المرتضى الدندشي.. الثري المثير للجدل، الذي ائتمنه رامي مخلوف على بعض أمواله


هو سليل عائلة إقطاعية شهيرة في ريف حمص الغربي، فقدت معظم أملاكها في عهد نظام حكم البعث، وعهد الأسد الأب. كما أن معظم أفراد عائلته من المعارضين بشكل كبير للنظام ومن الملاحقين والمطلوبين والمُهجّرين. ورغم ذلك، فإن معظم المتابعين له، يُصنفونه في عداد الموالين للنظام، بل والمُقرّبين منه.

لكن، قبل أكثر من 4 سنوات، صدر عن جهات تابعة للنظام ما يُوحي بأن رجل الأعمال الشهير، المتحدر من تلكلخ، محمد المرتضى الدندشي، ربما بات "من المغضوب عليهم". قبل أن ترجع الأمور إلى سابق عهدها، حسبما ما تُوحي به التطورات اللاحقة.

ففي إفصاح نشرته "سوق دمشق للأوراق المالية"، ونُشر على وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي المختلفة، أوضحت السوق أن "مركز المقاصة والحفظ المركزي، قام برفع إشارة الحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة لـعضو مجلس إدارة بنك (بيبلوس سورية)، والمدير العام لشركة (شام كابيتال للوساطة المالية)، محمد  المرتضى محمد الدندشي، وذلك تنفيذاً لقرار رفع الحجز الاحتياطي الصادر عن وزير المالية رقم 515 بتاريخ 7/3/2013".

قبل ذلك، كانت "وزارة المالية" التابعة للنظام، قد قامت بالحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة للدندشي، وذلك - حسب نص القرار- لثبوت "تورطه في تمويل العصابات الإرهابية المسلحة والتحريض على الأعمال الإرهابية".


فهل ثبت للنظام أن الدندشي مال لموقف عائلته المعارض، فقرر الضغط عليه عبر الحجز على أمواله؟، وهل عاد الدندشي إلى "حضن الوطن"، بعد ذلك، فرُفع الحجز عن أمواله؟

أفعال الدندشي اللاحقة للعام 2013، تُوحي بإجابة نعم، على السؤالين السابقين. ذلك أن الثري المقيم خارج البلاد، قام بتمويل إعادة تأهيل العديد من المنشآت الحكومية والخيرية في مدينته، تلكلخ، بعد عودتها إلى سيطرة النظام.

يعتقد بعض المتابعين للدندشي، أن الرجل عاد بالفعل إلى "حضن الوطن"، أو ربما، هو لم يغادره أصلاً. وكان الدندشي، قبل العام 2011، أحد رجال الأعمال المُقرّبين من أبرز رموز النظام، رامي مخلوف، شخصياً.

وقد ورد ذكر الدندشي في الوثائق الأمريكية المسربة من (ويكيليكس) التي تحدد أربعة رجال يقال أنهم ساهموا في تمويل النظام السوري أو إخفاء الأموال له. وقدم المراقبون الأوروبيون مذكرات دبلوماسية يرجع تاريخها إلى الفترة بين 2006 إلى 2009 ونشرتها (ويكيليكس)، تركز على إجراءات ضد بشار الأسد، بسبب دوره المشبوه في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري عام 2005. ووفقاً لوثيقة "ويكيليكس"، فإن مخلوف أودع مبالغ كبيرة تحت اسم "مرتضى الدندشي"، في فرع دمشق لبنك بيبلوس اللبناني. وعرّفت الوثيقة الدندشي حينها بأنه، رجل أعمال مقيم في الإمارات ووسيط مالي كبير في سوق الأسهم.

وعُرف عن الدندشي أنه مؤسس شركة "شام كابيتال للوساطة"، وشركة "سما سورية"، ويشغل رئيس مجلس إدارة شركة "الرمز للأوراق المالية"، إحدى الشركات الإماراتية العاملة في مجال الوساطة، كما يساهم بشركة "الرمز" بنسبة 25% من رأس مال شركة "شام كابيتال"، وشغل رئيس مجلس إدارة شركة "غاردينيا للاستثمارات العقارية"، كما شغل منصب رئيس نادي الكرامة لكرة القدم.

كل ماسبق تم تداوله في وسائل الإعلام المختلفة.. لكن من هو مرتضى كما يتحدث عنه أقاربه ومن يعرفه في تلكلخ؟

يتحدر "محمد المرتضى" من إحدى العائلات الإقطاعية المشهورة في مدينة تلكلخ هي عائلة الدندشي، وهو من مواليد تلكلخ ويُعرف أن عائلته كانت ذات دخل محدود جداً، حيث كان والده موظفاً عادياً، ومن ثم قام بفتح مكتبة لبيع الدفاتر والأقلام واعتمد على مردودها للعيش.

درس "مرتضى" في مدارس مدينة تلكلخ وحصل على شهادة الثانوية العامة من ثانوية "عمر فاروق الزعبي"، ثم درس الاقتصاد في إحدى الجامعات السورية، وبعد التخرج سافر مع أحد أقربائه إلى دولة الإمارات وبقيت ظروفه سيئة هناك لفترة إلى أن - حسب روايات بعض أقاربه ومعارفه- تعرف على فتاة يمنية ميسورة الحال يعمل والدها في البورصة. بعد فترة تم الزواج بينه وبين الفتاة اليمنية وعمل مع والدها بالبورصة، وبدأت تتحسن أحواله إلى أن أصبح من الأثرياء، وفتح عدة شركات وأصبح من الأسماء اللامعة.

وعُرف أيضاً بعلاقته الوثيقة مع محافظ حمص السابق المثير للجدل، إياد غزال، الذي تزوج من ابنة عائلة من أقارب الدندشي.

(إياد عزال، محافظ حمص الأسبق، برفقة المرتضى الدندشي - صورة ارشيفية)

بعد فترة من تحسن أحوال "المرتضى"، بدأ بتحسين أحوال أسرته ومن ثم تطلع إلى مساعدة أقربائه من آل الدندشي. كما عمل على تدريس عدد من أبنائهم على حسابه. بالإضافة لذلك قام بدفع أقساط لبعض الطلاب في جامعه الوادي "وادي النصارى"، بالقرب من تلكلخ.

خدمات للسلطة

وكلما زادت الفوائد والأرباح بزيادة شركات "المرتضى"، ازدادت خدماته لأقربائه من آل الدندشي، حيث خصص رواتب شهرية لعدد منهم. كما بدأ "المرتضى" بالتقرب من النظام السوري، حيث قدم العديد من الخدمات له، وساهم في العديد من مشاريع التنمية في محافظة حمص، كترميم حديقة الدبلان الشهيرة، والشارع المجاور لها. وفي مدينة تلكلخ، ساهم بترميم عدد من المراكز الحكومية والخدمية على نفقته الخاصة، وجهز بعض الأفرع الأمنية بسيارات حكومية، وجهز عدد من المشافي بسيارات إسعاف وأجهزة طبية.

لم يغب اسم "مرتضى" منذ بداية الثورة السورية، فقد ذُكر اسمه على القنوات الإخبارية من الممولين للنظام.

افتتاح خدمات "البر" الصحية ومدرسة شرعية

بعد أن استعاد النظام سيطرته على مسقط رأس الدندشي، تلكلخ، بريف حمص الغربي، تم إعادة افتتاح مستوصف "البر" للخدمات الطبية المجانية في مدينة تلكلخ، بعد أن تم إغلاقه منذ بداية الثورة، فقد كان هذا المستوصف يقدم خدمات طبية مجانية من "إسعافات وتحاليل وصور أشعة، ومعاينات لكافة الاختصاصات".

 وكان قد تعرض للنهب والتخريب، والسرقه لأغلب معداته بشكل يشبه ما تعرضت له الكثير من البيوت والمحلات في تلكلخ.

ومنذ مدة قريبة، يعود "البر" لتقديم خدمات طبية بسيطة. فتم فرز طبيب عام، وطبيب أطفال فقط، يقومان بمعاينة المرضى مجاناً، بالإضافة لتقديم وصفة طبية مجانية لشراء الدواء بقيمة (1500) ليرة سورية فقط. وقد تم إعادة افتتاحه برعاية ومساهمة كاملة من "مرتضى الدندشي".

كما تم إعادة فتح المدرسة "الشرعية" في حارة "البرج" في مدينة تلكلخ، بعد أن تم إغلاقها منذ بداية الثورة. وفتحت المدرسة أبوابها بدايه العام الدراسي وبعدد قليل من الطلاب، وتم تعيين كادر تدريسي كامل من "خارج الملاك" (غير موظفين في وزارة التربية) من قبل وزارة الأوقاف. أما مدير المدرسة الشرعية، فهو إمام جامع "عمر بن الخطاب"، المحسوب أيضاً على النظام.

وكان "مرتضى" قد قام بتقديم الدعم المادي لإقامة مبنى شرعي للأوقاف في مدينة تلكلخ في الحارة الغربية قرب جامع الحميدي (أقدم جامع في مدينة تلكلخ)، تابع لفرع مديرية أوقاف حمص، وقد تم تجهيز المبنى بالكامل وتعيين مفتي للمدينة من أحد الشيوخ المعروفين بتأييده للنظام. ويعد مركز الإفتاء هذا، ممثلاً وواجهة للنظام في المنطقة.

تمويل احتفالات ومهرجانات

وفي تاريخ أيار الماضي، تم إقامة مهرجان طلائع البعث في مدرسة "اليرموك" وسط مدينة تلكلخ، حيث شاركت كل مدارس تلكلخ، ومدارس القرى المجاورة بهذه الفعالية، وقُدمت الأغاني والرقصات الشعبية وتخلل المهرجان تقديم معرض فني. وقد تم الحفل بحضور مسؤولين من حزب البعث الحاكم ومسؤولين في مؤسسات خاضعة للنظام، إلى جانب العديد من وجهاء المنطقة. وتم تقديم مائدة طعام وحلويات ترحيباً بالضيوف، تم تقديمها بتمويل من قبل "مرتضى".
 
والسؤال الذي يطرح نفسه، ما السبب وراء عودة كل هذه الخدمات والاحتفالات المتكررة في مدينة تلكلخ، وبهذا الأسلوب، وبتمويل من نفس الشخص؟

لم يتوقف مرتضى عن تقديم خدماته للنظام حيث ساهم بترميم العديد من المنشآت الحكومية بعد توقف عمليات القصف من خلال رجال مندوبين عنه يديرون شؤونه، وبالمقابل لم يتقاعس عن تقديم مساعداته لأقربائه فقد خصص راتباً شهرياً لكل أسرة من آل الدندشي داخل سوريا يتراوح بين (25-50) ألف ليرة سورية، وفي لبنان لكل أسرة نازحة من أقربائه مبلغ  (300) دولار، حسبما يُشاع بين أقاربه وجيرانهم.

وفي حالات نادرة يُوزع لبعض الأسر المحتاجة في مدينة تلكلخ أو النازحين إليها مبلغ يتراوح بين (10-15) ألف ليرة سورية، ويُقال أن معظم ما يوزعه هو جزء من فوائد أرباح شركاته.

"مرتضى".. "فتى النظام المدلل" في تلكلخ

وهكذا، بقي "مرتضى"، الشاب الثري المثير للجدل. يصفه البعض بأنه "مدلل" لدى النظام، رغم أن معظم أقاربه معارضون، بل ومُهجّرون أيضاً. ورغم أنه بعيد عن أنظار وقبضة أزلام النظام السوري، وبإمكانه التخلي عن النظام والوقوف بجانب المعارضة ودعمها، إلا أنه لم يفعل ذلك. أو كاد أن يفعل، ومن ثم تراجع سريعاً. ولم يفهم أحد من السوريين سبب إخلاص "المرتضى" للنظام إلى يومنا هذا، أهي مصالح مشتركة أم أنه مقتنع بضرورة بقاء النظام السوري أم هو متورط وواجهة؟

في نهاية المطاف، يقول متابعون للدندشي، أنه، ككثير غيره من الأثرياء السوريين، كانوا دوماً يبحثون عن الكفة الراجحة، فيميلون إليها، وهمهم المصلحة بالدرجة الأولى. ويعتقد هؤلاء المتابعين، أن أفعال الدندشي الخيرية في تلكلخ، ورعايته المالية لأقاربه في عائلته الممتدة، بما فيهم المُهجّرين إلى لبنان، على يد النظام نفسه، لا تكفي لتبيض صفحة المسؤولية حيال ما أصاب هذا البلد من مآساة، كان نظام الأسد المتسبب الرئيس فيها، وكان داعموه، أو ممالئوه، حجر الأساس له.


ترك تعليق

التعليق