تجربة دار نشر عربية افتتحها سوريّ في اسطنبول
ربما كان من الأمور الصعبة التي عانى منها السوريون ومهجري الربيع العربي في بداية قدومهم إلى تركيا عدم وجود كتب عربية إلا المرتبطة بالاختصاصات الأكاديمية كالشريعة الإسلامية والأدب العربي وهي مع ذلك قليلة وليست واسعة العناوين.
في عام 2013 بدأ السوريون بافتتاح دور نشر ومكتبات عربية في ولاية إسطنبول التركية ثم تلا ذلك انطلاق معارض الكتب العربية في المدينة المرتبطة تراثياً وثقافياً إلى حد كبير باللغة العربية والعرب والمسلمين إذ استمرت كعاصمة لهم لأكثر من 400 عام.
لم يكن ذلك فقط هو ما تفتقده إسطنبول، أيضاً غياب كتب وقصص الأطفال العربية التي تساعد الطفل ما قبل المدرسة وما بعدها على توثيق علاقته مع لغته الأم في خضم مجتمع تركي لا يتحدث لغة المشرق الأولى.
موقع "اقتصاد" التقى "زهير البري" مؤسس دار "أفكار ناشرون" والتي تُعنى بنشر كتب متخصصة بالأطفال والمحتوى التربوي لليافعين والناشئة، بالإضافة لكتب موجهة للشباب من أدب وتنمية وتفكير.
"البري" من خريجي جامعة دمشق كلية الآداب قسم اللغة العربية وحاصل على دبلوم في التأهيل التربوي، ويحضر لرسالة الماجستير في التربية والفكر المعاصر ويشغل في دار "أفكار" رئاسة شقيها الإداري والتنفيذي.
قال "البري": "كانت إسطنبول تعاني، وخاصة في المرحلة الأولى من الانتشار السوري والعربي فيها، إلى حاجات ثقافية جنباً إلى جنب مع الاهتمام بالتعليم ومستقبل الأطفال العرب هذا جعلني أفكر بفكرة إنشاء دار عربية هنا، والسوق يحتاج لذلك، حتى أننا لم نختر اسم الدار جزافاً فـ (أفكار) هي اختصار لـ(ابداع – فكرة جديدة – كتاب ورقي – ابتكار – رسالة)".
و"أضاف البري": "تعتبر بيروت الأولى وربما الوحيدة التي تستقطب دور النشر العربية والجهات الحكومية والمؤسسات الخاصة لوجود عدد من الميزات التي تقدمها للناشرين منها (موقع لبنان الوسط، وجود طرق سهلة للتوزيع عبر الشحن البري والجوي والبحري، الجودة العالية للطباعة تفوق العالمية، سهولة التحويل المالي ودفع المستحقات، الإنجاز السريع وتسليم الكتب بتواريخ دقيقة)، مع ذلك تدخل مصر حديثاً إلى ميدان المنافسة بأسعار أقل ولكن الجودة للبنان".
وأردف "البري": "مع ازدياد الوافدين العرب لتركيا انتقل إليها الكتبيين من عدة دول أسوة بباقي المهن، وتم التواصل مع المطابع التركية وبعد عدة زيارات تم نقل الطباعة من بيروت والقاهرة إلى إسطنبول حيث يعمل اليوم في عاصمة تركيا الاقتصادية أكثر من 30 ناشراً وكُتبياً، إذ أن الطباعة في تركيا تتميز بأسعارها الجيدة والتنافسية وبالأخص توفير كلفة الشحن والجمارك المفروضة على الكتب المستوردة من خارجها".
وبيّن " البري": "طبعاً جودة الطباعة وأسعارها الجيدة دفعت بالعديد من الناشرين والمؤسسات العربية للقدوم إلى تركيا وأتوقع خلال فترة قصيرة قادمة أن ينتقل مركز الطباعة الرئيسي عربياً من بيروت إلى إسطنبول".
من يتجول في أسواق تركيا القديمة التي تبيع الكتب وحتى مكتباتها الحديثة يجد أن الكتب التركية ذات جودة عالية وأسعار منخفضة ولها أغلفة بتصميمات جميلة للغاية، ويعود ذلك لنوعية الورق المستخدم حيث أن أغلب المطابع التركية تستخدم ورق مصقول خفيف وغير ملون وإن تواجدت الكتب الملونة فهي بأسعار مناسبة، وفق "البري".
يعتبر السوق التركي من أهم الأسواق العالمية بما يخص الكتاب الورقي، فالشعب والمجتمع التركي قارئ ومثقف حيث يحتل المرتبة الحادية عشر على مستوى العالم بعدد قراء الكتب، والمستوى التاسع عالمياً من حيث الكتب المطبوعة والتي بلغت عام 2015 (620.751.000) كتاباً، وهذا قد أثر على المجتمع السوري والعربي الكبير الذي يتواجد في تركيا ما جعل هناك ازدياداً واضحاً في نسبة القراء العرب خصوصاً القادم من بلدان الربيع العربي.
وبحسب "البري" ينتقد العرب المقيمون في تركيا غلاء أسعار الكتب العربية ويعود ذلك إلى احتساب سعر الكتاب العربي بالدولار الأمريكي، وارتفاع أجور الشحن والجمارك على الكتب المستوردة، بالإضافة للتكاليف العالية المصاحبة لبيع الكتب كالتسويق والتخزين.
وعلى مستوى دار "أفكار" أكّد "البري" أنهم أصدروا حتى الآن 88 إصداراً وكتاباً ومؤلفاً خلال خمس سنوات من بداية تأسيس الدار في 2013 وحتى 2018. "ونطمح ألا ينتهي هذا العام إلا بـ 100 عنوان. فيما ستكون خطتنا لعام 2019 أن نصل بعدد إصداراتنا للضعف إذ نعكف على إطلاق مشروع جديد مطلع العام القادم هو مبادرة لقصص الأطفال من ستة مستويات من الطفولة المبكرة وحتى 18 تحت إشراف لجنة علمية تربوية وأهل اختصاص".
ولا يخفى أنّ أهم سوق لكل ناشر هو معارض الكتب التي تقيمها الدول في أوقات دورية من كل عام، حيث قال "البري": "شاركنا خلال خمس سنوات في أكثر من 15 معرض كتاب عربي ودولي كالمعارض التي أقيمت في كل من (الشارقة والدوحة وبيروت ومسقط وإسطنبول)، كما كان لنا مساهمات في العديد من برامج الزمالة لترجمة الكتب وشراء الحقوق والتعاون بين دور النشر في العالمين العربي والإسلامي".
لقد استطاع السوريون بسبب التواجد الكبير لهم في تركيا من إبراز حالة ثقافية بالتعاون مع الجانب التركي والجاليات العربية ليست ذات أثر فقط، وإنما لها دور ثقافي إذ أن نسبة الزبائن الأتراك المهتمين بالعربية في معارض الكتب التي تقام في إسطنبول والمكتبات العربية ليست قليلة بل وتزداد يوماً بعد يوم.
التعليق