في ظل الصراع مع "لوبي الفوائد" في تركيا.. إلى أين سيتجه سعر صرف الليرة؟


يطرح تدهور الليرة التركية وهبوط قيمتها إلى مستويات غير مسبوقة أمام العملات الأجنبية، بفعل قرار البنك المركزي التركي خفض سعر الفائدة، تساؤلات عن مستقبلها.

وتسبب تجاوز الدولار الواحد حاجز الـ11 ليرة تركية، بحالة من القلق والخوف في السوق، وهو ما أدى إلى ارتباك الحركة التجارية.

والسؤال الذي يحاول "اقتصاد" في هذا التقرير الإجابة عنه اعتماداً على آراء خبراء في مجال المال والاقتصاد هو: ما مستقبل الليرة التركية؟

صدام مع "لوبي الفوائد"

عضو حزب "العدالة والتنمية" والمحلل الاقتصادي التركي، يوسف كاتب أوغلو، يقول لـ"اقتصاد"، إن الحكومة التركية تخوض حالياً صراعاً مع "لوبي الفوائد" الداخلي التركي والخارجي، حيث لا زال الأخير يقاوم الحرب الرسمية.

ويضيف أن السلطات التركية تقود توجهاً نحو خفض الفوائد والاعتماد على الاقتصاد الإنتاجي الذي يعتمد على فتح قنوات استثمارية عملية لرؤوس الأموال الخارجية، حتى يكون لها مساهمة في نمو الاقتصاد التركي.

وأضاف كاتب أوغلو، أن تركيا تنادي منذ نحو عقدين بالاستثمار الحقيقي، في المقابل هناك تحالفات ضد هذا التوجه، حيث تشجع هذه الاستثمارات المالية في البنوك وما يسمى بـ"الاقتصاد المالي".

وتابع المحلل التركي، بأن هذه التحالفات تعلمت على الربح من خلال الفوائد العالية.

وبذلك، فإن الحكومة التركية أمام تحديات وصدام حقيقي مع "لوبي الفوائد"، مضيفاً: "هناك اقتناع رسمي بأن انخفاض الفوائد يعني النمو الأكبر، وهذا سينعكس على رفاهية كل الأتراك، وليس على شركات تجني الأرباح من الفوائد".

وطبقاً لكاتب أوغلو، فإن الحكومة التركية تعتقد أن "الفوائد" هي سبب التضخم، مستدركاً: "ما يحدث الآن هو أن الحكومة التركية تتعرض لضغوط لرفع الفائدة حتى تتعافى الليرة التركية، يقابلها تصميم رسمي على عدم الرضوخ".

ومضى بقوله: "الحكومة لديها توجه استراتيجي، ومن المتوقع أن يستمر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في توجهه".

ترجيحات بهبوط جديد

وحسب كاتب أوغلو، فإن من المرجح أن تقوم الحكومة التركية بتخفيض الفائدة مرة أخرى قبل نهاية العام الحالي 2021، ما يعني احتمالية ارتفاع سعر الدولار إلى حدود 13 ليرة تركية بنهاية هذا العام.

لكن وحسب كاتب أوغلو، فإن ذلك لا يعني زيادة الأسعار بشكل كبير، وخصوصاً أن الحكومة ستتجه لمعاقبة كل من يرفع الأسعار وخصوصاً المواد المنتجة محلياً.

في المقابل، توقع الباحث الاقتصادي ارتفاع نسبة الصادرات التركية، وكذلك نسبة النمو إلى ما فوق الـ10 في المئة، توازياً مع انخفاض نسبة البطالة.

وقال: "لربما ستعاني الشرائح الفقيرة من انخفاض قيمة الليرة، والحكومة عازمة على زيادة الحد الأدنى للرواتب والأجور، وتخفيض قيمة الضريبة المضافة، وعلى زيادة دعم أصحاب الدخل المحدود".
  
كذلك أشار كاتب أوغلو إلى ما يشبه الحرب الإعلامية التي تخوضها أطراف خارجية، التي تريد تشويه سمعة اقتصاد تركيا، منهياً بقوله: "لا تريد تركيا أن تكون الأموال الخارجية وسيلة ضغط عليها".

عوامل سياسية واقتصادية

من جانبه، يرجع الأكاديمي في جامعات الشمال السوري، ونقيب الاقتصاديين، الدكتور ياسر الحسين، انخفاض قيمة الليرة التركية إلى عوامل سياسية واقتصادية.

ويوضح في حديثه لـ"اقتصاد"، أن الأوضاع السياسية في الوقت الحالي، تلعب دوراً في تذبذب سعر صرف الليرة التركية.

اقتصادياً، يشير الحسين إلى عوامل مرتبطة بالسياسة المالية والنقدية، موضحاً أن :"هدف الحكومة التركية من تخفيض الفوائد، هو تخليص البنك المركزي من سلطة المستثمرين غير الحكوميين، تمهيداً لامتلاكها قرار المركزي".

ويرى الحسين أن حيازة الحكومة للقسم الأكبر من أصول البنك المركزي والتحكم بقراراته، إن استطاعت، سيمكنها لاحقاً من التحكم بسعر الصرف عن طريق التدخل المباشر، مستدركاً: "قد تكون هذه السياسة ناجحة، لذلك يبدو أن الحكومة التركية مصرة على تنفيذ هذه السياسة (سياسة تخفيض سعر الفائدة) حتى تصل إلى الهدف الذي تنشده".

جملة ضغوط

الباحث بالشأن الاقتصادي، والأكاديمي، يحيى السيد عمر، أشار في تدوينة على صفحته الشخصية "فيسبوك" إلى جملة ضغوط اقتصادية أدت إلى تدهور الليرة، في مقدمتها ارتفاع معدلات التضخم، أي توفر كميات ضخمة من الليرة في السوق وهي كمية أعلى من الحاجة الفعلية، ولا تتناسب مع كمية الدولار الموجودة.

وبذلك، يرى السيد عمر أن الحكومة التركية أمام واحد من حلين، الأول معالجة التضخم من خلال رفع سعر الفائدة، والذي يؤدي لتقليل كمية الليرة في السوق وتركزها في البنوك، وهنا بالفعل قد ينخفض التضخم وتتحسن قيمة الليرة، مستدركاً لكن هذا الحل يبقى حلاً مؤقتاً، لأنه يضر بالإنتاج نتيجة ارتفاع تكاليف التمويل، ويزيد الاستيراد ويقلل التصدير.

أما الحل الثاني، فهو الاستمرار في تخفيض سعر الفائدة، وهو ما تتبعه الحكومة التركية حالياً، وهذا الحل يعالج جذور المشكلة، من حيث إنه يحفّز الإنتاج نتيجة انخفاض تكلفة التمويل، ويحفز التصدير ويضغط على الاستيراد، وفق الباحث.

ترك تعليق

التعليق