إيران ساعدت نظام بشار بما يعادل 3% من ميزانيتها

مع دخول الحرب في سوريا عامها الرابع، أصبح القتال والتدخل الإيراني هناك أكثر كلفة على القوة الفارسية التي تواجه أصلا ظروفا اقتصادية قاسية. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن لإيران أن تتحمل تبعات حرب طويلة الأمد في غياب أي حل سياسي في سوريا؟ تشير تقارير عديدة صادرة عن وسائل الإعلام وشهود العيان أخيرا، إلى جهود إيرانية ضخمة لدعم نظام الرئيس بشار الأسد. فقد أرسلت إيران العديد من الخبراء وقدمت الدعم المالي للبلاد المنهارة، ومولت ميليشيات أجنبية مثل حزب الله اللبناني، والمقاومة الإسلامية العراقية "عصائب أهل الحق" وغيرها من الجماعات المسلحة. وحسب ما أورد الدبلوماسي إينياس لوفيري في مدونته لصحيفة "لوموند" الفرنسية نقلا عن تقرير صادر عن الجيش السوري الحر، يقدر عدد المقاتلين الشيعة الأجانب المتورطين حاليا في سورية بـ40 ألف مقاتل، وهو رقم لايمكن التثبت منه.

وسبق لأحد كبار القادة المتقاعدين من الحرس الثوري أن صرح بوجود قوات إيرانية وانتشارها في سوريا، موضحا أن "الحرس الثوري يوجه القتال في سوريا بناء على تعليمات من قادة فيلق القدس"، وأن هؤلاء المقاتلين يتلقون الدعم من آلاف من المتطوعين من قوات الباسيج العسكرية الإيرانية، وهم من الناطقين باللغة العربية.

وبحسب تقرير لصحيفة "الاقتصادية" السعودية، فقد مدت إيران نظام دمشق بكميات غير محددة من الذخيرة والسلاح. وكشف أبو علي، أحد قادة مليشيا "حزب الله" أنه "تم في معارك القلمون الأخيرة استعمال صواريخ رعد الإيرانية (التي يبلغ مداها 50 كم)، وصواريخ زلزال (التي يبلغ مداها 200 كم)، وصواريخ فتح (سلاح متوسط المدى) أو (رضوان). كما تم إرسال أسلحة خفيفة من إيران إلى سوريا تقدر بملايين الدولارات". ويقول الباحث ثيري كوفيل التابع لمعهد العلاقات الدولية والاستراتيجية IRIS إنه "على الرغم صعوبة التحقق من الرقم، إلا أن المساعدة الإيرانية لسوريا تناهز 8 مليارات دولار، أي ما يعادل 3 في المائة من ميزانيتها"، مؤكدا أن إيران تخصص 10 إلى 12 مليار دولار إضافية لميزانيتها العسكرية، التي تمثل ما يقارب 2 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي. وتلقي هذه النفقات حملا كبيرا على إيران، التي تعاني أصلا اقتصادا متعثرا وعقوبات صارمة.

تحتل إيران حاليا المرتبة الثالثة كقوة اقتصادية إقليمية بعد المملكة العربية السعودية والإمارات، مع ناتج محلي إجمالي بلغ 389 مليار دولار في عام 2013، حسب الباحث اللبناني نسيب غبريل.
وتعتمد إيران على قطاع النفط والغاز فضلا عن الزراعة والخدمات الخاصة صغيرة النطاق. وفي عام 2013، بلغت مساهمة قطاع الخدمات 55 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. بينما شكلت حصة صادرات النفط والغاز نحو 60 في المائة من عائدات الحكومة في عام 2012، علما بأن إيران تحتل المركز الثاني في العالم من حيث احتياطي الغاز الطبيعي، والمركز الثالث في احتياطي النفط، وفقا لـ"غبريل".
وقد أدى تأثير العقوبات إلى انكماش في الاقتصاد الإيراني في 2012 و2013. فاقمه زيادة الأسعار والتضخم بنسبة 60 بالمئة والهبوط الحاد في قيمة سعر صرف الريال الإيراني، حيث فقد 80 في المائة من قيمته أمام الدولار خلال عام.

وانخفضت الاحتياطيات الرسمية من العملات الأجنبية بنسبة 17 مليار دولار، لتبلغ 84 مليار دولار.
ووفقا للباحث "كوفيل" فقد "انهار الريال بسبب العقوبات بشكل كبير؛ حيث كان الدولار الواحد يساوي 11 ألف ريال في سبتمبر 2011، ثم انخفض إلى 40 ألف ريال نهاية عام 2012، ليعود ويسجل ارتفاعا مقبولا حيث يجري تداوله في مارس/آذار 2014 بنحو 30 ألف ريال".
ويرى "كوفيل" إنه مادامت غالبية العقوبات مفروضة على إيران، لاسيما العقوبات على الصادرات النفطية والمصارف، فلا يمكن لإيران أن تأمل في انتعاش حقيقي. مذكرا بأرقام البطالة التي تقترب من عتبة 22 في المئة من إجمالي القوة العاملة في البلاد.

ويوضح "كوفيل" ان البطالة ونسبة الشباب الكبيرة بين السكان، جعلتا المساعدات الضخمة إلى سوريا والمليشيات الحليفة، مشكلة صعبة لنظام الملالي. ففي شهر فبراير/شباط طلب المرشد علي خامنئي، من الإيرانيين تبني ما وصفه بـقتصاد المقاومة"، ما يعني المزيد من الاعتماد على الإنتاج المحلي واستهلاك أقل للواردات.

بينما يقول هلال خشان أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت، إن قرار دعم سوريا أو حزب الله ليس مقبولا من معظم الإيرانيين، "غير أن الحكومة الإيرانية لن تتراجع عن تورطها في اللعبة السورية الذي بات تورطا استراتيجيا. إنها مسألة حياة أو موت للنخبة السياسية الإيرانية، التي تعتقد أن فشل حزب الله في سوريا سوف يضعف الحزب ويضعف بالتالي إيران. وبما أن الغرب يتحدث عن تسوية سياسية في سوريا، فلن يكون التراجع هناك من مصلحة إيران، بعد أن استثمرت مليارات الدولارات"، حسب خشان.

ويمكن قياس التدخل الإيراني عبر تقديم الدعم المالي السخي لنظام دمشق، بتجارب سابقة جرت الويلات على دول دفعت ثمن تدخلها في دول أخرى، فالولايات المتحدة على سبيل المثال دفعت تكلفة اقتصادية باهظة لحروبها في أفغانستان والعراق.
فوفقا لمشروع تكاليف الحرب (Costs of War Project) المعد من معهد واتسون للدراسات الدولية في جامعة براون، والذي نشر في عام 2011، بلغت الكلفة المجمعة للحروب 3.7 ترليون دولار أمريكي على الأقل، على أساس المصروفات الفعلية من وزارة الخزانة الأمريكية والتزاماتها المستقبلية، مثل المطالبات والتعويضات الطبية وخلافها. 

لكن الباحث "غبريل" يرى أنه ليس من السهل المقارنة بين تأثير الحرب السورية وتأثير الحرب العراقية على إيران والولايات المتحدة على التوالي. فالتدخل الأمريكي في العراق كان أقرب إلى احتلال شامل. أما في سوريا، فتعتبر إيران حليفة النظام وتعتمد على الميليشيات التي تمولها موفرة الخبرة العسكرية".
ويوافق "كوفيل" على هذا الرأي قائلا إنه في حال بلغت نفقات إيران لدعم نظام دمشق 3 في المئة من ميزانيتها، فإن طهران تبقى قادرة على تمويل الحرب، وهي قادرة حتى الآن، لكن إيران بالمقابل تواجه خطر حصاد مكاسب قليلة في سوريا قياسا إلى ما أنفقته هناك، لاسيما مع تهشم صورتها في المنطقة واتساع نطاق العداء لسياساتها من غالبية الشعوب القاطنة في محيطها.

كما إن في إيران قنبلة سكانية موقوتة، فعدد سكانها يناهز 78 مليون نسمة، يشكل الشباب منهم أكثر من 55 في المائة من السكان، وهؤلاء بحاجة إلى فرص عمل تتطلب توظيفات مالية ضخمة، قد لاتتوفر بالقدر المطلوب مع تحويل المال الإيراني إلى نظام بشار والمليشيات الحليفة، ما ينذر عاجلا أو آجلا بانفجار غضب شعبي، على سياسة حرمان المواطن الإيراني من ثروات بلاده لضخها في عروق الآخرين.

ترك تعليق

التعليق