وكالة: حمص، مدينة الأشباح التي كانت نبض الثورة السورية


بعد عامين على رحيل آخر الجماعات السورية الثائرة من مدينة حمص القديمة، بات صدى الأصوات يتردد بين ركام المباني التي دمرها القصف، ومالت مبانيها بزوايا عجيبة كما لو كانت قد تجمدت في لحظة ما.

" لا خطر هنا.. إذ لم يعد أحد هنا" قالها جندي من قوات النظام وصوت رصاصة يدوي عن بعد "لا مسلحين ولا حتى نفس واحد يتردد ولا حتى حيوانات.. لا شيء(على الإطلاق) فقط خرسانة".

الجندي تحدث شريطة التكتم على هويته التزاما بالتعليمات.

نحو ألف ومائتين مدني وثائر، كثير منهم أصيب وعانى الجوع، وغادروا جميعهم آخر معاقل قلب حمص القديم في مايو/أيار 2014، وسلموا لبشار الأسد بقايا مدينة مخضبة بالدماء، مدينة كانت يوما تسمى "عاصمة الثورة".

عودة معظم أنحاء ثالث أكبر مدن سوريا لسيطرة النظام شكل ضربة قوية للثورة السورية، التي بدأت باحتجاجات سلمية في معظمها في مارس/آذار 2011 قبل أن تطلق حكومة النظام حملة أمنية عنيفة لقمعها لتندلع شرارة التمرد وتغرق البلاد في حرب مدمرة.

في لحظة ما، سيطر الثوار على سبعين بالمائة من حمص التي كان تعداد سكانها قبل الحرب يتجاوز 1.2 مليون نسمة.

غير أن هجوما مضادا شنته قوات النظام وقتالا عنيفا حولا الكثير من معالم المدينة إلى حطام، وأتى الحصار بعد ذلك ليجبر المعارضة على الخروج بعد أن عصف بهم الجوع.

عودة حمص سمحت لقوات النظام بتعزيز تواجدها في وسط سوريا، وربط العاصمة دمشق بمعاقل النظام على ساحل البحر المتوسط.

وسرعان ما تحولت المدينة إلى نقطة انطلاق لتقدم جيش النظام شمالا.

بعد أيام من انتهاء الحصار، عادت الكثير من الأسر لتطمئن على منازلها، لتذهل بل وتبهت للدمار المنتشر ولتلتقط صورا للدمار، واختار بعضهم البقاء.

جنود النظام لا يزالون يطوفون في شوارع المدينة التي كسا بعضها العشب الأخضر الذي نما بين الأنقاض فيما لا يزال بعضها الآخر تغطيه طبقة من الجير الأبيض.

كثير من تلك الشوارع اصطفت أمامها سيارات محترقة.

أحياء بأكملها غابت عنها المتاجر والكهرباء والمياه.

المدينة بحاجة لجهود ضخمة لإعادة إعمارها، لكن من المستبعد أن تبدأ تلك الجهود قبل انتهاء الحرب.

اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلن الجمعة الماضية أعاد الهدوء لكثير من أنحاء سوريا، لكن لا أحد يتوقع أن ينتهي الصراع في أي وقت قريب.

في الوقت نفسه، بعض شوارع حمص بدأت تعود للحياة ببطء.

في أحد شوارع حي بابا عمرو، يمكنك أن ترى السيدات يسرن مع اطفالهن فيما يلعب صبية كرة القدم في الشارع.

في الأعلى ثمة صبي يكنس شرفة الطابق الثالث في مبنى سكني أعيد بناؤه مؤخرا.

لكن على بعد ثلاثمائة متر، ثمة عمود كهرباء ساقط يغلق الطريق.

باقي الحي لم يتم تطهيره بعد من الألغام.

بثينة الحولاني عادت مؤخرا لبابا عمرو مع زوجها وأطفالهما الستة.

منزلهما نهب وحرق، والجدران تملؤها ثقوب الرصاص والسقف منهار.

الأسرة تنام في منزل مهجور يمتلكه جار وافق أن يبقوا فيه، وبثينة تزور منزلها كل يوم لتنظف الأرض وترعى دجاجات ترعى في باحته.

"لم يبق لنا شيء.. لا يمكننا الحياة في المنزل مطلقا".

قد يعاد بناء البيت يوما، لكن ندوب الحرب وجراحها ستبقى.

أحد أقارب بثينة كان ضابطا في الجيش برتبة عقيد وقتل خلال الحرب مع الثوار.

تقول بثينة " ابن عمي استشهد.. كيف أسامحهم بعدما مات ابن عمي؟ هل مات هباء؟ بالطبع لا".

أبو سمير الكردون (70 عاما) أحد سكان المدينة، يتذكر المدينة، يتذكرها كمكان للتنوع والتسامح.

وقال العجوز وهو يلعب الطاولة مع رفاقه :" اعتدنا أن نعيش معا كمسلمين وسنة وعلويين ومسيحيين ودروز.. لم نسأل أحدا يوما عن دينه.. ليكشف الله عنا هذه الغمة ويعيد البلاد كما كانت".

ترك تعليق

التعليق