نظرة فاحصة- ما هي المخاطر التي تحدق بقطاع النفط الليبي مع اشتعال الصراع من جديد؟


شنت قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) بقيادة خليفة حفتر هجوما الأسبوع الماضي للسيطرة على العاصمة طرابلس، مما ألقى بالبلد العضو في أوبك في أتون جولة جديدة من الصراع المسلح.

ويواجه الجيش الوطني الليبي مقاومة شديدة من جماعات مسلحة منافسة في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار النفط لتتجاوز 70 دولارا للبرميل، مدفوعة بمخاوف من خسائر جديدة في الإنتاج الليبي.

وإذا انزلق البلد إلى مزيد من الاضطرابات، فإن أمورا كثيرة ستكون على المحك، وخصوصا أن ليبيا مورد رئيسي للنفط والغاز إلى أوروبا ونقطة انطلاق لتدفقات المهاجرين إلى إيطاليا.

* كيف وصلنا إلى هذه النقطة؟

بدأ الانقسام في ليبيا في عام 2011 عندما حملت جماعات محلية السلاح ضد معمر القذافي أثناء انتفاضات الربيع العربي، لكنها بدأت في قتال بعضها البعض.

وحكم القذافي ليبيا بقبضة حديدية لمدة 42 عاما، باسطا سيطرته على مختلف القبائل.

ومع زيادة عدد الفصائل المسلحة المتناحرة واكتساب المتشددين الإسلاميين موطئ قدم في ليبيا بعد سقوط القذافي، قدم حفتر الذي كان لواء في جيش القذافي نفسه على أنه الرجل القادر على سحق المتشددين وإخضاع الفصائل المسلحة.

لكن حفتر ذاته شخصية مثيرة للانقسام الشديد. وضعفت حملاته العسكرية واتهمه منتقدوه بالسعي لإعادة ليبيا إلى الحكم السلطوي.

* المعركة على النفط الليبي

تراجع إنتاج ليبيا إلى 150 ألف برميل يوميا فقط في مايو أيار 2014، بعدما كانت قبل الانتفاضة ثالث أكبر دولة منتجة للنفط في أفريقيا بإنتاج يبلغ 1.6 مليون برميل يوميا. ووفقا لتقديرات رويترز، يبلغ إنتاج ليبيا حاليا نحو 1.1 مليون برميل يوميا.

وباعتباره عماد الاقتصاد الليبي، كانت السيطرة على قطاع النفط في بؤرة الاضطرابات التي أعقبت الإطاحة بالقذافي عام 2011، إذ يدور صراع بطيء الإيقاع على النفط يتخلله اندلاع قتال مستعر من حين لآخر.

واستغلت الفصائل المنشآت النفطية كأوراق للمساومة على مطالبها المالية والسياسية. وجرى إغلاق حقول وموانئ في شرق ليبيا في الفترة بين عامي 2013 و2016.

وفي عام 2016، سيطر حفتر على معظم المرافق النفطية في شرق ليبيا، وتوغلت قواته هذا العام إلى الجنوب لتبسط سيطرتها على حقلي الشرارة والفيل النفطيين الرئيسيين.

وطردت قوات محلية مدعومة بضربات جوية أمريكية تنظيم الدولة الإسلامية من معقله في مدينة سرت في نهاية عام 2016، لكن بعض المرافق النفطية التي تعرضت لهجمات التنظيم لم يتم إصلاحها حتى الآن.

* من يسيطر على النفط الليبي؟

الإجابة البسيطة هي المؤسسة الوطنية للنفط التي تتخذ من طرابلس مقرا لها. فهي الكيان الوحيد الذي يدير عمليات حقول النفط والغاز، والجهة الوحيدة المعنية بتسويق النفط الليبي في الخارج.

لكن منذ عام 2014، بات المشهد معقدا جراء التنافس بين حكومتين إحداهما في طرابلس والأخرى في شرق البلاد، وتتحالف كل منهما مع فصائل مسلحة متنافسة.

وتوجد معظم البنية التحتية لقطاع النفط الليبي في شرق البلاد. ورغم تنامي قوة الجيش الوطني الليبي، معززا مركزه في الشرق، فإن عائدات النفط ظلت تتدفق على مصرف ليبيا المركزي في طرابلس. وارتفعت العائدات نحو 80 في المئة لتصل إلى 24.5 مليار دولار في عام 2018.

ويوزع المصرف المركزي الأموال بما في ذلك رواتب موظفي القطاع العام في أنحاء البلد، لكن الفصائل في الشرق تقول إنها تحصل على أقل من نصيبها العادل متهمة البنك المركزي في طرابلس بالمحاباة والفساد، وهو ما ينفيه المصرف.

ومع تذبذب إنتاج النفط، تراجعت مستويات المعيشة تراجعا حادا. وتواجه فصائل شرق البلاد على وجه الخصوص صعوبة في الحصول على تمويل، مما دفعها لطباعة أوراق نقدية في روسيا وبيع سندات تتجاوز قيمتها 23 مليار دولار.

وتحاول المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس أن تنأى بنفسها عن الصراع السياسي، لكن حكومة شرق البلاد المتحالفة مع الجيش الوطني الليبي أنشأت مؤسسة نفط وطنية موازية في بنغازي، والتي سعت أكثر من مرة للسيطرة على بعض صادرات النفط الليبية لكن مساعيها لم تكلل بالنجاح.

وتجد المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس أيضا صعوبة في تدبير الأموال اللازمة لإصلاح البنية التحتية المتهالكة، كما تعاني من انقطاع متكرر للكهرباء في خضم الاضطرابات السياسية.

* هل هذه مجرد مشكلة داخلية؟

لا. فهناك شركات مقرها في دول تلعب أدوارا رئيسية في الصراع الليبي إما تملك حصصا قائمة في قطاع النفط والغاز الليبي أو أنها تتطلع لاستثمارات في المستقبل.

ولدى شركتي إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية مشروعات مشتركة مع المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس، لكن هناك خلافا حادا بين حكومتي البلدين بشأن السياسة تجاه ليبيا.

وغالبا ما يُنظر إلى الصراع في ليبيا على أنه صراع بالوكالة بين قوى في المنطقة، إذ يحظى الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر بدعم الإمارات العربية المتحدة ومصر، فضلا عن دعم روسيا ولكن بدرجة أقل.

ترك تعليق

التعليق