عندما يكون المسؤول "تافهاً"


لم يكن أحد يتوقع أن تصدر وزارة التربية قراراً بهذه السرعة، تدرج فيه رياضة البيسبول كلعبة أساسية في جميع المدارس السورية، وذلك بعد تصريحات للوزير دارم الطباع قبل نحو أسبوعين، أبدى فيها إعجابه بهذه اللعبة وتمنى نشرها في المدارس.

لقد تعامل كثيرون مع هذه التصريحات كنوع من الترفيه، على أن الوزير يحب أحياناً المزح والمرح، سيما وأن المشاكل التي تتعرض لها العملية التربوية في سوريا، لا يدخل من ضمنها الرياضة على الإطلاق.. "فلا يعقل أن يكون الوزير تافهاً إلى هذا الحد..!"، هكذا كتب أحد المعلقين، متهماً وسائل الإعلام التي تناولت الخبر بالمبالغة والتهويل.

غير أنه اتضح، أنه عندما أطلق الوزير تصريحاته تلك عن رياضة البيسبول، كان قد اتخذ خطوات عملية في هذا الاتجاه، وهو ما كشف عنه مدير التربية الرياضية في وزارة التربية، الذي أعلن بأنه تم تنظيم دورة تدريبية بلعبة البيسبول 5، لمدة 15 يوماً، بالاتفاق مع الاتحاد السوري لهذه الرياضة، شارك فيها 12 مشتركاً من طلاب المعهد الرياضي، من أجل توزيعهم على المدارس لتدريب التلاميذ عليها.

وتحدث مدير التربية الرياضية أيضاً عن مزايا هذه اللعبة، وبأن تكلفتها بسيطة وأغلب المدارس تحوي على باحات تصلح لأن تصبح ملاعب بيسبول، كما أنها تساعد التلاميذ بحسب قوله، على تنشيط أبدانهم وأذهانهم، بسبب روح المنافسة والمغامرة الموجودة فيها.

طبعاً، من الصعب قراءة مثل هذا الخبر وهذا القرار بمعزل عن الواقع المأساوي الذي تعيشه العملية التربوية في سوريا، فهو يأتي بالتزامن مع أخبار تتحدث عن تقديم مئات المدرسين لاستقالاتهم، وهم ينتظرون الموافقة عليها، بسبب عدم كفاية رواتبهم سوى لتغطية تكاليف النقل، ناهيك عن واقع المدارس ذاتها التي لا يوجد فيها كهرباء ولا مازوت من أجل التدفئة، ولا مقاعد للتلاميذ صالحة للجلوس عليها، ولا كتب كافية، فضلاً عن دمار البنية التحتية بشكل شبه كامل في العديد من المدارس.

أما إذا انتقلنا إلى جهة الطلاب، فهم في أغلبهم يعانون من سوء تغذية، يجعلهم غير قادرين على ممارسة أي نوع من أنواع الرياضة، كما أنهم يعيشون ظروف أهاليهم السيئة بكامل تفاصيلها، ويتحملون تبعاتها كما الكبار.

لذلك كان الأولى بوزارة التربية، بدل هذه المسخرة، أن تفكر بشكل جدي بكيفية دعم المدرسين وزيادة رواتبهم، وتقديم الدعم للمدارس وتهيئتها بحيث تصبح صالحة للاستخدام الآدمي.. لكن على ما يبدو أن هناك خطة مدروسة لتدمير التعليم الذي تشرف عليه الحكومة، لصالح نشوء قطاع خاص للتعليم، تستفيد منه النخبة القادرة على دفع تكاليفه فقط.. أما الفئات الفقيرة، فلا يوجد أمامها سوى هذا التعليم ذي المواصفات السيئة.

باختصار، النظام في سوريا يتجه إلى تخليه عن موضوع الدعم بالكامل بما في ذلك التعليم، لكنه يسلك طريقاً قذراً في فرض هذا النهج.. فهو لا يعلن تخليه عن دوره الاجتماعي، وإنما يقدم خدمة سيئة جداً لا طاقة للبشر على تحملها، وفي المقابل يقدم خدمة أخرى أفضل منها لكن بتكاليف مرتفعة.. فمن أراد أن يعيش في هذه البلد عليه أن يدفع، ومن لا يملك عليه أن يقبل بعيشة الذل والقهر، أو فليرحل ويبحث عن بلد آخر يعيش فيه.

ترك تعليق

التعليق