سمير سعيفان لـ "اقتصاد": معادلة صفرية تحكم العلاقة الروسية – الإيرانية في سوريا


يتردد أن سامر فوز هو واجهة لحمشو وماهر الأسد.
إيران لا تريد أي  حل سياسي في سوريا، فسوريا غاية بحد ذاتها.
روسيا تريد أن تصل إلى حل سياسي محتواه "روسي"، وقشرته "أممية".
النظام مانع وسيمانع في إبرام أي حل ما لم يرغم على ذلك.
على السوريين الانتظار والمراقبة، فقد أخرج الأصدقاء والأعداء، السوريين، من معادلة الحل.


يعتقد الخبير الاقتصادي السوري، الدكتور سمير سعيفان، أن أسماء كـ سامر فوز، ووسيم قطان، ومازن ترزي، هي مجرد واجهات لنخبة نظام الأسد الحاكمة. كما وينفي إمكانية تبلور طبقة برجوازية سورية جديدة، تتمتع باستقلالية نسبية في قرارها عن سلطة نظام الأسد، في ظل المشهد السوري الراهن.

وفي الجزء الثاني من حوار "اقتصاد" و"زمان الوصل"، معه، يذهب سعيفان إلى أن كل من روسيا وإيران تستخدمان العقوبات على نظام الأسد لإرغامه على الانصياع لمصالحهما. لكنه ينوه، في الوقت نفسه، إلى أن الطرفين، روسيا وإيران، تتنافسان بموجب معادلة صفرية في سوريا، بحيث أن أي زيادة لنفوذ الطرف الأول، تعني تراجعاً لنفوذ الطرف الثاني، والعكس بالعكس.

ويختم سعيفان بالإشارة إلى أنه مع إدارة ترامب يصعب التنبؤ بمستقبل الأزمة السورية، وبالتالي، الأزمة المعيشية الراهنة في سوريا، فكل السيناريوهات ممكنة.

وننشر فيما يلي الجزء الثاني من هذا الحوار.


مع صعود أدوار رجال الأعمال من تجار وصناعيين في الداخل السوري، مؤخراً، تختلف القراءات لهذا الصعود، بين من يراهم مجرد واجهات لخدمة مصالح النظام، وبين من يرى بأن طبقة التجار والصناعيين الصاعدة مؤخراً، تستفيد من تراجع قوة النظام على صعيد العلاقات الخارجية، وحاجته لوجوه غير رسمية لتمثيله وإدارة نشاطاته الخارجية، بصورة قد تجعل من تلك الطبقة، قوة تحظى بهامش أكبر من الحرية بعيداً عن حالة التبعية الكاملة للنظام، التي كانت تتصف بها، قبل الثورة.. فما رأيك بهذه النظرية؟، وهل ترى أن تبلور طبقة بورجوازية جديدة، ذات تماسك داخلي، واستقلالية نسبية في القرار، أمر ممكن في المشهد السوري الراهن؟، أم أن ذلك مستحيل مع حالة السيطرة الشمولية (الأمنية) التي يمارسها النظام؟
 

الظروف التي سادت خلال السنوات الثمان الأخيرة تفتح فرص اغتناء سريع لعدد من فئات رجال الأعمال أو من يعملون بمهن سوداء، ويكون بعض هؤلاء مدعوماً من أجهزة السلطة، أما بعضهم فيكبر بدون هذا الدعم مستفيداً من شروط مناسبة، وكلما كبر وزاد الغنى احتاج الأمر إلى مسؤول أكبر يحميه إن لم يشاركه. ولكن هذا الوصف لا ينطبق على رجال أعمال برزوا فجأة كأغنياء جداً يستحوزون على صفقات كبيرة لم تكن متاحة سوى للنخبة الضيقة المحيطة بالأسد. فهؤلاء لا يكبروا لوحدهم، ولا يكبرون لحسابهم بل كواجهات لغيرهم. فالعقوبات على رجال أعمال السلطة المعروفين تدفع بالنظام للبحث عن وجوه جديدة، ولكن هذه الوجوه تعمل كواجهة فقط وكوكلاء عن رجال الأعمال الراسخين. مثلاً يتردد أن سامر فوز هو واجهة لحمشو وماهر الأسد، وقد كان حتى 2013 اسماً مغموراً لم يُسمع به في عالم الأعمال. ثم بين ليلة وضحاها برز كملياردير يستطيع أن يشتري حصة الوليد ابن طلال في فندق الفورسيزن وأن يشتري نادي الشرق من الحبوباتي، ويطلق مشروع ماروتا وتلفزيون لنا وغيرها الكثير.

ومثله الوجه الجديد وسيم قطان، فقد لمع نجمه مؤخراً، ويتردد أنه واجهة لرامي مخلوف، وقد وقّع عقداً لاستثمار فندق الجلاء في المزة وتعهد مجمع يلبغا وغيرها، ومثلهم مازن ترزي ويتردد أنه واجهة أيضاً لرامي مخلوف، وقد اشترى فندق شيراتون صيدنايا ويعمل لتأسيس جامعة وشركة طيران. فهؤلاء جميعاً واجهات.

أنا لا أرى ثمة فرصة لتبلور طبقة بورجوازية جديدة، ذات تماسك داخلي، واستقلالية نسبية في قرارها، فهذا أمر غير ممكن في المشهد السوري الراهن، فبروز هذه الطبقة يتطلب مناخاً تسوده قوانين اقتصاد السوق الحر التنافسي الذي لا تسيطر عليه مافيات المال والسلطة، ولا يتم توجيهه بتهديدات الأمن والاعتقال للمخالفين، مناخ تسوده المنافسة ويحكمه القضاء النزيه والكفء والفعال، بل تتطلب مناخ سلام واستقرار، ومناخ من الحريات السياسية والحريات العامة في التنظيم والتعبير، وكل هذه الشروط لا تتوفر الآن ولن تتوفر بدون انتقال سياسي ينهي الدولة الشمولية.


مع تدهور الأوضاع الخدمية والمعيشية في الداخل السوري، استعاد بعض المراقبين نظرية قديمة، تم تجاهلها في السنوات القليلة الفائتة، وسط زخم الصراع المسلح، ومفادها، أن الاقتصاد قد يكون مدخلاً لإسقاط النظام، أو على الأقل، دفعه لتقديم تنازلات سياسية جدية.. فهل تعتقد أن هذه النظرية قابلة للتحقيق في المستقبل القريب بسوريا، ربما بضغوط روسية، بهدف التوافق مع الغرب، والدفع باتجاه تسوية سياسية، تسمح بعملية دولية لإعادة الإعمار بسوريا؟، أم أن عصبية النخبة الحاكمة في رأس هرم النظام أقوى من أن تقدم أي تنازلات سياسية، مهما تفاقمت الضغوط الاقتصادية؟.. وهل تعتقد أن الضغوط الاقتصادية المتفاقمة، مع وجود نفوذ روسي كبير داخل مؤسستي الجيش والأمن، قد تسمح لسيناريو انقلاب على رأس النظام؟، أم أن الوجود الإيراني يشكل عائقاً أمام هكذا سيناريو؟


العقوبات لا تُسقط أنظمة شمولية، فالنخبة الحاكمة في هذه الأنظمة لا تهتم سوى ببقائها ولو على كومة من الخراب ضمن استراتيجيات، "كل شيء أو لا شيء"، ثم إن غاية العقوبات الاقتصادية أصلاً هي تغيير سلوك النظام وليس إسقاطه. وقد كانت هذه استراتيجية المجتمع الدولي، أي استراتيجية أمريكا وأوروبا، وأيدتها مجموعة أصدقاء الشعب السوري المكونة من أكثر من 70 دولة، ولكن العقوبات  تضعف قدرة النظام وتساعد في تشقق مكوناته وتسهم مع ضغوط أخرى في تحقيق الأهداف السياسية، وإن كان فقراء الناس هم من يدفع الثمن المباشر. 

والعقوبات الاقتصادية، رغم أنها تعاقب عموم السوريين وليس النخب المتسلطة أو الغنية، فهي تضعف النظام وتضعف قدرته، وإن كانت خانقة فهي تشل آلته العسكرية مما يؤدي لسقوطه، ورغم أن هذا التهديد كان جدياً في سنتي 2013 وحتى 2015، قبل تدخل روسيا، فقد رفض النظام أن يغير قيد شعرة في سلوكه، وبقي يلعب على حافة الهاوية، وكان مقدراً له أن يسقط لولا مساعدة إيران وضبط معارك الفصائل المسلحة من قبل غرفتي العمليات "الموك" في الأردن و"الموم" في تركيا.

ذكرت من قبل أسباب تفاقم الأزمة وأن كل من روسيا وإيران تستخدمان العقوبات كأداة لإرغام النظام على الانصياع إلى جانبهما، فهما تتنافسان على السيطرة عليه، وهي معادلة صفرية بين روسيا وإيران، بمعنى أنه إذا زاد نفوذ روسيا على النظام فسيكون هذا على حساب تراجع نفوذ إيران والعكس بالعكس. وكما ذكرت فإيران لا تريد أي  حل سياسي في سوريا، فسوريا غاية بحد ذاتها، وتريد أن ترى كل ما يمت للمعارضة بصلة وقد هُزم شر هزيمة، وهم يظنون اليوم أنهم منتصرون، أما روسيا فالأمر مختلف معها، فسوريا جزء من استراتيجية دولية للصراع مع الغرب، وليست قضية قائمة بذاتها، والصراع مع الولايات المتحدة هو ما يهم بوتين أكثر، ولكن الصراع في سوريا منح بوتين ورقة إضافية وعظم من دور روسيا كلاعب دولي، ولكن روسيا تريد أن تصل إلى حل سياسي محتواه أستانا أي "روسي"، وقشرته جنيف أي "أمم متحدة"، كي تستطيع أن تسّوقه لدى الولايات المتحدة وأوروبا ودول الخليج كي تفتح الطريق أمام تعويم النظام وشرعنته ثانية لدى هذه القوى، وترفع أي فيتو لها على المساهمة في إعادة الإعمار، فسوريا بدون إعادة إعمار هي فشل سياسي وخسارة اقتصادية بالنسبة لروسيا، رغم أن روسيا سيطرت على مناجم الفوسفات ومعمل السماد وميناء طرطوس وحصلت على امتياز التنقيب عن الغاز في المياه الاقتصادية السورية في البحر الأبيض المتوسط. ولهذا فروسيا يمكن أن تقبل صياغة دستور يقلص صلاحيات الرئيس ويرفع صلاحيات رئيس الوزراء ويعيد هيكلة الجيش فهذا سيعزز سيطرتها على الجيش ويضعف نفوذ إيران وهذا يخدم مصالح روسيا. وهكذا تغييرات يرى فيها الأسد وإيران خطراً داهماً.

خلاصة ما أود قوله أن الضغط على النظام لم يكن بغاية إسقاطه، بل كان ومازال من أجل تغيير سلوكه وقبوله بحل سياسي يقوم على انتقال سياسي، وأعتقد أن الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وجميع الدول العربية لا تريد سقوط نظام الأسد أو انهيار ما بقي من مؤسسات الدولة، وقد كان هذا موقفها حين كان الصراع حاراً، ومازال ذات الموقف حتى اليوم. فهم يخشون من انهيار النظام ومؤسسات الدولة التي تعني الفوضى، وهم لا يريدون مزيداً من الفوضى في الشرق الأوسط المليء بالفوضى حتى الآن، ولكنهم تقاعسوا ولم يضغطوا كفاية لفرض انتقال سياسي وفق جنيف 2012 يحافظ على الدولة ويمنع الفوضى، مما حول الصراع في سوريا إلى أكبر كارثة إنسانية بعد الحرب العالمية الثانية.
 
النظام مانع وسيمانع في إبرام أي حل ما لم يرغم على ذلك، فاستراتيجية النظام وايران من ورائه تقوم على مبدأ "كل شيء أو لاشيء"، ولن يغيرها إلا مرغماً بعد أن تخلت الولايات المتحدة لروسيا عن القضية السورية، وروسيا هي القادرة على إرغامه اليوم، ولكن مأزق روسيا يكمن بين حل سياسي تصوغه على هواها لا يؤثر على قدرة النظام على التماسك، وبين شروط الولايات المتحدة وأوروبا للحل السياسي التي ترى فيها روسيا تهديداً للنظام ولمصالحها.

مع إدارة ترامب يصعب التنبؤ أين ستتجه الأزمة السورية وبالتالي الأزمة المعيشية، فهل ستستمر الإدارة الأمريكية في الضغط على إيران وروسيا للوصول إلى حل سياسي؟، أم ستستطيع روسيا تليين موقف ترامب والقبول بالرؤية الروسية للحل؟، أم أن ترامب والإدارة الأمركية تريد أن تجعل من سوريا أزمة إضافية لروسيا كي تغرق في وحلها، فلا تضغط كثيراً لإرغام الروس والإيرانيين والنظام، ولا تتساهل لتقبل بالحل الروسي، بل تستمر ببقائها شرق الفرات وتترك روسيا تتخبط في سوريا وتعاني من أزماتها المعيشية، وحينها سيعاني السوريون أكثر، وخاصة في مناطق النظام، من أزمات معيشية أصعب، بينما يعاني بقية السوريين في بقية مناطق سوريا أو بلدان اللجوء معاناة قد تختلف في طبيعتها ولكن تتشابه في شدتها. وعلى السوريين الانتظار والمراقبة، فقد أخرج الأصدقاء والأعداء، السوريين، من معادلة الحل.

مواد ذات صلة:

ترك تعليق

التعليق