هل المصرف المركزي مفلس من القطع الأجنبي..؟


تروّج مواقع إعلامية، أغلبها تابع للمعارضة، معلومات تتحدث عن إفلاس المصرف المركزي التابع للنظام من القطع الأجنبي الكافي لتأمين مستوردات الدولة من المواد الأساسية، وهو ما أدى في الآونة الأخيرة، حسب قولها، لتراجع سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار. وهي مرشحة للمزيد من الهبوط، مع تراجع حجم الاحتياطي النقدي من العملات الصعبة، وفق تلك المواقع.

هذا الكلام يمكن اعتباره بمثابة التفسير البسيط لأسباب تراجع سعر صرف الليرة السورية في الآونة الأخيرة، أو على الأقل التفسير المتاح، في ظل غياب أية بيانات صادرة عن الجهات العامة، والتي تتناول واقع الاقتصاد النقدي في البلد.

لكن على مقلب آخر، يؤسفنا القول إن هذا الكلام غير حقيقي، أو غير دقيق، ولا يمكن لدولة، مهما بلغت ظروفها من السوء، أن تفلس من القطع الأجنبي على النحو الذي تورده هذه المواقع.. ففي أسوأ الحالات تستطيع الدولة أن تقوم بشراء الدولار بعملتها المحلية، حتى لو ساهم ذلك بانخفاض قيمتها، وفي حالة مثل سوريا، فإن هناك يومياً، ووفقاً لبيانات دولية، نحو 4 مليون دولار من التحويلات الخارجية التي تستقبلها المصارف الحكومية، أي ما قيمته أكثر من 100 مليون دولار شهرياً، ناهيك عن باقي معاملات الدولة الخارجية من تصدير وإيرادات جوازات السفر ودفع البدلات، والتي تؤمن مبالغ كبيرة بالقطع الأجنبي، للنظام السوري.

إذاً، ما الذي يحدث لليرة السورية وما هي أبرز أسباب انخفاضها..؟

كنا قد كتبنا على هذا الموقع ومنذ بدء الحرب الأوكرانية الروسية، نهاية شهر شباط الماضي، أن الليرة السورية وحتى مطلع الخريف سوف تنخفض إلى ما يعادل 5 آلاف ليرة مقابل الدولار، وبنينا هذا التوقع، بناء على الصعوبات والظروف التي سوف تخلفها هذه الحرب، من رفع أسعار الكثير من السلع الأساسية، بالإضافة إلى ارتفاع كلفة الشحن وصعوبات في الاستيراد، والكثير غيرها من الصعوبات التي خلفتها هذه الأزمة، نتيجة العقوبات الاقتصادية على روسيا..

إذاً ما حدث أن الليرة السورية كانت سريعة الانكشاف في ظل هذه الأزمة الطارئة، بسبب عدم قدرة المصرف المركزي على دعمها، عبر عمليات ضخ كبيرة للدولار في الأسواق، كما كان يفعل سابقاً في الفترات من عام 2013 إلى عام 2017، إبان فترة تولي أديب ميالة لحاكمية المصرف.. إضافة إلى ذلك فإن ارتفاع أسعار السلع في الأسواق العالمية، مع فقدان ما يسندها من عملات صعبة كافية في السوق المحلية أو أرصدة كبيرة في المصارف الحكومية، فإنه من الطبيعي أن يتراجع النقد في هذه الدولة، وقد ينهار في حال لم تستطع أن تؤمن الاحتياطي النقدي اللازم لتغطية المستوردات الخارجية.

حتى اليوم، لا يمكن القول إن الليرة السورية انهارت بالكامل، كما حدث لليرة اللبنانية أو العملة الفنزويلية قبل عدة سنوات، التي تحولت إلى أوراق لا قيمة لها.. فسواء قبلنا أم لم نقبل، فإن النظام السوري، لايزال قادراً على الإمساك بالليرة، وإن بطريقة تشبه من يحاول إمساك الصابونة بأيدي مبلولة، لكنه في النهاية، وبسبب مركزيته وسيطرته الأمنية، استطاع منع الليرة من السقوط المدوي، ولو كان الأمر متروكاً للأسواق والتجار، فلربما كانت الليرة اليوم في موقع لا يقل بؤساً عن الليرة اللبنانية..

أما التساؤل الأبرز من كل العرض السابق، هو مدى قدرة النظام على الاستمرار في السيطرة على الليرة، أو بصورة أدق ما هي احتمالات هبوطها أكثر من ذلك..؟

بدون شك، أن كل التراجعات التي تعرضت إليها الليرة مقابل العملات الصعبة، كانت رغماً عن النظام ورغماً عن إجراءاته القمعية.. وأكثر ما يمكن أن نتوقعه لحال هذه الليرة، هو التأكيد على ما كتبناه قبل عدة أشهر، بأن الليرة ماضية إلى 5 آلاف مقابل الدولار.. وهي القيمة التي سوف تستقر عندها حتى نهاية العام الجاري، مع تبدلات طفيفة صعوداً وهبوطاً.. طبعاً، ما لم تحدث معجزة من ذلك النوع المتضمن في القصص الخيالية.

ترك تعليق

التعليق