لماذا أنتم خائفون من الإقليم الإداري في الجنوب السوري..؟


البارحة تواصلت معي إحدى القنوات التلفزيونية للحديث عن ما يشاع عن إقامة إقليم إداري في المنطقة الجنوبية، يشمل السويداء ودرعا والقنيطرة، والفرص الاقتصادية الممكنة لقيام مثل هذا الإقليم، بعد تداول إشاعات عن استعداد رجال أعمال من أبناء المنطقة لدعم هذا المشروع، بالإضافة إلى استعداد دول في المنطقة لمده بماء الحياة الاقتصادية بحيث يصبح ممكناً، إلى أن يتم حل القضية السورية بالكامل.

بكل بساطة أخبرت القناة بأنه ليس لدي ما يكفي من المعلومات للحديث عن هذا الموضوع، مع أني ضمنياً أشجعه في الفترة الراهنة، لكن بنفس الوقت لست على يقين بأن الأمر قابل للتطبيق دون صعوبات، بعضها اقتصادي والبعض الآخر يتعلق بالوضع الإقليمي والدولي.

في المساء تلقيت اتصالاً من صديق في المنطقة الجنوبية، كان محور حديثه كله يدور حول: لماذا أنتم خائفون من إقامة إقليم إداري في الجنوب السوري..؟

ثم أخذ يعدد فوائد إقامة مثل هذا الإقليم، وبأنه لا يعني انفصالاً عن الوطن الأم، وإنما مرحلة انتقالية، كي تستريح الناس وتعيد بناء نفسها بعيداً عن سلطة الأسد ومخابراته ومخدراته.

وفي العموم لم يكن كلامه شاذاً، فهو تحدث من صميم ألم الناس هناك ومعاناتهم، التي بدا وكأنه لا نهاية لها مع استمرار إحكام النظام قبضته على رقبة الشعب السوري.. تحدث عن الأطفال والشباب، وهذا الضياع الذي يعيشونه دون وجود أي أفق، لا على المدى القريب ولا البعيد، وهو ما يضطر أهاليهم لبيع كل ما يملكون، من أجل ركوب البحر والضياع في ظلماته.

تحدث عن مسؤولي الأسد قبل العام 2011، وكيف كانوا يأتون من محافظات أخرى، ويتعاملون مع الناس وكأنهم غزاة.. همهم الأول النهب والسرقة وإشاعة الفرقة والشقاق بين الأهالي.. متسائلاً: ما المانع أن تقود كل محافظة نفسها بنفسها بقيادات منتخبة من المجتمع المحلي، لإدارة الشؤون المعاشية واليومية فقط..؟

ثم تطرق إلى أنه يوجد من أبناء محافظتي درعا والسويداء من المغتربين ورجال الأعمال، من يمكنهم دعم أبناء جلدتهم، وإنعاش المنطقة اقتصادياً، وجعلها إنموذجاً حضارياً في النمو الاقتصادي والتطوير العمراني والتعليمي والسياحي.

في الحقيقة، ليس بوسعي نقل كل ما دار من حديث بيني وبين هذا الصديق، فبعض مما قاله وروج له بصورة وردية، صحيح من حيث الفكرة المجردة، لكن على أرض الواقع، فإن قيام إقليم كهذا، لن يكون دون تدخل مباشر من إسرائيل كونه يقع على حدودها مباشرة، وفي الدرجة الثانية تدخل القوات الأمريكية التي ترابط على حدود بادية السويداء في التنف، وبالدرجة الثالثة، دول المنطقة، كالأردن والسعودية على وجه الخصوص.

وهذه القوى المحيطة بمثل هذا الإقليم فيما لو نضجت فكرته، هي ليست أسوأ من نظام الأسد بكل تأكيد، لكنها في الوقت نفسه لن تسمح له بأن ينمو بالطريقة التي يتصورها الناس.. ومن جهة ثانية، فإن مثل هذا الأمر، لا بد أن يتم بتوافق داخل الدولة السورية وضمن دستورها، وليس بمشاريع مرسومة خارجياً، فإذا ما توافق السوريون بعد رحيل نظام الأسد على اللامركزية الإدارية للمحافظات أو للأقاليم بحسب تموضعها وتناسبها الجغرافي والسكاني، فما المانع..؟

خطورة هذا المشروع برأيي، نابعة من كون السوريين، باتوا يقرفون من نظام الأسد ويريدون التخلص منه بأي طريقة، حتى لو دفعهم ذلك للتحالف مع الشيطان.. وهذا الأمر لن يؤدي إلى إقامة بناء صحيح وقوي البنيان، بل سوف يظل هذا البناء ضعيفاً، لأن ذلك يخدم صاحب المشروع، من أجل أن تبقى تابعاً له..

لذلك، نرجو من الأخوة في المنطقة الجنوبية، عدم التهور والانسياق وراء أوهام ما يرسمه الغرب والإقليم لهم.. ما يجري في السويداء اليوم، يريد البعض له -عندما يقولون أنهم ذاهبون إلى أقصى حد في الطلاق مع نظام الأسد- أن يكون بدايةً لمشروع الإقليم في المنطقة الجنوبية، بل إن بعض الأطراف تريد أن تستغل هذا الحماس، للدفع بتحقيقه كأمر واقع لا بد منه، لكننا نظن بأن أهالي السويداء الثائرون على النظام اليوم هم أوعى من أن يتم الإيقاع بهم، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الأصوات الكثيرة التي صرخت بأعلى صوتها بأنها ترفض كل مشاريع التقسيم عن الوطن الأم، سوريا.

ترك تعليق

التعليق