيطان، وتمشيا مع ذلك أقيمت مستعمرة (روشبينا) في الجليل الأعلى عام 1878 ثم مستعمرة (زبيدة) ثم مستعمرة (مشمار هايرون) بالقرب من الحدود السورية وجاءت اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 بمقترحات لا تلبي مطامع الصهيونية وفي 2 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1917 صدر وعد بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين وعلى إثر ذلك في عام 1918 سارعت الحركة الصهيونية من خلال لجنتها الاستشارية للمطالبة بحدود تتضمن منابع أنهار اليرموك والأردن والليطاني وطالبت الحركة الصهيونية في 30 فبراير/شباط عام 1919 مؤتمر الصلح المنعقد في باريس بحدود فلسطين الشمالية ونصت المذكرة على أن جبل الشيخ هو (أبو المياه) الحقيقي لفلسطين ولا يمكن فصله عنها دون توجيه ضربة قاصمة إلى جذور حياتها الاقتصادية بالذات. وفي عام 1921 قال هوراس ماير كالف “إن مستقبل فلسطين بأكمله هو بين يدي الدولة التي تبسط سيطرتها على الليطاني واليرموك ومنابع الأردن”، وتحت تأثير الحركة الصهيونية تم في 3/2/1922 توقيع جديد ضُمت بموجبه أراضٍ جديدة غنية بالمياه وفي عام 1924حصل الصهيوني (بنحاس روتنبرغ) على امتياز حق استخدام مياه نهري الأردن واليرموك في نقطة تلاقيهما في جسر المجامع الأردني لمدة سبعين عاماً لتوليد الكهرباء، وتوزيع الطاقة الكهربائية داخل فلسطين ولواء عجلون الأردني الذي لا يجوز له أن يستنير إلا من المشروع نفسه، وقد أقام سداً على نهر اليرموك قرب جسر المجامع لتشغيل ثلاث عنفات، وفي عام 1934 حصلت شركة يهودية على امتياز تجفيف بحيرة الحولة الذي تم بواسطة شق قنوات لتصريف المياه وجرها إلى بحيرة طبريا وقد وفر المشروع 100م3 من المياه سنويا وتم من خلاله استصلاح أراض زراعية وبناء المستوطنات، كما تم طرد العديد من السكان العرب، وفي عام 1939 استقدمت الوكالة اليهودية الخبير الأمريكي (ولتر كلاي لودرميلك) الذي قدم تصوراته في كتابه (فلسطين أرض الميعاد) عام 1944 وأهم ما جاء فيه:
1- الاستيلاء على مياه نهر الأردن وتحويله من حوضه الطبيعي إلى المنطقة الساحلية في فلسطين ومن ثم إلى النقب.
2- الاستيلاء على مياه الليطاني وتحويلها إلى بحيرة صناعية في سهل البطوف حيث تُسحب إلى أرض النقب أيضاً.
3- فتح قناة بين البحر الأبيض والبحر الميت.
4- تجفيف بحيرة الحولة.
وهذا المشروع بحسب لودرميلك سيوفر المزارع والمصانع والأمن لما لا يقل عن أربعة ملايين لاجىء يهودي من أوروبا.

سلعة شحيحة
لم تبق تصورات “لودرميلك”– كما هي مشاريع وتصورات العرب حبراً على ورق بل وضعت موضع التنفيذ كما يقول المهندس قرة مضيفاً: بعد إعلان دولة “اسرائيل” في عام 1948 وضعت هذه التصورات الخطيرة موضع التنفيذ من خلال ما سُمي مشروع (هايز) حيث بدأ الكيان الصهيوني بتنفيذ مشروعاته المائية معتمداً على نهب قسم كبير من المياه من سوريا ولبنان والأردن بالإضافة إلى فلسطين طبعاً فوضعت أولا خطة السنوات السبع ثم عدلتها إلى خطة السنوات العشر وقد بدأت فعلاً منذ عام 1953 بتجفيف بحيرة الحولة وذلك ضمن المنطقة المجردة وانشاء قناة طبرية وبيسان وتخزين قسم من نهر اليرموك في بحيرة طبرية.

ترك تعليق

التعليق