اقتصاديون يردون على السؤال: هل اللاجئون السوريون، حقاً، "عالة" على بلدان اللجوء؟


تمكّن السوريون من وضع لمساتهم على اقتصاديات الدول التي لجؤوا إليها منذ بداية الحرب بعد أن تعذرت الحياة في بلدهم، وتمثل ذلك في مئات المشاريع الناجحة وعلى مختلف المجالات والصعد الصناعية والتجارية والحرفية.

 وفي هذا السياق أشار مركز "وقف أبحاث السياسات الاقتصادية التركية" إلى أن السوريين تمكنوا من تأسيس أكثر من 10 آلاف شركة في تركيا بمعدل 4 شركات يومياً خلال سبع سنوات فقط، فيما أكد "المنتدى الاقتصادي السوري" الذي يُعنى بتنمية مبادرات الأعمال بين أفراد الجالية السورية أن أكثر من 1250 شركة سورية مسجلة لدى غرفة التجارة والصناعة في غازي عينتاب فقط.

وبلغت التدفقات المالية للسوريين في مصر خلال تسعة أشهر فقط 70 مليون دولار، وبحسب تقرير لوزارتي الاستثمار والتعاون الدولي والتجارة والصناعة في مصر بلغ عدد الشركات التي أسسها مستثمرون سوريون خلال 9 أشهر فقط من العام 2018 / 818 شركة وبذلك اعتبرت الإستثمارات السورية في مصر هي الأكبر مقارنة باستثمارات مواطني الدول التي تشهد أزمات مثل ليبيا واليمن.

 أما في لبنان فأشارت احصائية حديثة للجامعة الأميركية في بيروت إلى أن السوريين ضخوا في الاقتصاد اللبناني 1،04 مليون بشكل يومي واستحدثوا 12 ألف وظيفة بين اللبنانيين في العام 2016 فقط.

 كما بلغت قيمة الأثر المادي للسوريين في الأردن 4 مليار دولار سنوياً و20% من النمو الكلي بالأردن كان بفضل إسهامات السوريين الاقتصادية- بحسب دراسة للخبير المالي الأردني خالد الوزني-.

 واحتلت الاستثمارات السورية المرتبة الثانية في السودان خلال العام 2016 وتقدمت في السنوات التالية بعد رعايتها من الحكومة هناك، كما أفادت إحصائية صادرة عن الحكومة السودانية نشرتها شبكة "سودافاكس" في العام 2016.

وكان الأمر نفسه في الكثير من البلدان التي استقبلت لاجئين سوريين. ومع ذلك تزعم بعض هذه الدول أن اللاجئين السوريين باتوا عالة وعبئاً ثقيلاً على اقتصاداتها.
 
ولفت الدكتور والأكاديمي الاقتصادي "عماد الدين المصبح" لـ "اقتصاد" إلى أن الفرد السوري امتاز عبر التاريخ بأنه إنسان نشيط اقتصادياً ويجد من الصعوبة أن يصبح عالة على الآخرين أو محلاً لتلقي المساعدات، سواء من الأفراد أو المؤسسات الخيرية أو حتى من الدول نفسها، كما يجد صعوبة أيضاً في أن يجلس دون عمل حتى وإن اضطر للعمل بشكل مجاني.


 ولفت المصبح إلى أن السوريين أثرّوا بشكل إيجابي كبير على اقتصادات العديد من الدول كالأردن وتركيا ومصر خلال السنوات الثماني الأخيرة، وهذا الأمر يمكن ملامسته من خلال المشاهدات والمعرفة الشخصية دون الإعتماد على الوثائق أو المسوح، مضيفاً أن السوريين أبدعوا في الجهاز الإنتاجي لهذه الدول وغيرها وعلى صعيد خلق وظائف ومهن جديدة عندما توفرت لهم الظروف الموضوعية.

أبدع السوريون الذين لجؤوا إلى مصر في مجال المطاعم والأغذية وأظهرت عشرات التقارير والفيديوهات قصص نجاح لافتة في هذا المجال، وأشار الكثير من أساتذة الجامعات المصرية والمحللين الإقتصاديين إلى أن ظاهرة نجاح السوريين غيرّت وجه صناعة المطاعم والمقاهي والأنشطة المرتبطة بالأكلات السريعة في مدن كثيرة ولا سيما في مدينة 6 أكتوبر وفي المدن الأخرى، ونوّه المصبح إلى أن المدن المصرية باتت تشهد تسابقاً من قبل المصريين على الوقوف في طوابير للحصول على وجبات من مطاعم أنشأها ويعمل بها سوريون نظراً للإتقان والنظافة والأسعار المنافسة.

المصبح أشار إلى أن تأثير السوريين في المجال الاقتصادي امتد إلى تركيا حيث انتقلت الكثير من المصانع والشركات التي كانت في منطقة الشيخ نجار الصناعية إليها، كما خلقت فرص عمل كثيرة للسوريين والأتراك على حد سواء، وانتقلت الكثير من المصانع السورية إلى الأردن مثل مصنع "الدرة" للمنتجات الغذائية وحتى الأوروبيين استفادوا-حسب قوله- من هذه الطاقة الإنتاجية المبدعة التي يملكها السوريون كماً ونوعاً كما في ألمانيا وبعض الدول الأوروبية والإسكندنافية.

ولفت محدثنا إلى أن توفر الخصائص الفردية المشار إليها آنفاً والعوامل الموضوعية كان لهما نتائج إيجابية على مستوى الإقتصادات المستقبلة للسوريين ولكن بعض الدول وبخاصة العربية-بحسب الأكاديمي السوري- ضيقت على السوريين الذين لجئوا إليها، واتهمتهم لاحقاً بأنهم عالة على اقتصاداتها على الرغم من أن المجال لو أُفسح أمامهم أكثر وأُعطوا الظروف الموضوعية لكانوا أثروا بشكل أكبر على تلك الإقتصادات، ولساهموا في التخفيف من حدّة البطالة والأزمات الأخرى التي تعاني منها بعض تلك الدول.

 واستدرك محدثنا أن السوريين لم يكونوا يوماً عالة على أحد بل يحملون في ذاتهم إمكانيات إنتاجية هائلة يمكن الاستفادة منها إذا توفرت العوامل الموضوعية، ولكن غياب هذه الظروف-حسب قوله-سوف يترك آثاراً سلبية اجتماعية واقتصادية سواء على السوريين أو على المجتمعات المضيفة التي تؤويهم وتدعي أنهم عالة عليها.

وبدوره أشار المهندس "عماد غليون" المهتم بالدراسات الإقتصادية لـ"اقتصاد" إلى أن دول الجوار السوري أرادت منذ البداية التلاعب بملف اللاجئين السوريين واستغلالها "سياسياً واقتصادياً" وتحصيل تمويل ومساعدات دولية بحجتهم، لافتاً إلى أن "السوريين لم يغادروا بلادهم إلا مجبرين تحت ضغط قمع النظام وتهجيره وتعسفه وكانت أسباب اللجوء إنسانية سياسية ولم تكن اقتصادية أو سعياً لتحسين مستوى المعيشة".


 وتابع غليون أن دول الجوار العربي وتركيا لم يعاملوا اللاجئين بشكل إنساني وفقاً لما تنص عليه القوانين الدولية ومعاهدة جنيف، حيث تم إقامة بضع مخيمات بشكل مقبول في تركيا وبشكل مزرٍ في لبنان والأردن، بينما دفع معظم اللاجئين أجور ونفقات المعيشة والسكن من جيوبهم الخاصة.

غليون أكد أن اللاجئين السوريين ساهموا بشكل مباشر في زيادة معدلات التنمية في بلدان اللجوء، مضيفاً أن تلك الدول استفادت من وجودهم عن طريق المساعدات التي تلقتها بحجة وجودهم، وعن طريق إنفاقهم الضخم على تكاليف معيشتهم من جيوبهم الخاصة، وبعد ذلك عن طريق انخراطهم في النشاطات الاقتصادية في تلك البلدان لما يتمتعون به من إمكانيات مالية وخبرات فاعلة مميزة في التجارة والصناعة حيث قاموا بافتتاح الكثير من المنشآت الحيوية التي دفعت عجلة النمو الاقتصادي في تلك البلدان.

 وطالب غليون بتصحيح النظرة الخاطئة التي ترى أن اللاجئين عالة وعبء على بلدان اللجوء عن طريق البيانات وكشف تلاعب تلك الدول بهم وعملية الخداع التي مارستها بحجتهم، ولكن الحاجة لمزيد من البيانات والإحصاءات توثق ذلك وتؤكده.

ترك تعليق

التعليق