نقيب الأطباء البيطريين في الغوطة الشرقية: الاقتصاد الغوطاني في خطر مادامت الثروة الحيوانية في خطر


 إذا تحدثنا عن الاقتصاد الداخلي في الغوطة الشرقية، لا بد لنا من ذكر أهم روافد هذا الاقتصاد (المنتشي مؤخراً) من حصار فرض نفسه ثقيلاً على معظم مناطق التراب السوري، ومن أهم تلك الروافد وأكثرها حساسية هي الثروة الحيوانية، والتي تعد مصدر الدخل الأساسي لما نسبته أكثر من 35% من عوائل الغوطة الشرقية.

لكن تلك الثروة الحيوانية باتت اليوم تعاني الكثير من المشاكل والمعضلات التي تلقي بظلالها على الإقتصاد الداخلي وتُثقِله بالمزيد من الأعباء، ولتسليط الضوء بشكل أكبر على واقع الثروة الحيوانية في الغوطة الشرقية كان لموقع "اقتصاد" هذا اللقاء مع الطبيب البيطري "محمد فؤاد صبحية"، نقيب الأطباء البيطريين في الغوطة الشرقية.

 بداية دكتور "محمد" حبذا لو نأخذ لمحة بسيطة عن وضع الثروة الحيوانية في الغوطة وعلاقتها الوثيقة بالاقتصاد الداخلي

 من أهم دعامات الاقتصاد الداخلي للغوطة هو الثروة الحيوانية، فهي المصدر الأساسي للسلة الغذائية التي تعتمد على الجبنة واللبن والحليب واللحوم، ونظراً لما تمتاز به أراضي الغوطة من بيئة خصبة ملائمة للزراعة وتربية الأبقار والأغنام والدجاج، كانت تلك الثروة هي محط أنظار الجميع، ولكنها اليوم باتت عرضة للإنهيار والإنقراض في ظل الظروف الأمنية الصعبة التي تعيشها الغوطة الشرقية، سأعرض لك أرقاماً لعلك تستفيد منها في إجراء مقارنة بسيطة بين عام 2016 وقبيل بدء الثورة في سوريا عام 2011.

 ففي عام نهاية عام 2010 كان تعداد الثروة الحيوانية داخل الغوطة الشرقية (حسب إحصاءات رسمية في ذلك الوقت) 120 ألف رأس بقر حلوب، 200 ألف رأس غنم، 75 ألف فرخة بياضة.

أما اليوم وحسب إحصاءاتنا في نقابة الأطباء البيطريين فإن الأعداد تناقصت بشكل مخيف جداً 7000 رأس بقر حلوب ، 40000 رأس غنم ، 10000 فرخة بياضة.



 وبالتالي خسرت الثروة الحيوانية ما نسبته 85% خلال الست سنوات الماضية، وترجع هذه الخسارة إلى الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمر به مربي هذه الثروة من قصف ونزوح داخلي وأوضاع إقتصادية صعبة، ففي العام 2013 وهي أشد الأعوام حصاراً على الغوطة لجأ معظم الفلاحين لبيع قسم من الأبقار الموجودة لديهم من أجل شراء أعلاف للقسم الباقي وهكذا خسر معظم الفلاحين ثروتهم نتيجة غلاء العلف (وفقدانه في بعض الأوقات) مقارنة بسعر الحليب المتدهور، فقد وصل سعر الكيلو الواحد من العلف لأكثر من 800 ليرة سورية مقارنة بسعر كيلو الحليب الواحد الذي كان آنذاك 450 ليرة سورية.

 ما الذي دعاكم لتأسيس نقابة الأطباء البيطريين؟، وماهي الخدمات التي قدمتها النقابة؟، وماهي التأثيرات الاقتصادية لهذه الخدمات وكيف انعكست على مربي الثروة الحيوانية في الغوطة؟

 نظراً للظروف المأساوية والأرقام المرعبة لما تبقى من الثروة الحيوانية في عام 2015، قمنا بالإضافة إلى ما تبقى من أطباء بيطريين داخل الغوطة بعقد إجتماعات عديدة من أجل إيجاد حل سريع لمشكلة التدهور الخطير للثروة الحيوانية، وماهو الواجب فعله حيال تلك الأزمة الخطيرة، فتكللت الجهود بتأسيس نقابة الأطباء البيطريين قبل حوالي عام من الآن، وذلك بهدف توحيد الجهود المبذولة في دعم الثروة الحيوانية في الغوطة الشرقية، وتنظيم العمل في مهنة الطب البيطري من أجل تمثيل الأطباء البيطريين في مؤسسات المجتمع المدني، بالإضافة إلى إيجاد مشاريع تدعم الثروة الحيوانية في الغوطة الشرقية وتنهض بها نحو الأفضل.

 الخدمات التي قدمتها النقابة كانت محدودة، تنحصر في نشر الوعي بين مربي الثروة الحيوانية من أجل الحفاظ الأبقار والأغنام التي تعد مصدر أساسي للحليب وجميع مشتقاته من ألبان وأجبان فضلاً عن اللحوم. قمنا أيضاً بتنظيم بعض المحاضرات الإرشادية التي تتحدث عن الحلول البديلة لتغذية المواشي في ظل الحصار (كصنع مادة الدريس مثلاً والتي تقدم إلى الأبقار كوجبة غذائية مساعدة للأعلاف وبذلك يمكن للفلاح أن يستغني عن نصف كمية العلف)، بالإضافة إلى تقديم الإستشارات البيطرية المجانية.


 ولكن دكتور "محمد" بحجم هذه المأساة التي ذكرتها في بداية حديثك، ألا ترى أن هذه الخدمات ضئيلة جداً مقارنة بالواقع المتردي للثروة الحيوانية؟

 نقابة الأطباء البيطريين حديثة العهد في الإنشاء وتحتاج لفترة أطول من أجل صقل أعمالها في ظل انعدام الدعم المادي، لهذا السبب فإن الخدمات كانت خجولة ولا ترتقي إلى حجم الكارثة الموجود في هذا المجال، إلا أننا نتطلع إلى منظمات العمل المدني والمؤسسات والهيئات الموجودة داخل الغوطة لمزيد من الدعم من أجل النهوض بواقع الثروة الحيوانية في الغوطة الشرقية باعتباره أهم ركائز الاقتصاد الداخلي في الغوطة كما أسلفنا.

 فنحن نمتلك الخبرة في المجال البيطري إلا أنه ينقصنا الدعم المادي من أجل مواجهة هذه الكارثة. فالإقتصاد الداخلي ضمن الغوطة الشرقية في خطر مادامت الثروة الحيوانية في خطر.

ما هي أبرز الصعوبات التي واجهتكم وماتزال تواجهكم في عملكم ضمن النقابة من أجل إنعاش هذا الجانب الاقتصادي المهم وهو الثروة الحيوانية؟

 أبرز الصعوبات هو فقدان الدعم المادي كما أسلفت لك، أما عن باقي الصعوبات فهي تتمثل بالآثار السلبية للحصار المفروض على الغوطة من ارتفاع سعر العلف وفقدان بعض الأدوية البيطرية المستخدمة في الطبابة، وانعدام كامل لوجود بعض المعدات المستخدمة في العلاج البيطري (كأجهزة الإيكو مثلاً)، فضلاً عن هجرة العقول (الأخصائيين البيطريين) وخروجهم إلى خارج الوطن، فنحن في النقابة لدينا العديد من الأطباء الأكاديميين ذوي الخبرة في الطب البيطري، لكن هذه الخبرات لا تغطي كافة احتياجات الغوطة الشرقية.

 كما أن قلة المراعي وانحسار الأراضي الزراعية نتيجة سيطرة قوات النظام على قسم كبير منها يقف عائقاً أمام تطور الثورة الحيوانية واستعادة عافيتها.


 كيف هي علاقتكم بمنظمات العمل المدني والمؤسسات الإغاثية؟، وما هو مدى التنسيق بينكم من أجل النهوض بالواقع الاقتصادي للثروة الحيوانية؟

 بالنسبة لهذا الأمر فهو في المرحلة القادمة أساس العمل الذي يجب التركيز عليه في النقابة، إذ أن هناك العديد من المنظمات التي تقدم الدعم للفلاحين ومربي الثروة الحيوانية (مثل هيئة الإغاثة الإنسانية الدولية، مؤسسة بناء، منظمة فزعة.. إلخ)، وذلك من خلال طرح منح أبقار وأغنام مجانية وفق شروط قبول معينة، وهذه الأمور تساهم جيداً في إنعاش القطاع الحيواني، ويوجد تنسيق دائم بين تلك الهيئات والنقابة من أجل تنظيم بعض الأمور المتعلقة بالخبرات البيطرية وإيفاد بعض الأطباء من أجل إدارة تلك المشاريع، بالإضافة إلى أنه تم تخصيص عيادة بيطرية متنقلة من قبل هيئة الإغاثة الإنسانية الدولية في الغوطة الشرقية تقدم جميع عمليات الطبابة للأبقار والمواشي، كما أننا سنقوم مستقبلاً بفتح بعض المشاريع بالتعاون مع محافظة ريف دمشق.

 لكن كل هذا الدعم مازال خجولاً ونتطلع إلى المزيد من أجل حماية القطاع الحيواني من الإنهيار.

 في سطور

 الدكتور محمد فؤاد صبحية من مواليد مدينة دوما عام 1983، متزوج ولديه ولدين، حائز على إجازة دكتور في الطب البيطري من جامعة حماة عام 2007 / تسجيل ماجستير عام 2009 / إيفاد دكتوراه إلى ألمانيا عام 2011 مع وقف التنفيذ بسبب ظروف الأزمة.

ترك تعليق

التعليق