السياسة والأسواق تعرقلان جهود روحاني لإنقاذ الاقتصاد الإيراني

كشف انخفاض حاد في قيمة الريال الإيراني عن ضغوط شديدة على الاقتصاد في وقت يبذل فيه الرئيس حسن روحاني جهودا كبيرة لرفع مستوى المعيشة وتعزيز الدعم السياسي الداخلي لإبرام اتفاق لتسوية المشكلة النووية مع القوى العالمية.

وهبط سعر صرف الريال الإيراني مقابل الدولار الأمريكي في السوق الحرة هذا الأسبوع إلى 33 ألف ريال بإنخفاض تسعة بالمئة من نحو 30 ألفا أوائل ابريل نيسان الماضي وذلك حسب ما أوردته مواقع تداول العملة الإيرانية. وأصدر محافظ البنك المركزي ولي الله سيف بيانا نادرا سعى فيه لتهدئة السوق.

ونقلت وسائل إعلام إيرانية عنه قوله الأسبوع الماضي "تقلبات العملة في الأيام الأخيرة لا تتفق مع المؤشرات الإيجابية فيما يتعلق بالاقتصاد."

ودون الخوض في التفاصيل عزا المحافظ انخفاض العملة إلى "آراء ليست مبنية على معلومات صحيحة".

وتعتزم إيران والقوى العالمية الست البدء في منتصف مايو ايار في صياغة العناصر الأساسية لإتفاق عريض للخلاف حول البرنامج النووي الإيراني على أمل وضع نهاية لتوترات استمرت نحو عشر سنوات.

وتريد الدول الست ضمان تقليص البرنامج الإيراني بما يكفي لإطالة الفترة التي تستطيع إيران خلالها تجميع مكونات قنبلة نووية إذا اختارت أن تفعل ذلك. وتنفي الجمهورية الإسلامية أنها تنوي ذلك لكنها تسعى إلي نهاية للعقوبات الاقتصادية القاسية التي تكبل اقتصادها.

ولم يكن الانخفاض الأخير في قيمة الريال بخطورة الهبوط الذي شهده في 2012 عندما خسرت العملة الإيرانية ثلث قيمتها لتصل إلى حوالي 40 ألف ريال مقابل الدولار بعد فرض أحدث جولة من العقوبات.

ومنذ تولى روحاني منصبه في أغسطس آب بعد فوزه الساحق في الانتخابات نجح في إصلاح بعض الضرر الاقتصادي الذي منيت به إيران في سنوات المواجهة المباشرة مع الغرب في ظل سلفه محمود أحمدي نجاد.

وانخفض معدل التضخم الرسمي إلى 32.5 بالمئة من أكثر من 40 بالمئة في منتصف العام الماضي. ويبدو أن الاقتصاد بسبيله للخروج من الركود إذ أن الناتج المحلي الإجمالي سينمو هذا العام بنسبة 1.5 في المئة بعد انكماشه 5.6 بالمئة في 2012 و1.7 بالمئة في 2013 طبقا لتقديرات صندوق النقد الدولي.

لكن تجدد ضعف الريال يشير إلى أن تلك المكاسب يمكن أن تتبدد وأن روحاني يواجه ضغوطا سياسية ومالية كبيرة في غمار محاولته إصلاح السياسة الاقتصادية وتقليص نفوذ بعض خصومه المحافظين على الساحة الاقتصادية.

ومازال الغموض يكتنف أسباب هبوط الريال لكن أيا من تلك الأسباب لا يحمل شيئا إيجابيا لروحاني الذي كان نجاحه في استقرار العملة من أبرز إنجازاته الأولى بعد انتخابه.

ويتوقع بعض المتعاملين في الأسواق ورجال الأعمال في طهران ودبي أن تواجه إيران صعوبات في مواجهة شح جديد في العملة الأجنبية بعد أن تقلصت إيراداتها النفطية بسبب العقوبات الغربية.

وتدور أحاديث أيضا عن أن رجال الأعمال الإيرانيين الأثرياء المعارضين لإصلاحات روحاني دفعوا عن عمد الريال للهبوط لتحذير الرئيس من التمادي في هذا الاتجاه. ويعتقد آخرون أن الإيرانيين العاديين تهافتوا على شراء الدولار خشية ارتفاع التضخم مرة أخرى بسبب زيادة وشيكة في أسعار البنزين ناتجة عن إصلاحاته لنظام الدعم.

ويدرس الآلاف من رجال الأعمال الأجانب إمكانية العودة إلى إيران إن هي توصلت لإتفاق دولي بشأن برنامجها النووي قبل انتهاء المهلة المحددة لذلك في 20 يوليو تموز. لكن الشكوك الاقتصادية تعني أن كثيرين قد يعودون لكن ببطء وحذر حتى وإن أبرم اتفاق.

قال رامين رابي مدير شركة تيركواز بارتنرز للاستثمار التي مقرها طهران وتدير أصولا قيمتها نحو 200 مليون دولار "الاقتصاد ينتعش بالتأكيد وإن كان ببطء. المسألة في المجمل ستأخذ وقتا."

وأضاف قائلا "مازال هناك تضخم مرتفع مع نمو منخفض جدا. هذا شيء لن نستطيع الهروب منه في فترة زمنية قصيرة. هذا ليس بالأمر الهين في أي مكان بالعالم."

* سياسات

تحدث الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي -الذي يشرف على سياسات روحاني- أكثر من مرة هذا العام عن إنشاء "اقتصاد مقاومة" لحشد موارد البلاد في مواجهة الضغط الأجنبي.

ويبدو من اللغة المستخدمة أنها تهدف -بعيدا عما تحمله من دلالة على ميل نحو زيادة سيطرة الدولة على الاقتصاد- إلي استرضاء المحافظين المتشددين بينما تبرر إصلاحات روحاني.

وعلى رأس قائمة الإصلاحات تشديد السياسة المالية والنقدية. وتباطأ نمو الإنفاق المتوقع في موازنة السنة المالية الحالية إلى 9 بالمئة -وهي نسبة أقل كثيرا من التضخم- على النقيض من إسراف في الإنفاق في عهد أحمدي نجاد.

وبدأ سيف -الذي عينه روحاني- في كبح النمو المتضخم للمعروض النقدي والذي أذكي التضخم وقلص قيمة الريال. وقد يتيح هذا في النهاية خفض أسعار الفائدة التي تتجاوز 10 بالمئة والتي أضرت بقدرة الشركات الإيرانية على المنافسة.

ويتحدث المسؤولون من حيث المبدأ عن إعطاء القطاع الخاص دورا في الاقتصاد في مؤشر إلي قدوم إصلاحات محتملة كما تم تحرير صادرات منتجات الصلب في الفترة من يناير كانون الثاني إلى يونيو حزيران 2014 لإعطاء حافز للمنتجين.

وقام روحاني بتعيين محمد نهاونديان -وهو رئيس سابق لغرفة التجارة الإيرانية- مديرا لمكتبه. وزاد هذا الآمال بحدوث تغييرات في قواعد العمل من شأنها أن تدعم قطاع الأعمال وفي الحد من الروتين الذي يعطل عملية تأسيس الشركات لشهور.

واستهدف الرئيس أيضا بعض مصالح الأعمال القوية -وبعضها مرتبط بالحرس الثوري- التي ازدهرت في عهد أحمدي نجاد لأنها كانت تحظى بأفضلية في منح صفقات الدولة وحصص العملة الصعبة وفق أسعار رسمية رخيصة.

واعترض وزراء على عدد من العقود الحكومية الحالية مع الحرس الثوري. وقال مسؤولون إنهم سيتحركون هذا العام باتجاه تضييق الفجوة بين سعر الريال في السوق الحرة والسعر الرسمي وهو ما يضيق مجالا رئيسيا للفساد. ومثل هذه السياسات يمكن أن تجعل الاقتصاد أكثر كفاءة وقدرة على المنافسة.

وقال رابي إنه فور رفع العقوبات ستحدث طفرة صناعية في إيران حين تتمكن الشركات التي تعمل بأقل كثيرا من طاقتها من الحصول على المكونات والمواد المستوردة التي هي محرومة منها حاليا.

وأضاف "هذه هي ثمار النمو القريبة التي يسهل قطفها عندما ترفع العقوبات."

* عقبات

لكن تراجع الريال يوحي بأن الثمار الأبعد قد يصعب قطفها. وأحد الأسباب أن روحاني يجد صعوبة أكبر مما كان مأمولا في ترشيد الإنفاق الحكومي وتحويله إلى قطاعات أكثر إنتاجا.

ودفع إصلاح الدعم الذي أعلن الأسبوع الماضي أسعار البنزين في إيران للارتفاع بما يصل إلى 75 في المئة لكن ظل هذا أقل مما كان متوقعا في البداية إذ كان بعض المسؤولين يتحدثون عن أن الأسعار ستتضاعف. وأشار هذا إلى قلق من الأثر السلبي على التضخم.

وفي جميع الأحوال ستضطر الحكومة لإنفاق مليارات الدولارات في توزيعات نقدية على المواطنين كي تقلل من الآثار الاجتماعية للإصلاح.

وقالت سوزان مالوني الباحثة بمركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في واشنطن ومستشارة السياسات بوزارة الخارجية الأمريكية سابقا "تجد الحكومة أن من الصعب تحقيق التخفيضات المأمولة في التكاليف... المزايا الناتجة عن بعض السياسات أضعفها آخرون أو التهموها."

والضغوط على روحاني يمكن أيضا لمسها في تعامل السلطات مع انهيار سوق محدودة للأسهم هذا العام. فبعد صعود مؤشر سوق الأسهم في بورصة طهران بنسبة 132 في المئة العام الماضي لأسباب منها التفاؤل الذي أحاط بتولي روحاني الرئاسة هبط المؤشر 16 بالمئة في الفترة من بداية 2014 إلي منتصف أبريل نيسان.

في معظم الدول ينظر إلي مثل هذا التراجع على أنه لا يعدو أن يكون تصحيحا مناسبا بعد صعود قوي. لكن الأمر في إيران ينطوي على حساسية سياسية. وفي منتصف أبريل نيسان تجمعت بنوك إيرانية وشركات تأمين بعضها مملوك للدولة بدعم من السلطات للتعهد بإيداع ما يصل إلى ملياري دولار في صندوق الغرض منه إشاعة الاستقرار في الأسواق.

وتوقف هبوط الأسهم الآن لكن سجل إنجازات إدارة روحاني في مجال السوق الحرة بدا أقل إقناعا.

قال الاقتصادي الإيراني المولد مهرداد عمادي من شركة بيتاماتريكس للاستشارات في لندن إن جهود روحاني لفتح الاقتصاد أمام المزيد من المنافسة والشفافية لقيت مقاومة قوية من مصالح ربما تتضرر من هذا.

وإحدى العلامات على تلك المقاومة إشادة علنية من رسول سنائي راد رئيس المكتب السياسي للحرس الثوري في أوائل أبريل نيسان بمشاركة الحرس في قطاعات مثل التشييد والنفط قائلا إن ذلك ساعد إيران على مقاومة العقوبات الغربية.

وقال عمادي إنه في حين أن إدماج الاقتصاد داخل إدارة أكثر كفاءة هو عنصر مهم في إصلاحات روحاني إلا أن "ترجمة ذلك إلى أفعال كانت محدودة جدا وبطيئة" حتى الآن.

ترك تعليق

التعليق