تعددت الأسباب والموت واحد: كاتب مصري يرصد معاناة اللاجئين السوريين في "أم الدنيا" بين السجن والترحيل!

"خذلهم العالم وأغلق أبوابه، شُردوا بمدن ليست لهم وشوارع ليست شوارعهم. يدفعون ضريبة التغيرات السياسية بوطنهم، يدفعون ثمناً لا يملكونه، عن ذنب لم يفعلوه"...بهذه الكلمات المؤثرة يرصد الكاتب المصري "إبراهيم المولى" بالكلمة والصورة في مدونته (الخروج من مصر) تجارب ثلاثة لاجئين سوريين، لم يجمعهم مكان واحد من قبل، لا في وطنهم ولا في مصر، والصفة الوحيدة المشتركة بينهم -كما يقول- أنهم هربوا من وطن وتشردوا في وطن آخر، دخلوا مصر يبحثون عن الأمان، ليجدوه قد تم استبداله بالحديد.
 
الخوف جعلهم متشابهين، وكأنهم أقرباء، فالجميع يخاف أن يتحدث. والحصول على إقامة أصبح مستحيلاً، وكل منهم يواجه خطر السجن أو الترحيل، ليعودوا لمواجهة الحرب في سوريا، أو يذهبوا للمخيمات التركية.

"فؤاد" و"علي" و" نورا" مثلهم مثل آلاف غيرهم لم يبق أمامهم غير مخاطرة البحر ليعبروه، جميعهم أجمعوا على أن يفروا من موت لآخر، لا يفصلهم عن إيطاليا سوى ساعات بالبحر. يبيعون كل ما يملكون ويرجون سمساراً، ليلقي بقليلهم على شاطىء إيطاليا وكثيرهم في الهلاك. يهربون من مجتمع أصبح يأكل أشقاءه، إلى بحر يأكل زواره، فتتعدد الأسباب والموت واحد.

ويسرد "المولى" قصة علي وهو طفل فى الرابعة عشر من عمره، من مدينة دوما في ريف دمشق، هرب من بيته مع عائلته جراء القصف، فى ظروف بالغة الصعوبة، وتنقّل داخل سوريا نفسها أكثر من ثماني مرات، هربا من القصف والتنكيل و"العصابات".
 
علي ينتمي إلى عائلة كانت غنية في سوريا، ونظرا للحرب، والنزوح لثماني مرات من مكان إلى آخر، وصولاً لمصر التى لم يستطيعوا أن يجدوا فيها عملاً، يعيشون الآن بشقة صغيرة (80 مترا)، مع 21 شخصا، ينتمون لأربع أسر، ونتيجة لهذا العدد الكبير من الناس في المنزل، ونظرا لصعوبة أحوالهم بمصر، حاول علي وبعض أفراد عائلته أن يهاجروا بطريقة غير شرعية. فألقت الشرطة القبض عليهم قبل ركوبهم قوارب التهريب.

ويضيف ابراهيم المولى: بعد القبض على علي، عُرض هو وعائلته على النيابة العامة، وتم الحكم بإخلاء سبيلهم، لعدم وجود أدلة صريحة لمحاولتهم الهجرة، تحفّظت الشرطة عليهم وعلى باقي السوريين، بإجراءات أمنية، وتم سجنهم ثلاثة أشهر احتياطي، ومعاملتهم بشكل سيئ، وكان يتم إجبار بعض السوريين على الترحيل، ومن وافق منهم على الترحيل سمحوا له بمحادثة أهله، أو الجمعيات الخيرية، لتجميع ثمن تذاكر الطيران، ورافقه عناصر الشرطة إلى المطار.

ويردف المولى في مدونته المذكورة: "بعد خروج المحتجزين السوريين من السجن، تم إلغاء تأشيرات الطلاب التى أعطيت لعلي وأخيه أثناء دخولهم مصر، وأعطتهم السلطات تأشيرة ثانية سارية لمدة 30 يوما غير قابلة للتجديد، مما يعنى عدم قدرة علي على دخول امتحانات نهاية العام، وعدم قدرته على استكمال تعليمه أو حتى العيش بمصر.

  • أطفال سوريا وكوابيس اللجوء!

بعد إنهاء حكم مرسي في أحداث 30 حزيران - يونيو، تم إغلاق بعض الجمعيات التي كانت تدعم اللاجئين السوريين في مصر، و يتم التضييق أكثر عليهم، فأصبحوا يجدون صعوبة في تلقي المساعدات الغذائية من مكاتب الأمم المتحدة في مصر، خاصة بعد الحد من المعونات الغذائية التي تقدم لهم شهرياً، مما جعل الأوضاع المعيشية للأسر الأربع، غاية في الصعوبة، مثلهم مثل باقي السوريين المتواجدين في مصر.

يقول أبو على: «أطفالنا شاهدوا فى سوريا ما لا يقدر إنسان في العالم على تحمله، بعضهم يصرخ وهو نائم متأثرا بالكوابيس، وبعضهم يتساقط شعره بعدما أصيب بالثعلبة»، ويضيف أنه عند مرور الطائرات أعلى منزلهم، يرتعب الأطفال بشدة، لأنها تذكرهم بقصف الطائرات لمنازلهم فى سوريا، وتعيد لأذهانهم لحظات الرعب التى عاشوها.

أما نورا فهى صبية سورية، من ريف دمشق، فى الخامسة عشر من عمرها، أتت مع عائلتها عن طريق البر، تزامنا مع أحداث 30 حزيران - يونيو، فى طريقهم علقوا فى الأردن، الدولة العربية الشقيقة، التي تمنع السوريين حتى من العبور فوق أراضيها، ظلوا فى الأتوبيس لأكثر من أسبوعين، حتى سمحت لهم القوات الأردنية بالعبور إلى مصر، نظرا لحالة الأطفال التي أصبحت يرثى لها.
 
ويضيف المولى إن نورا وعائلتها قدموا إلى مصر بحثاً عن أوضاع أكثر أمناً، لكنهم صُدموا منذ لحظة وصولهم لميناء نويبع، حيث واجهوا محاولة اختطاف إحدى الفتيات السوريات بمجرد عبور الحدود المصرية.

عانى والد نورا من عَارض صحي، استوجب إجراء عملية جراحية، وبالفعل دخل إحدى المستشفيات الخاصة، ونتيجة لخطأ طبي، أصيب بفشل كلوي، استدعى أن يقوم بالغسيل المتكرر، لتكتمل فصول المأساة بالتقاطه لفيروس من جهاز الغسيل.

 توفي والد نورا خلال توثيقي للقصة، وكان العائل الوحيد للأسرة والآن ترك شقيق نورا الأصغر تعليمه ليعمل ويكفل مصاريف الأسرة.

وبمجرد خروجها من باب البيت، تعرضت نورا للتحرش، قبل أن تكتشف أن ذلك أمر طبيعى ومعتاد فى الشارع المصري، الأمر الذى أثار رعبها، فقد أتت من مجتمع محافظ، لم تتعرض فيه للتحرش بأي شكل، حتى أن والدها تحمل نفقات أتوبيس يوصلها إلى المدرسة حتى يقنعها بالذهاب للدراسة، فهى طفلة متفوقة، كانت تحصل على المراكز الأولى في سوريا.

كان مجرد التأهب للخروج يجعلها متوترة، وتفكيرها في أن تخطو خارج عتبة المنزل، يثير رعبها مما قد تواجهه بالشارع. ونظراً لصعوبة المعيشة، وعدم القدرة على التكيف مع المجتمع المصري، خاصة أن البعض يعاملهم بطريقة سيئة، بعد انتشار الشائعات عن تأييد السوريين لنظام الإخوان، بقي خيار الخروج من مصر هو الأمل الوحيد أمامهم.

  • اللاجىء فؤاد والكلبة "أنوشكا"!

أما الشخصية الثالثة التي يرصدها الكاتب "ابراهيم المولى" فهو اللاجىء فؤاد الذي يبلغ من العمر أربعة وستين عاماً، قضى منها 40 سنة في ليبيا، و4 في مصر أثناء دراسته الجامعية، والباقي في سوريا، حتى اندلاع الحرب هناك، وهو زوج لسيدة فلسطينية وأب لشابين وفتاة، والآن هو لاجىء سوري من أصحاب الوثيقة (وثيقة لاجىء سوري فلسطيني) أتى إلى مصر، أملًا في إيجاد مخرج يعبر عن طريقه لأوروبا، بعدما سمع من مقربين أن السلطات المصرية تتساهل مع مراكب التهريب، وذلك في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، ولكنه صُدم من تغير الوضع تماما بعد 30 حزيران - يونيو، ومع ذلك، لم يتردد في المقامرة بحياته في أسواق مافيا تهريب البشر مرتين.

لم ير فؤاد أبناءه منذ 9 سنوات، نظرا لقوانين الوطن العربي التي حاصرته وحاصرتهم، فجعلته يعلق في مصر، وجعلتهم يعلقون في نابلس بفلسطين، حيث تفرقت العائلة بعد أعوام من العيش بليبيا، التي خرج منها وتوجه إلى الخليج، بهدف جمع المال لتأسيس بيت في سوريا، ولأن زوجته من عرب 48، ذهبت هي والأبناء للعيش في نابلس، وبمجرد عودة الأب لسوريا بدأت فيها الثورة، فلم يستطع الأبناء الذهاب لملاقاة والدهم هناك، تماما كما لم يستطع فؤاد الذهاب لأسرته، لأنه لا يحمل جنسية فلسطينية مثل زوجته والأبناء. خاف فؤاد من الذهاب للبنان، خشية تسليمه لسوريا من قبل أفراد حزب الله الموالين للجيش السورى، فلم يبق له سوى مصر، التى لا تطلب تأشيرة دخول، لكنها لا تسمح للأبناء بالقدوم دون موافقة أمنية، وبشرط أن يكونوا في سن محددة. فشل فؤاد مرتين في العبور إلي إيطاليا عن طريق البحر، وتم سجنه لفترات طويلة. وهو يعاني من فوبيا الأماكن المغلقة، مما جعل السجن جحيمًا، كما يصفه.

داخل السجن كانت حالة فؤاد الصحية سيئة، والأمم المتحدة كانت تحضر الأطباء، ولا تحضر الدواء لهم، ويروي فؤاد للكاتب المولى إن أحد السوريين كان يعمل مخرجا وكانت لديه كلبة تدعى (أنوشكا)، وأثناء محاولته طلب المساعدة، وتهريب بعض الصور لوضعهم السيء بالسجن، استوقفه المسؤول الذى يعمل بجمعيات حقوقية قائلاً: “وكيف حال الكلبة؟ هل تحتاج أى شىء؟ هل حالتها الصحية بخير؟”، متجاهلا وجود أكثر من 60 شخصا، بينهم أطفال صغار، في غرفة الحجز. الأدهى أنه تم إرسال طعام ودواء لأنوشكا (الكلبة) ثم جاء مسؤول من الجمعية الأهلية، للتفاوض مع صاحب الكلبة لأخذها من السجن!

فؤاد توقف عن الصلاة، ولا يستطيع رفع رأسه إلى السماء، وعندما سأله الكاتب عن أول شيء سيقوم به بمجرد وصوله إلى الطرف الآخر، أجابه: “سأدخل إلى البحر مرة أخرى، وأدع سبع موجات تضربنى، حتى أتطهر من عروبتي وجنسيتي، التى تجعل الإنسان رقما على ورقة”.

ترك تعليق

التعليق