"الدولار السوري"..!


الحديث عن مآلات الليرة السورية في ظل الوضع العالمي الجديد، الذي بدأت فيه أمريكا بتطبيق سياسة نقدية متشددة تجاه عملتها، تقوم على سحب السيولة من الأسواق العالمية، وتجميعها في البنوك الأمريكية، عبر قرارات رفع الفائدة، بات ضرورياً، لأنه أدى إلى رفع سعر صرف الدولار أمام عملات العالم جميعاً، ومنها الليرة السورية، لكن مع فارق كبير، أن هناك دول لديها ملاءة كبيرة من الاحتياطي النقدي بالدولار، وتستطيع التدخل بواسطتها وإعادة التوازن لعملتها، ودول أخرى لا تملك هذه الملاءة، وبالتالي فهي أكثر عرضة للانهيار الاقتصادي والنقدي.. ومنها سوريا.

ومع ذلك نستطيع أن نلاحظ أن الانخفاض الذي حصل لليرة السورية في سوق الصرف، خلال الأشهر الثلاثة الماضية على سبيل المثال، لا يكاد يذكر قياساً بوضع البلد الاقتصادي المدمر من جميع النواحي، وبالمقارنة كذلك مع دول أخرى، مثل تركيا ومصر، أو منطقة اليورو، حيث فقدت العملة هناك نسبة تراوحت بين 10 إلى 20 بالمئة من قيمتها.

فما هو السر الذي يكمن وراء تماسك الليرة السورية، على هذا النحو الذي يحفظها من الانهيار المدوي..؟ وإلى أي مدى يمكن أن تصمد، في ظل سياسات التحوط التي يمارسها المصرف المركزي التابع للنظام، من خلال الحد من المستوردات إلى المستويات الدنيا..؟

من المعروف أن وضع الاقتصاد العالمي لا يؤثر كثيراً في حركة الليرة السورية، بنفس القدر الذي يؤثر فيه بباقي الدول والعملات، نظراً لأن الاقتصاد السوري تتحكم فيه مجموعة من العوامل الداخلية، والتي يأتي على رأسها أسلوب القمع والتسلط، بالإضافة إلى أن الليرة السورية هي عملة محلية بامتياز، بمعنى أن تداولها وتصريفها في أسواق باقي الدول، شبه معدوم، وبالتالي هذا يسهل من عمليات ضبط سعر صرفها والتحكم به ضمن حدود معينة..

الأمر الثاني، أن النظام السوري يعتمد على الاقتراض من إيران، لتوفير أبرز مستورداته وأكثرها تكلفة، وهي النفط، والقمح، والكثير من السلع الأساسية، وهي قروض لا تضغط عليه، لأنه لا يقوم بتسديدها من نتائج الاقتصاد السوري، وإنما يدفع ثمنها امتيازات اجتماعية وسياسية للجانب الإيراني.. مع الاعتراف بأن الكثير من شروط هذه القروض هي مجهولة للجميع، ولا أحد يعرف على وجه الدقة حجمها أو آلية تسديدها.

أما أبرز الضغوط التي تتعرض لها الليرة السورية، فهي تتعلق بالبضائع التي يضطر النظام لاستيرادها من الأسواق الخارجية بالدولار، ولا يوجد بدائل لها في أسواق الدول الداعمة له، وهي بضائع قدّر المصرف المركزي تكلفة استيرادها في مطلع العام الجاري، بنحو 3 مليار دولار حتى نهاية العام..

إذاً، بناء على ما سبق، فإن المتغير الأكبر الذي بدأت تتعرض له الليرة السورية، هو تكاليف الاستيراد المقدرة سابقاً بهذاك المبلغ، والتي أصبحت تعادل فعلياً نحو 4 مليار دولار، في ظل ظروف التضخم العالمي، وارتفاع سعر صرف الدولار، وارتفاع تكاليف الشحن، ناهيك عن تبعات الحرب الروسية - الأوكرانية..

وبناء عليه، فإن وضع الاقتصاد السوري، ومعه الليرة السورية، أصبح مرتبطاً، بقرارات رفع الفائدة الأمريكية، التي من المتوقع أن تصل حتى نهاية العام إلى نحو 3.5 بالمئة، أو حتى 4.. وهذا يعني مزيداً من ارتفاع في سعر صرف الدولار، ويعني كذلك بشكل أكيد انخفاض سعر صرف الليرة السورية.

أما حجم هذا الانخفاض، فهو مرهون بسياسات النظام في المرحلة القادمة، الذي اختار حتى الآن الضغط على المواطن السوري، وتحميله كامل التكاليف، بدل أن تتحملها الليرة السورية.

ترك تعليق

التعليق