اقتصاديات.. أزمات معاشية على مقاس حدث سياسي مرتقب


يرى الكثير من المراقبين أن الأزمات المعاشية، التي بدأت تظهر فجأة وبشكل حاد منذ ما بعد منتصف العام الماضي، بالإضافة إلى تراجع سعر الصرف إلى مستويات قياسية، ليست عملية منطقية ضمن دورة الاقتصاد السوري الذي تقلصت معظم موارده، وإنما هناك أحداث سياسية كبيرة يحضّر النظام لها، ولا يريد لشعبه أن يلتفت لما يجري حوله.

ويستدل هؤلاء على أن التحضير لهذه الأزمات، تم بشكل تدريجي وهادئ، إذ أن توزيع الخبز على البطاقة الذكية أو غيره من المواد التموينية، جرى الحديث عنه في فترة متأخرة من عام 2019، في وقت لم تكن تعاني فيه الأسواق من أزمات حادة، ولم يكن هناك أي تطرق لوجود أزمة في إمدادات القمح أو حتى المحروقات، بل كان مسؤولو النظام يؤكدون في تصريحاتهم، على أن الخبز خط أحمر، وكذلك الأمر بالنسبة للعديد من المواد الاستهلاكية.
 
واستمرت الأمور طبيعية إلى ما بعد منتصف العام 2020، وبالتحديد بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب، بالإضافة إلى قانون قيصر، حيث اتخذ النظام هذين الحدثين ذريعة ليزيد من ضغوطه على الشعب السوري، ومن ثم ليلقي باللائمة على الحصار الاقتصادي بأنه هو السبب في تجويعهم، مع أن هذا الحصار قائم منذ مطلع العام 2012، بالإضافة إلى أن قوات سوريا الديمقراطية، تسيطر على الجزء الشرقي من سوريا منذ العام 2015، وقبلها تنظيم الدولة الإسلامية في العام 2013، دون أن تتأثر إمدادات القمح أو الوقود من تلك المناطق.
 
أما الأحداث السياسية المرتقبة التي يحضر لها النظام، بحسب هؤلاء المراقبين، فيأتي على رأسها الانتخابات الرئاسية في منتصف العام الجاري، إذ يرون أن بشار الأسد ينوي ضخ كتلة نقدية ضخمة من العملة الصعبة، في بدايات الشهر الرابع، من أجل إنعاش الاقتصاد، وإعطاء شرعية جديدة لخوضه الانتخابات، على أنه لا يزال يمتلك مفاتيح الحل والسيطرة في سوريا.
 
أما الحدث السياسي الآخر المرتقب، والشديد الخطورة، فهو التقارب مع إسرائيل، والذي بدأت بوادره تظهر للعلن، مع التسريبات التي تتحدث عن محادثات سرية بين الجانبين، بوساطة روسية، ورضى أمريكي، من أجل عقد صلح ثمين،  يضمن فيه بشار الأسد بقاءه في السلطة وتوريثها إلى ابنه، مقابل الاستمرار في الحفاظ على أمن إسرائيل.

وبغض النظر إن كان النظام السوري ينكر وجود مثل هذه المحادثات، بل أنكر مؤخراً صفقة لقاح كورونا الروسي، خلال صفقة تبادل الأسرى، مع أن الخبر أوردته أكثر من جهة إعلامية دولية، إلا أن جميع المؤشرات تدل على أن هناك شيء يجري العمل عليه في الخفاء، ويحتاج إلى تحضيرات كبيرة، منها إشغال الشعب السوري بأزماته المعاشية، مع أجل أن تمر مثل هذه الخطوات بسلاسة، سيما إذا تزامنت مع انفراج بهذه الأزمات.
 
ولا ننسى أن هناك ضغوطاً غربية كبيرة على نظام الأسد، بدأت تتصاعد بشكل لافت خلال الأشهر الأخيرة، من خلال إعادة إثارة ملف الكيماوي، وجرائم الحرب التي ارتكبها بحق شعبه، ما يشير، كما يقول متابعون، بأن ذلك جزء من التحضيرات لعقد مثل هذا الصلح مع إسرائيل، بموافقة نظام الأسد ذاته، الذي سيظهر أمام شعبه بأنه خلص البلد من تدخل دولي كبير، كان سيقضي على الدولة السورية ويفتتها..
 
نعتقد أن الأيام والأسابيع القادمة سوف تكون حاسمة في تبيان حقائق هذه الأشياء، كما أننا لا نستبعد أن تمضي الأمور إلى ما هو أبعد من الصلح مع إسرائيل، بل إلى إنهاء أجسام المعارضة القائمة بكافة تشكيلاتها، وظهور تشكيل جديد، يرغب بالتعاون مع بشار الأسد، ويقبل بأن يتولى مناصب وزارية هامشية في حكومته التي ستلي الانتخابات، مع إبقاء وضع من هم في الخارج على ما هو عليه، انتظاراً لعقد مؤتمر دولي لإعادة الإعمار، قد يستغرق التحضير له عدة سنوات، وقد لا يعقد إطلاقاً..

ولا بد أن نشير في النهاية، إلى أن فكرة الفيدراليات سوف تكون قائمة وحاضرة، وفقاً للرؤية الغربية، حيث خطى بشار الأسد أولى الخطوات نحو القبول بها، منذ نحو أسبوع، عندما ترأس اجتماع المجلس الأعلى للإدارة المحلية، وهو مجلس تم الإعلان عنه في العام 2011، دون أن يرى النور والتطبيق، والذي يعطي صلاحيات كبيرة للمحافظين على حساب الإدارة المركزية بدمشق، ما يعني بطريقة أو بأخرى، الاعتراف بنظام فيدرالي في شمال شرق سوريا على الأقل.

ترك تعليق

التعليق