لاجئ سوري ينشئ مشروعاً للزراعات المائية في مخيم الزعتري


حوّل اللاجئون السوريون في مخيم الزعتري الأراضي الجرداء المحيطة بهم إلى مساحات تزدهر بالإخضرار والنماء في الأماكن الفارغة أو داخل الحدائق الملحقة بخيامهم. وكانت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، قد دربت مطلع العام الماضي 2020 -بإشراف خبراء من جامعة شيفيلد البريطانية- 1500 لاجئ على أسلوب الزراعة المائية الصديقة للموارد المائية في بلد يُعد من أفقر الدول بالماء عالمياً. ولا يحتاج هذا الأسلوب في الزراعة إلى التربة. ولكن بدلاً منها، يتم استخدام أجزاء من الحشايا القديمة في أكواب صغيرة أعيد تدويرها، جنباً إلى جنب مع الشتلات وبعض الماء.

"محمد ديب محفوظ"، لاجئ سوري من محافظة إدلب يعيش في مخيم الزعتري منذ شباط 2014. عانى في البداية -كما يقول لـ "اقتصاد"- من صعوبة الأوضاع داخل المخيم الصحراوي من قلة الماء والكهرباء والفوضى والعشوائية، نظراً لأن السكن كان في خيم قماشية في البداية. ولكنه بعد سنوات ارتاح نفسياً بعد استقراره في كرفان، والتفت كما يقول إلى العمل الزراعي الذي كان يمارسه قبل اللجوء فلجأ إلى إنشاء منظومة زراعية مائية بتشجيع من الدكتور "مؤيد المسلماني" خريج جامعة كامبردج البريطانية والإتحاد اللوثري في مخيم الزعتري، وأعطت هذه المنظومة في وقت قياسي نتائج غير متوقعة-حسب قوله- مضيفاً أنه كان مزارعاً في الأساس ولديه أراض وزراعات، وتابع أن ما شجعه على إحياء هذا الاهتمام هو فكرة الزراعة المائية الجديدة بالنسبة له ورغبته في تكوين خبرة في هذا المجال يستطيع من خلالها تقديم شيء مفيد بعد أن يعود إلى سوريا في المستقبل-إن شاء الله-.
 

 وكشف محفوظ أن هذه التجربة كانت ناجحة بكل المعايير وتمكن من خلالها من زراعة العديد من أصناف الخضروات والفواكه كالبندورة والفليفلة والباذنجان والخيار والفريز والدراق، كما تمكن مع فريق من شبان المخيم من إنتاج سائل يتم استخدامه في الزراعة  ولكنه لا يزال قيد التجربة، ونتيجة عدم وجود أي مبيد كيماوي للحشرات في المخيم ومنعه من الاستخدام اتجه لاعتماد طريقة في تركيب مبيد حيوي، مستخدماً معصور ورق الزنزلخت بعد تخميره لمدة محددة، لإبادة العناكب والحشرات، وهو بديل للمواد الكيماوية المضرة للبشر والنباتات، وكذلك استخدم سائل التنظيف "اللودالين" لبخ الفطريات والحشرات خاصة البيضاء منها التي تتلف محصول البندورة. 



وكشف محفوظ أنه استزرع كذلك الخس والنعنع والزعتر البري، ولجأ إلى جمع أوراق الأشجار والمولوخية وقام بتخميرها وجعل منها خلطة بنسب محددة مع إضافة مواد عضوية كرؤوس الحمام في إنتاج سماد حيوي غير كيماوي يساعد النبات على النمو والإستغناء عن التراب.

 واستدرك المصدر أن الزراعة من خلال الأنظمة المائية أقل تكلفة من غيرها من الزراعات، وهو يخفف من استهلاك المياه ومن خلال نسبة مياه قليلة يمكن زراعة مساحة كبيرة بزراعات خالية من أي مواد كيماوية أو ملوثات.
 
ولم يخف محفوظ وجود صعوبات في مشروعه الزراعي ومنها -كما يقول- عدم وجود مكان مناسب للزراعة المائية (هنغار أو غيره) حيث اضطر للإستغناء عن دكان ملحق بخيمته لمشروعه وهو لا يتجاوز 3/ 3 م، أما االصعوبات الأخرى فتم تذليلها -بحمد الله-.

 وكشف محفوظ أنه استزرع أشجاراً ونباتات ليست موجودة في الأردن ومنها نبتة المحلب التي جلبها من سوريا إلى تركيا ثم إلى الأردن ليقوم بزراعتها في المخيم، وكذلك شجرة البندق ولكنه لم يتمكن من استزراعها بسبب ملوحة الأرض في المخيم. 



وبدوره قال الدكتور "مؤيد المسلماني" لـ "اقتصاد" إن وفداً من جامعة شيلفد البريطانية قام بزيارة إلى مخيم الزعتري عام 2017 ولاحظ أن هناك عدداً كبيراً ممن يمارسون العمل الزراعي فيه ولاحظوا كذلك أن التربة مالحة وفقيرة بالمواد العضوية وأقرب للصحراوية ولا تعطي خيارات واسعة نظراً لمحدودية كمية المياه المقدمة للاجئين.

 وأضاف المصدر أن الوفد المذكور لاحظ وجود مستودع كبير مليء بفرشات الإسفنج المستعملة التي كانت معدة للإتلاف ووجود كمية كبيرة من المواد البلاستيكية التي يمكن استخدامها في بناء أنظمة بسيطة للزراعة. كل هذا –كما يقول المسلماني- حفز فكرة استخدام هذه الفرشات وكذلك العلب والأنابيب والأواني البلاستيكية لإنشاء أنظمة بسيطة في الزراعة المائية باستخدام كمية مياه تعادل بين 10 إلى 20% من كمية المياه المستخدمة في الزراعة التقليدية عادةً.

  وأشار المسلماني إلى أن هناك إقبالاً كبيراً من اللاجئين في مخيم الزعتري على هذا المشروع ووجود رغية حقيقية في تعلم هذه التقنية التي لا تقتصر على مخيم الزعتري بل يمكن تطبيقها على أي مكان في الأردن يعاني من مشاكل في التربة ومحدودية في المواد الطبيعية.

 ولفت محدثنا إلى أن جامعة شيلفد قامت بتدريب العشرات من الراغبين بالعمل في الزراعة المائية وإنشاء بعض الأنظمة التجريبية وتقديم كل ما من شأنه تهيئة الظروف المناسبة لإنجاح هذا المشروع بما يناسب طبيعة المخيم بمحدودية موارده المائية.
  
ود. محمد علي المسلماني، باحث سابق في الهيئة العامة للبحوث الزراعية في سوريا، ويعمل حالياً كباحث ومدير لمشاريع دولية في جامعة شيفلد البريطانية، وهي من أفضل 100 جامعة على مستوى العالم. وعمل في السابق كخبير زراعي في مجال الإجهادات المائية على المحاصيل والنباتات وعلى منظومة التمثيل الضوئي في النباتات، وهو زميل في منظمة الغذاء العالمية وعدد من المؤسسات والمنظمات العالمية العاملة في مجال الزراعة المائية والأمن الغذائي.

ويستضيف الأردن حوالي 650 ألف لاجئ سوري مسجل لدى الأمم المتحدة، بينما تقدّر عمّان عدد الذين لجأوا إلى المملكة منذ اندلاع الثورة في سوريا بـ 1.3 مليون لاجئ ، 80 ألف منهم في مخيم الزعتري الذي أقيم في بداية اللجوء السوري إلى البلاد.

ترك تعليق

التعليق