تراجع سعر الصرف وارتفاع نسبة التضخم يحوّل معركة العيش إلى "نكون أو لا نكون"

تزداد الفجوة بين الدخل والإنفاق في سوريا، مقروناً بتراجع سعر صرف الليرة السورية مقابل العملات الرئيسية بحيث لم يعد بمقدور المواطن السوري تأمين الحد الأدنى من متطلبات المعيشة في ظل تراجع القوة الشرائية لليرة، ونسبة التضخم القياسية، بموازاة فجوةٍ قائمة مسبقاً بين الرواتب والأجور وتكاليف الحياة اليومية.

وفي الوقت الذي يؤكد وزراء حكومة الأسد على استقرار الأوضاع الاقتصادية، يعاني المواطن في تأمين أبسط متطلبات الحياة وهي الغذاء، سواء في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، أو تلك الخارجة عن سيطرته حيث يموت الناس جوعاً بفعل الحصار.
قبل انطلاق الثورة أصدر المكتب المركزي للإحصاء، النتائج الأولية لمسح نفقات ودخل الأسر السورية، للعام 2009، الذي بيّن من خلاله، أن إنفاق الأسرة السورية يقارب 30 ألف ليرة سورية، في حين أن متوسط الرواتب والأجور لم يتجاوز 11 ألف ليرة، ومن البديهي ملاحظة أن متوسط إنفاق الأسرة في سوريا لا يتناسب مع متوسط الدخول، حيث يبلغ متوسط الإنفاق أكثر من ضعف متوسط الدخل، ووفقاً لتثقيلات سلة المستهلك التي تعتبر قديمة ولا تحمل تثقيلات حقيقية، فكانت نسبة 42 % من استهلاك المواطن السوري للغذاء.

الإشارة لبيانات النظام الرسمية، تأتي لتوضيح الخلل الهيكلي القائم في الاقتصاد السوري، وواقع المعيشة بالنسبة للمواطن، ليكون الحال أكثر سوءاً في ظل تراجع القيمة الحقيقية لليرة السورية، حتى وإن حاولت السلطة النقدية تحسين سعر الصرف، لكن واقع الأسواق خير دليلٍ على القيمة الحقيقية للعملة وهنا يشير خبير اقتصادي، فضل عدم ذكر اسمه- إلى أن أسعار السلع تضاعفت منذ ثلاث سنوات أكثر من 300 % في كثيرٍ من الأحيان، في مقابل ارتفاعٍ محدودٍ للدخل، جعل متوسط الرواتب والأجور يصل إلى حد 15 ألف ليرة سورية، ما يعني أن الفجوة الرسمية التي تحدث عنها النظام عبر المكتب المركزي للإحصاء تضاعفت بعد انطلاق الثورة، وإذا كانت الأسعار في المناطق التي ما زال فيها النظام مسيطراً ارتفعت بنسبة 300 %، فالسلع في المناطق المحاصرة ارتفعت عشرة أضعاف وأحياناً أكثر إن وجدت، والنتيجة واحدة بكل الأحوال وهي عجز المواطن عن تأمين أهم حق من حقوقه وهو الغذاء.

ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن النظام لجأ لطباعة العملة من أجل سد العجز لديه، ما جعل البلاد تدخل في الدائرة المعيبة، وارتفاع نسب التضخم، لا سيما في ظل ضعف الإنتاج، فضخ كتلة نقدية أكبر بكثير من الكتلة السلعية في ظل توقف الإنتاج، والاحتكار، جعل المواطن السوري غير قادراً على مجاراة ارتفاع الأسعار غير المسبوقة.

العائلة السورية في مناطق مثل دمشق، أصبحت اللحوم لديها نوعا من البهارات، هذا ما يشير إليه خبير اقتصادي آخر فضل عدم ذكر اسمه، فكيف يمكن لعائلة مكونة من خمس أشخاص كعائلتي مثلاً أن تؤمن طعاماً متوازناً وتغطي كامل احتياجات المعيشة الأخرى في ظل راتبٍ لا يتجاوز 18500 ليرة، فما أتقاضاه لا يكفيني حتى للعشرة أيام الأولى من الشهر، وهذا حال كثيرين مثلي، أنا هنا لا أتحدث اقتصادا، إنما حالة معيشية أمر بها مثلي مثل غيري، لا يمكن لأي مفكر اقتصادي أن يقدر كيف يمكن لعائلة تدفع يومياً ما يقارب 1000 ليرة سورية كحدٍ أدنى على الطعام فقط أن تعيش على راتب 16 ألف أو 20 ألف ليرة، علاوةً عن التكاليف الأخرى كالنقل والاتصالات والسكن والطاقة.

ماذا يفعل السوريون إذاً وكيف يتدبرون شؤونهم؟، سؤال يجيبنا عليه الخبير الاقتصادي بالإشارة إلى أعمال إضافية يمكن أن يمارسها أفراد العائلة، أو في وضعنا الحالي، استفادت السلطة من حاجة كثيرين لتجنيدهم إلى صفها، ومنهم من مارس السرقة والابتزاز.

وإذا أردنا الدخول في مقارنةٍ بين غذاء المواطن في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، وغذائه في المناطق الخارجة عن سيطرته نجد أن العوز الذي يعيشه السوريون والتضخم الحاد في أسواق النظام، لا يساوي إلا القليل أمام ما تعيشه المناطق المحاصرة التي وصل الحال بمدنييها لحد الموت جوعاً، وهنا يقول الناشط أبو عبده من الغوطة الشرقية: "إذا كان سعر كيلو الرز في دمشق هو 175 ليرة، ففي الغوطة وصل سعره إلى 1200 ليرة، وإذا كان كيلو الفخاذ بحدود 800 ليرة، فإن قطعة الفخذ الواحدة وصل سعرها إلى 1000 ليرة، هذا إن وجدت أصناف الغذاء هذه، في مناطق مثل مخيم اليرموك العاجزة عن الزراعة وتأمين إنتاجها الخاص، لا تتوفر فيها أي صنفٍ من أصناف الغذاء، ووصل بهم الأمر لتناول أي نوعٍ من الحشائش، أو شوربة البهارات الخالية من أي فائدة غذائية".

ويشير الناشط إلى انخفاض سعر صرف الدولار في المناطق المحاصرة "125 ليرة تقريباً"، ولم يكن بمقدور حتى من يمتلك المال في الفترة الماضية تأمين احتياجاته، لعدم توافر السلع والمواد، اليوم بات الحال أفضل بقليل، لكن من لديهم أموال هم قلائل جداً.

والحال السابق يرتبط بمدنيين لم يخرجوا من بيوتهم، يحاولون البقاء سواء في مناطق النظام أو المناطق المحررة، لكن هناك تسعة ملايين لاجئ داخل وخارج البلاد وفق إحصاءات الأمم المتحدة، خسروا كل شيء ويحتاجون إلى مساعداتٍ إنسانيةٍ عاجلة.

ترك تعليق

التعليق