التفتيش يطال غرف نوم الأساتذة في طرطوس


كل شيء تم إفساده في "سوريا المفيدة"، والنظام يدّعي محاربة ما أفسده، وهذه الحال هي في كل ما يتعلق بحياة الناس الاقتصادية والاجتماعية وحتى التعليمية، وهذه الأخيرة لها حكايتها منذ أن بدأ حزب البعث يقود التعليم من النشيد الصباحي في المدارس، واختيار الأساتذة على أساس ولائهم السياسي والطائفي إلى إفسادهم بالتعليم الخاص.

حرب كاذبة

قبل أن تقضي الحرب على البنية الأساسية للتعليم من مدارس وكوادر بسبب الموت الذي نشرته قوات النظام سمح بإنشاء المعاهد والمدارس الخاصة كجزء من إفساد بنية التعليم الحكومي، ومن ثم اكتشف أنها بدأت تنافس مدارسه وربما تخرج عن سيطرته السياسية والإدارية فأصدر قرارات بإغلاقها أضرت باستثمارات الكثيرين ممن وضعوا ما جنوه من مال الغربة والعمر في معهد أو مدرسة خاصة.

حرب كاذبة خاضها النظام تحت شعارات عريضة عن حماية الطلبة ومجانية التعليم، وهذا فتح الباب للدروس الخصوصية التي انتشرت إعلاناتها الصغيرة تحت جسور العاصمة وعلى جدرانها، وكذلك ساهمت الرواتب الزهيدة للمعلمين وغلاء المعيشة وارتفاع الأسعار في ذهابهم للدروس الخصوصية كدخل إضافي يحسن أحوالهم.

دروس خاصة وتوقعات مأجورة

احتكر بعض الأساتذة المشهورين الدروس الخصوصية في فترات التحضير للامتحانات الثانوية والاعدادية، وانتشرت كتيبات التوقعات في المكاتب كأنها الخلاص، وهؤلاء كانوا يتقاضون قبل الحرب أجوراً تعتبر كبيرة إذ تصل أجرة الدرس الواحد للطالب بين 1000- 2000 ليرة سورية.

اما الأساتذة العاديون فأجورهم لم تتجاوز 500 ليرة، وفي الأرياف ما بين 200-300 ليرة سورية، وبدأت ظروف الأساتذة بالتحسن، كنتيجة لذلك، وأما كبارهم و(هواميرهم) فجنوا ثروات كبيرة.

استثمار الحرب

وجد كثير من الأساتذة في الحرب فرصة للاستثمار بدعوى عدم قدرة التلاميذ على مواكبة العملية التعليمية بسبب (المجموعات الإرهابية)، ومخاطر القصف بالهاون، والغلاء وسواها مما كان يروجه النظام، وارتفعت معها أسعار الدروس الخصوصية لتصل حسب صحيفة الوطن الموالية في أحد أعدادها نقلاً عن أحد مسؤولي التربية لما يقارب 12000 ليرة للدرس الواحد.

وفي الوقت نفسه أثارت هذه الأسعار استنفار ألأهالي، وعدم قدرتهم على دفع ما يتطلبه هذا النمط الجديد من التعليم الذي من دونه لن ينجح أبناؤهم، وهذا ما سيستغله النظام ليكون حاضراً في هذا المجال.

البداية من طرطوس

وزراة التربية اتخذت قرارات جدية لمحاربة الظاهرة نتيجة ازدياد الشكاوى، والقرارات تفرض غرامة حدها الأقصى 500 ألف ليرة وإحالة المدرس إلى الرقابة الداخلية، وإغلاق المكان إن كان معهداً أو منزلاً مخصصاً لإعطاء الدروس الخاصة.

وكالة "روسيا اليوم" نشرت تحقيقاً عن مداهمات للمعاهد والبيوت الخاصة بالدروس، وقالت إن الحملة وصلت لتفتيش البيوت بكافة غرفها، ونقلت عن أحد المدرسين: "أفراد الضابطة العدلية، للمديرية، فتشوا حتى غرف النوم".

أما لماذا محافظة طرطوس بالذات؟، فنقلت الوكالة عن معاون مدير التربية أنها أكثر المدن شكوى من الظاهرة، أما المدرسون فيها فيعللون إعطاءهم للدروس الخاصة أن رواتبهم لا تكفي لسد متطلبات الحياة وحسب أحدهم، فإن راتبه يعادل نحو 45 ألف ليرة سورية، أي أقل من 100 دولار.

صورة عن النظام

التعليم في سوريا في هذه الآونة هي إحدى الصور التي تجلى فيها فساد النظام وهشاشته، ويتذكر السوريون مشهد الطلبة الذين يدخلون الامتحانات بلباسهم العسكري، وكانت الحرب فرصة للشبيحة وأبنائهم ليحصلوا على الشهادات بالتزوير والتدليس، وهذا هو الجزء البسيط من الفساد الذي يتمظهر في أعلى أشكاله في تحويل المدارس إلى ثكنات ومراكز لتوزيع المخدرات وتجارة الجنس، والترويج أخيراً للمحتل عبر فرض اللغة الروسية كإحدى اللغات الأساسية في العملية التعليمية.

ترك تعليق

التعليق