مدينة فاخرة تظهر المخطط الأساس لإعادة الإعمار في سوريا


 في موقع بناء في دمشق تجول الشاحنات والجرافات جيئة وذهابا وهي تنقل الرمل والحجارة لمشروع بناء سكني راق ومراكز تسوق فاخرة.

حتى وقت قريب كانت المنطقة تضم أبناء الطبقة العاملة في منازل عشوائية وسكن غير النظامي، تمتد عبر بساتين وأراض زراعية - وكانت حتى وقت مبكر من الصراع في سوريا مركزا للاحتجاجات ضد حكومة النظام السوري. وعلى مدار العام الماضي، تم إجلاء السكان وهدم بيوتهم لإفساح المجال امام المشروع الذي تبلغ كلفته ملايين الدولارات ويعد بأنه المركز التجاري الجديد للعاصمة.


وينظر الى ماروتا، التي تعد أكبر مشروع استثماري في سوريا، على انها المخطط الأساس لكيفية قيام حكومة النظام بعملية إعادة بناء طموحة للمناطق التي دمرتها الحرب المستمرة منذ قرابة ثماني سنوات.

تستغل الحكومة قوانين جديدة للملكية لخلق مناطق تشترك فيها الحكومة ورجال الأعمال في ملكية الأحياء وإعادة تطويرها. ويقول المسؤولون ان المشاريع ترمي الى إعادة تخطيط الأحياء الفقيرة والمناطق المدمرة وجذب المستثمرين من القطاع الخاص للانضمام الى مهمة إعادة الإعمار الباهظة الكلفة.

بيد ان النقاد يقولون ان بشار الأسد يستغل مثل هذه المشاريع لتعزيز سلطته بعد الحرب، يصادر الملكيات ويعيد تشكيل التركيبة السكانية في سوريا من خلال طرد المجتمعات الفقيرة التي ينظر اليها على انها مراكز دعم المعارضة واستبدالها بمجتمعات أكثر ثراء من المرجح أن تكون من الموالين له.



ونجا الأسد البالغ من العمر 53 عاما من الحرب بفضل مساعدة حليفيه روسيا وإيران في سحق التمرد المسلح الذي هدف الى الاطاحة به.

يقع مشروع ماروتا في قلب شبكة معقدة من السياسة وإعادة البناء. بعد استعادة المدن الرئيسية في البلاد من المعارضة، تقول الحكومة ان الوقت قد حان للتركيز على إعادة البناء. لكن الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، تقول انها لن تنفق أموالا على إعادة البناء دون تحقيق تقدم حقيقي في التسوية السياسية.

قد تبدو الخطة الخاصة بالشقق الراقية ومراكز التسوق اللامعة في دمشق متناقضة على نحو خاص مع الدمار الهائل في المناطق التي يسيطر عليها المعارضون السابقون على بعد بضعة كيلومترات وفي باقي أنحاء البلاد، حيث دمرت مدن بكاملها، في مشهد يذكر بالحرب العالمية الثانية.


تشيد ماروتا في حي "بساتين الرازي "جنوب غربي دمشق، والذي يوجد في منطقة اشتهرت بالزارعة خلال العقود الماضية وانتقل إليها سوريون فقراء من الريف وشيدوا مساكن غير مرخصة.

شهدت المنطقة احتجاجات مناهضة لحكومة النظام عام 2012، لكنها قمعت سريعا ولم تكن بمنأى عن الدمار الذي أحدثته الحرب.

اعتمد المشروع في 2012 على تشريع عرف باسم "المرسوم الرئاسي رقم 66"، والذي سمح لحكومة النظام بإعادة تطوير مساكن الأحياء الفقيرة والمناطق السكنية غير القانونية بالعاصمة.

سمح ذلك للسلطات بإجلاء السكان، الذين انتشروا بشكل كبير في أجزاء أخرى من العاصمة، وسوت المنطقة بالأرض.


تدير حكومة النظام المشروع بشكل رئيسي تحت إشراف شركة مساهمة تدعى "شام القابضة" والتي تأسست عام 2016 وتمتلكها محافظة دمشق.

اجتذبت المدينة استثمارات من رجال أعمال معروفين بعلاقتهم الوثيقة مع قيادة النظام السوري، بما في ذلك سامر الفوز - وهو رجل أعمال ثري اشتهر خلال الحرب واشترى مؤخرا أسهما ضخمة في فندق "فور سيزونز" الشهير بالعاصمة.

كما يقال إن الشركة مرتبطة برامي مخلوف، ابن عم الأسد وأحد أقوى رجال الأعمال في سوريا.

"أتوقع أن تتحول المنطقة إلى مركز تجاري"، حسبما قال نصوح النابلسي، المدير التنفيذي لشركة دمشق الشام القابضة، التي تتولى أعمال الإدارة والبناء والاستثمار في المشروع.

ومتحدثا لأسوشيتد برس داخل مقر الشركة الأنيق المجاور لموقع المشروع، أضاف النابلسي أن الشركة أنفقت حتى الآن ما يعادل 70 مليون دولار على أعمال البنية التحتية لتطوير 2.14 مليون متر مربع.

ويتوقع أن تبدأ عملية البناء قبل نهاية العام.

وسيوفر المشروع 12 ألف وحدة سكنية تستوعب ما يقدر بستين ألف شخص.


وبعد الانتهاء من ماروتا، سيتم البدء في مشروع مماثل جنوب العاصمة، على مساحة أكبر من ماروتا بأربعة أضعاف، يسمى مدينة "باسيلا."

وذكر النابلسي أن خطط تطوير هذه المناطق كانت موجودة قبل اندلاع الأزمة في سوريا عام 2011.

وفي إبريل/ نيسان الماضي، أقرت الحكومة قانون الملكية رقم 10 المثير للجدل، والذي وسع النطاق الجغرافي للمرسوم 66 إلى غير دمشق وامتد لباقي مناطق البلاد، ووسعها من مساكن غير رسمية إلى ممتلكات مسجلة بشكل منتظم.

وبموجب القانون، كان أمام المقيمين في البداية 30 يوما فقط لإثبات صحة امتلاكهم للعقارات الواقعة بمناطق إعادة التطوير من أجل الحصول على أسهم في المشروع أو أراض بديلة؛ خلاف ذلك، سيتم نقل الملكية إلى الحكومة المحلية.


أثار القانون حال من الفزع بين اللاجئين في الخارج، والذين فقد العديد منهم صكوك الملكية أو لم يتمكنوا من العودة لإثبات الملكية. وعقب استهجان دولي، أعلن وزير خارجية النظام السوري في يونيو/حزيران مد فترة تقديم صكوك الملكية من 30 يوما إلى عام. لكن مسؤولا في الامم المتحدة قال، وفق معلومات حصل عليها من روسيا، ان الحكومة السورية سحبت القانون الشهر الماضي.

بيد أنه لا يوجد ما يشير إلى تعديل القانون بشكل رسمي أو صدور تأكيدات بسحبه.

وفق القانون رقم 10، تجري الآن دراسة إعادة تطوير أربع مناطق كانت خاضعة في السابق لسيطرة المعارضة في العاصمة والمناطق المحيطة بها. تشمل هذه المناطق برزة وجوبر وداريا والقابون، حيث تجري عمليات هدم واسعة بالفعل، وفقا لتحقيقات هيومن رايتس ووتش.

وقالت سارة كيالي، باحثة سورية في منظمة هيومان رايتس ووتش، إن إعادة إعمار كافة المعاقل التي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة وانعدام الشفافية حول قوانين الملكية لن يؤدي إلا إلى تفاقم الشكوك.

وأوضحت في مقابلة مع الاسوشييتد برس إن "قوانين الحكومة للتخطيط الحضري غالبا ما تستخدم لمصادرة ممتلكات السكان، وتركهم دون أي سكن بديل أو تقديم تعويضات لهم، ومن ثم فهي تنتهك حقوق الملكية الخاصة بهم على أكثر من مستوى".

غير أن إحدى سكان حي المزة بدمشق التي تمتلك عائلتها ضيعة في منطقة بساتين الرازي القريبة والتي تتابع القانون عن قرب ترى أن قوانين الملكية الجديدة ليست بالضرورة أمرا سيئا، لكن تنفيذها يعطي الانطباع بأن الحكومة تسعى لطرد الفقراء من منازلهم وجذب الأثرياء.

وقالت إن عمليات الهدم بدأت دون توفير مساكن بديلة، وكثيراً ما كانت أموال الإيجار المعروضة غير كافية لاستئجار سكن داخل دمشق. تحدثت السيدة شريطة عدم الكشف عن هويتها بسبب المخاوف الأمنية.

يرفض النابلسي هذه الادعاءات ويؤكد أن الجميع تم تعويضهم بأكثر من القيمة الفعلية لمنازلهم.

وقال إنه لا حرج في تطوير المجتمع، مضيفاً أن الفقراء الذين تم استغلالهم كانوا سببا في اشتعال الأزمة السورية.

وقالت كيالي "إن خطأ الحكومة هو أنها لم تقم بتطوير هذه المناطق وسمحت لهم بتحويلها إلى مناطق سكنية غير قانونية، ما جعلنا ندفع ثمنا باهظا لهذا".

وأضافت إن ثمة قلقا من أن يتم استخدام القوانين كشكل من أشكال "العقاب الجماعي" ضد معارضي الحكومة ونزع الملكية من الفقراء.

وأضافت "سيؤدي ذلك إلى تفاقم اختلال التوازن الاجتماعي والاقتصادي الذي كان في الواقع أحد أسباب الانتفاضة".

ترك تعليق

التعليق