الإغاثة والاستغاثة


منذ انطلاق أحداث الثورة السورية في آذار من العام 2011، كان هناك تنافس كبير بين خطابين إعلاميين على مستوى المعارضة: إعلام يقاوم، وآخر يستغيث.

كنت في ذلك الوقت مع النوع الأول من الإعلام وضد النوع الثاني، خشية أن يتفوق تضامن المجتمع الدولي مع قضيتنا الإغاثة والإنسانية، وعلى حساب قضيتنا مع النظام المجرم والقاتل في دمشق.. فيدعم الأولى ويتخلى عن دعم الثانية.. وهو أسهل له ويرضي من جهة ثانية أبناء الثورة، الذي يعتقدون أن ذلك سوف يجعلهم يتفرغون لمقارعة النظام.

بعد ذلك، حدث ما كنت أخشاه.. وبدأت رويداً رويداً تختفي الأخبار التي تتحدث عن إجرام النظام وبطولات الثورة السورية، لصالح الاهتمام بالقضايا الإنسانية والإغاثية.. إلى حد أن من كان يأتي طارئاً على الحدث السوري، يعتقد بأن زلزالاً أو كارثة طبيعية قد ضربت هذا الشعب، وليس ضحية نظام مجرم ومستبد.

مرة سألني أحد إعلاميي الإغاثة والاستغاثة، الذي كان يحرص كل ساعة على نشر فيديوهات تتحدث عن حالات إنسانية ينفطر لها القلب: ماذا تريدنا أن نفعل برأيك..؟

يومذاك كنت في الأردن في مطلع العام 2012، وكان من الصعب حقيقة، تجاهل حالة النزوح البشري الكثيف على هذا البلد، بالإضافة إلى أعداد الجرحى الكبيرة التي كانت تصل يومياً إلى المشافي الأردنية، وبعضها مرعب..

قلت له: نشر هذه الفيديوهات بهذه الكثافة، فضلاً عن أنه يضعف مقاومة الناس التي خرجت على النظام في الداخل، ويدفعهم للاستسلام بسهولة، فإن الخشية أن يتحول العمل الثوري، إلى شحادة.. وأظن أن هذا ما حدث بالفعل بعد ذلك..

آخر خمس سنوات لا يوجد في إعلام الثورة إلا الإغاثة والاستغاثة.. لقد طغت أخبار اللجوء والجوع والتشرد والحالات الإنسانية الصعبة على كل شيء.. لدرجة أن العالم نسي تماماً قضيتنا مع نظام الأسد، وتحولنا بنظره إلى قضية إنسانية بحتة.

ناهيك عن ذلك، فإن إعلامنا السياسي والثوري حظي بفشل ذريع، بينما إعلامنا الإغاثي يزدهر ويتطور باستمرار.. وكل من تابع التغطية الإعلامية للزلزال الذي ضرب الشمال السوري، يعرف عن ماذا أتحدث.. لكن الطارئ الجديد أننا أصبحنا نستغيث ولا يستجيب لنا أحد..

صرنا بنظر الآخرين، "شوية" مرتزقة، على فاسدين على انتهازيين، بعد أن كنا في السنوات الأولى للثورة نمشي وصدورنا منفوخة إلى الأمام..

للأسف، أن تكون سورياً اليوم، يعني أنك تستحق الشفقة.. ينظر إليك الآخرون وكأنك قادم من عصور سابقة، وقد أنهكك الجوع والبرد والتشرد، ولم يعد أحد ينظر إلينا على أننا أبطال وقد قارعنا أعتى نظام استبدادي في المنطقة والعالم..

قال لي صديق منذ أيام: "أنا بطلت صير سوري..!"، شعرت وكأنه يقول، وكما كتب محمد الماغوط يوماً: "سأخون وطني"..

ترك تعليق

التعليق