البراد والغسالة والسلة الإغاثية بنصف الثمن.. نازحون يضطرون لبيع ممتلكاتهم لتجار متجولين


يستمر مسلسل المعاناة الإنسانية التي يمر بها النازحون مؤخراً من ريفي حماة الغريي وإدلب الجنوبي باتجاه مناطق أكثر أمناً في الشمال السوري، هرباً من الحملة العسكرية المستمرة منذ أكثر من شهر، والتي تشنها قوات الأسد المدعومة بغطاء جوي روسي.

ومن أبرز فصول المعاناة هو غياب المأوى لتغدو أشجار الزيتون الملاذ الوحيد لهؤلاء النازحين للمبيت تحتها، وسعيد الحظ من يجد "خيمة" تأويه وعائلته أو يجد منزلًا يستأجره.


وبما أن غالبية العائلات التي نزحت من تلك المناطق حملت معها ما تيسر من أدوات منزلية وبعض الأثاث المنزلي، على أمل أن تجد مكاناً تضع فيه تلك الأشياء، فوجئت بالظروف التي اضطرتها للمبيت تحت الأشجار أو في خيمة تفتقر لأدنى مقومات الحياة، لم يكن أمامهم خيار سوى التخلص من تلك الممتلكات التي حملوها معهم في رحلة نزوحهم، عن طريق بيعها للتجار والباعة الجوالين.

وذكرت مصادر محلية من داخل تجمعات النازحين العشوائية في مناطق شمالي إدلب، أن ظاهرة بيع النازحين للأدوات المنزلية بدأت تنتشر بشكل ملحوظ، مرجعة السبب إلى عدم وجود المأوى الصالح للسكن يضاف إلى ذلك تردي الحالة المادية والمعيشية للأهالي.

ويضطر النازحون لبيع تلك الأدوات بنصف سعرها أو حتى بريع قيمتها، وبالتالي يستغل بعض التجار والباعة المتجولون حاجة هؤلاء النازحين ليقوموا بدورهم بالتحكم بعمليات البيع والشراء وفرض السعر وفق ما يريدون هم وليس النازح.


ولم يقتصر الأمر على بيع النازحين للأدوات المنزلية بل امتد الأمر ليطال حتى المعونات الإغاثية، إذ يضطر النازحون لبيع نصف السلة الإغاثية بنصف ثمنها الحقيقي، لتأمين مصاريف الحياة اليومية الصعبة التي يمرون بها.

"أبو عبدو" أحد النازحين من ريف حماة الغربي قال لـ "اقتصاد"، إن السكان النازحين باتوا مضطرين اليوم لبيع مواد الإغاثة، لأنهم وبسبب النزوح توقفت أعمالهم وانتشرت البطالة بين صفوفهم ولم يعد لديهم أي مدخول أو مردود مادي، ما يدفع بالعائلة إلى أخذ المواد التي يحتاجونها من السلة الإغاثية الموزعة عليهم من إحدى المنظمات، وبيع باقي المواد للتجار الذين بدأوا بالتوافد إلى تلك التجمعات العشوائية التي تؤوي نازحين.

وتابع "أبو عبدو" قائلًا: "التجار المتجولون يتحكمون بالأسواق، فعلى سبيل المثال، كيلوغرام الرز يشتريه التاجر بسعر 100 ليرة سورية، بينما سعره في السوق 250 ليرة سورية تقريباً. وقس على ذلك".


واضطرت كثير من العائلات لبيع مستلزماتها المنزلية بسبب ضيق المكان اللازم للسكن، وفي كثير من الأحيان عدم وجود مكان لوضع "العفش" المنزلي، ما دفعهم للاستغناء عنه، إلا أن تلك الأدوات المنزلية لم تسلم هي أيضاً من جشع بعض التجار واستغلالهم، فعلى سبيل المثال، "الغسالة" التي يبلغ سعرها تقريباً 50 ألف ليرة سورية يدفع فيها التاجر نحو 10 آلاف ليرة سورية، في حين أن "البراد" الجديد الذي يصل سعره في السوق مثلاً إلى 100 ألف ليرة سورية يدفع فيه التاجر المتجول 15000 ليرة سورية فقط، في استغلال واضح منهم لحاجة الناس وعدم وجود مكان لوضع الأغراض والممتلكات فيه، حسبما يخبرنا "أبو عبدو".

وأيد "أبو فيصل"، وهو نازح آخر، ما تحدث به "أبو عبدو"، مضيفاً أن النازحين من غربي حماة وريف إدلب الجنوبي، قاموا ببيع الأدوات الكهربائية من براد وتلفزيون وغسالة بأقل من نصف القيمة، وهناك مواد تم بيعها بسعر 5000 ليرة سورية علماً أن سعرها يصل لأكثر من 50 ألف، والمستفيد هم بعض التجار والباعة الجوالين من ريف ادلب الشمالي.

أمّا "أبو عماد" أحد النازحين أيضاً، فقال إن الناس تلجأ كذلك لبيع السلال الاغاثية بنصف سعرها بسبب أحوالهم المعيشية السيئة، فالنازح الذي ترك بيته ودياره يحتاج للكثير من الأمور وأهمها مادة الخبز، اضافة للمواد الطبية واحتياجات يومية أخرى، لذلك فهو مضطر لبيع ما يملك لتأمين ذلك، وسط شح المساعدات المقدمة وانعدامها في كثير من الأوقات.

وتتوزع التجمعات العشوائية التي بدأت تؤوي نازحين من ريفي حماة الغربي وإدلب الجنوبي، بدءاً من مدينة إدلب وصولاً إلى الحدود التركية السورية.


"أبو محمد" أحد النازحين من ريف حماة الغربي مؤخراً، أكد لـ "اقتصاد" صحة ما يتم الحديث عنه من اضطرار النازحين المتواجدين في التجمعات العشوائية لبيع ممتلكاتهم بنصف ثمنها، وقال: "صحيح ما يتم الحديث عنه حول قيام عدد من النازحين ممن تمكنوا من إخراج ممتلكاتهم وأدواتهم المنزلية، ببيعها، اضافة للمواد الاغاثية، بربع قيمتها أو حتى بثلثها وبأفضل الأحوال بنصف القيمة، ومن أهم المواد التي يتم بيعها هي البرادات والغسالات وأطقم الكنبايات، وهناك بيع للمواد الاغاثية بشكل ملحوظ وسط تحكم واضح أيضاً من بعض التجار".

وأوضح "أبو محمد" أن مادة الخبز هي المطلب الرئيس اليوم للنازحين إضافة لتأمين المأوى أو الخيمة، إذ أن العائلة الواحدة تحتاج يومياً 400 ليرة سورية ثمن شراء الخبز فقط، ما يدفعها لبيع نصف سلتها الاغاثية لتأمين هذا المصروف فقط، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن العائلة النازحة أيضاً تحتاج ما بين 2000 إلى 3000 ليرة سورية كمصروف لها في اليوم الواحد، مبيناً أن هذا المصروف غير ثابت ويختلف من عائلة لأخرى.

وتضطر العائلة لبيع نصف السلة الإغاثية للتاجر المتجول بسعر 5000 ليرة سورية، ومنهم من يبيعها بأقل أو أكثر، ويختلف السعر باختلاف نوع السلة الإغاثية وما تحويه، يضيف "أبو محمد".

وبيّن "أبو محمد" أن هناك "تجار كبار" يقفون وراء هؤلاء التجار أو الباعة الجوالين، كون هؤلاء الباعة يقومون بتفريغ تلك الأدوات في مستودعات خاصة بالتجار الكبار في الشمال السوري، مرجحاً أن تلك المشتريات يتم تصريفها عبر طرق خاصة باتجاه مناطق سيطرة النظام، مرجعاً السبب إلى أن ما يقومون بشرائه من غير الممكن أن يكون له تصريف في مناطق النزوح والتهجير بسبب ضعف الإمكانات المادية والقدرة الشرائية لدى الأهالي بشكل عام.

الجدير ذكره، أن فريق "منسقو استجابة سوريا" العامل في الشمال السوري وثّق مؤخراً نزوح أكثر من نصف مليون نسمة، هرباً من الحملة العسكرية التي تشنها قوات النظام وحلفاؤها على مناطق بشمال غربي سوريا، منذ مطلع شباط الماضي، لجأ كثير منهم للأراضي الزراعية لافتراشها والاقامة تحت أشجارها.

ترك تعليق

التعليق