"فمه محشو بالتراب".. إحدى مشاهد الكارثة في الغوطة


"وصلنا طفل يبلغ عاماً واحداً. كانت بشرته شديدة الزرقة وبالكاد قلبه ينبض. وبينما كنت أفتح فمه لأضع له أنبوباً (للتنفس)، وجدته محشواً بالتراب، بعدما تم سحبه من تحت الأنقاض".

"أخرجت التراب سريعاً من فمه ووضعنا له الأنبوب لكنه لم يقو على التنفس جيداً لأن التراب كان قد وصل الى داخل رئتيه. عندها قمنا بسحب التراب من رئتيه وبدأ بعدها بالتنفس تدريجياً".

وفي مشرحة أحد مستشفيات مدينة دوما يبكي نضال إلى جانب جثة ابنته، قبل أن يلتفت بحرقة الى من يقف حوله ويقول لهم "لا يزال لدي خمسة أطفال لا أعرف مكانهم"، والمشهد يتكرر في مستشفيات أخرى في الغوطة الشرقية التي اكتظت بالأطفال وبأهل يبحثون عن أبنائهم.


تلك بعض المشاهد المُروعة لما يحدث في غوطة دمشق، كما رواها طبيب يعمل في مستشفيات المنطقة، لوكالة "فرانس برس". وهي واحدة من مئات القصص المشابهة.

الطبيب الذي تحدث من مستشفى في مدينة عربين، قال عن يوم أمس الاثنين، 19 شباط/فبراير، "كان من أسوأ الأيام التي مرت علينا في تاريخ الأزمة الحالية".

وتتفق مصادر متطابقة، أن هجمة النظام الشرسة على الغوطة، أمس الاثنين، أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 200 مدني، وإصابة أكثر من 600 جريح. وتتواصل الحملة اليوم الثلاثاء، وتقول مصادر "زمان الوصل" أن القصف على أحياء مدينة دوما رفع حصيلة ضحايا اليوم إلى 85 مدنياً.

وحسب "زمان الوصل"، فإن القصف غير المسبوق على غوطة دمشق أوقع قتلى، معظمهم من الأطفال.

بدورها، قالت "فرانس برس"، نقلاً عن مراسلين لها في الغوطة الشرقية، بعد جولة على عدد من المستشفيات، أمس الاثنين، إن الأسرّة لم تعد تتسع للجرحى الذين افترشوا الأرض. ونقلوا عن أطباء إن غرف العمليات بقيت ممتلئة طيلة ساعات النهار.

في مستشفى في مدينة حمورية، روى الممرض عبدالله (24 عاماً) لفرانس برس أنه اضطر الى حمل طفل رضيع لوقت طويل بعد تضميد رأسه جراء عدم توفر سرير لوضعه عليه.

ويفاقم التصعيد في القصف المستمر منذ ليل الأحد من معاناة نحو 400 ألف شخص محاصرين.

وحذرت الأمم المتحدة ليل الاثنين من أن "الوضع الإنساني للمدنيين في الغوطة الشرقية يخرج عن السيطرة".

وقال منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية في سوريا بانوس مومتزيس في بيان "لا بد من إنهاء هذه المعاناة الإنسانية التي لا معنى لها، الآن"، مشدداً على أن "استهداف المدنيين الأبرياء والبنى التحتية يجب ان يتوقف حالاً".

وفي بيان من جملة واحدة الثلاثاء، اكتفى المدير الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا خيرت كابالار بالقول "ليس هنالك كلمات بإمكانها أن تنصف الأطفال القتلى وأمهاتهم وآباءهم وأحباءهم".

وتضمن البيان الذي تلقت وكالة فرانس برس نسخة منه مساحة بيضاء فارغة تحمل عنوان "خسائر بشرية ضخمة"، للتأكيد على رفض المنظمة للأوضاع المأسوية في الغوطة الشرقية المحاصرة منذ العام 2013.

وشهدت الغوطة الشرقية في الأسبوع الثاني من شباط/فبراير وطوال خمسة أيام تصعيداً عنيفاً مع استهدافها بعشرات الغارات، ما تسبب بمقتل ما يتجاوز 250 مدنياً.

وتقصف قوات النظام منذ ليل الأحد بالطائرات والمدفعية والصواريخ مدن وبلدات الغوطة الشرقية التي تحاصرها بشكل محكم منذ العام 2013، بالتزامن مع استقدامها تعزيزات عسكرية تنذر بهجوم وشيك على معقل الفصائل المعارضة الأخير قرب دمشق.

وذكرت صحيفة "الوطن" الموالية المقربة من النظام في عددها الثلاثاء أن الضربات التي تنفذها وحدات الجيش هي "تمهيد لعملية الغوطة الموسعة التي قد تبدأ برياً في أي لحظة".

وأمضت عائلات يومها الاثنين تحت الغارات والقذائف تبحث عن أفرادها تحت الركام وفي المستشفيات التي اكتظت بجثث القتلى وبالمصابين وبينهم عدد كبير من الأطفال. فيما تفتقر هذه المستشفيات الى الكثير من الادوية والعلاجات والمستلزمات الطبية والتجهيزات.

ترك تعليق

التعليق